فَإِنْ اخْتَلَّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ نَقَصَ الْعَدَدُ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ لَفْظِ الشَّهَادَة، أَوْ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، أَوْ كَانُوا، أَوْ بَعْضُهُمْ إنَاثًا، أَوْ أَرِقَّاءَ، أَوْ كُفَّارًا وَجَبَ عَلَى الْجَمِيعِ الْحَدُّ، أَمَّا فِي نَقْصِ الْعَدَدِ فَلِئَلَّا تُتَّخَذُ صُورَةُ الشَّهَادَةِ ذَرِيعَةً إلَى الْوَقِيعَةِ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ، وَأَمَّا فِيمَا عَدَاهُ فَلِانْتِفَاءِ الشَّهَادَةِ، أَوْ شَرْطِهَا فَلَمْ يَقْصِدُوا إلَّا الْعَارَ وَتَصْرِيحًا بِاعْتِبَارِ وَصْفِهِمْ بِالذُّكُورَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَسُكُوتُهُ كَأَصْلِهِ عَنْ اعْتِبَارِ عَدَالَتِهِمْ وَعَدَمِ عَدَاوَتِهِمْ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيمَا إذَا كَانُوا وَبَعْضُهُمْ فَسَقَةً أَوْ أَعْدَاءً لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الشُّهُودِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الزِّنَا بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ وَالْعَدَاوَةَ إنَّمَا يُعْرَفَانِ بِالظَّنِّ وَالِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَأَمَّا الْقَاذِفُ فَيُحَدُّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الزِّنَا وَلَا مُعَارِضَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ فِي الْأَرْبَعَةِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ وَلَا عَنْهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالزِّنَا لَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الْبَحْثُ عَنْ إحْصَانِ الْمَقْذُوفِ، بَلْ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ لِظَاهِرِ الْإِحْصَانِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لِعِصْيَانِهِ بِالْقَذْفِ وَلِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْهُ يُؤَدِّي إلَى إظْهَارِ الْفَاحِشَةِ الْمَأْمُورِ بِسَتْرِهَا بِخِلَافِ الْبَحْثِ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ لِيَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمْ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ
(وَلَوْ بِالِاسْتِيفَا) أَيْ: يُوجِبُ الْقَذْفُ الْحَدَّ وَلَا يَسْقُطُ بِاسْتِيفَاءِ غَيْرِ الْإِمَامِ، وَلَوْ (قَدْ اسْتَقَلَّا) أَيْ: الْمَقْذُوفُ بِاسْتِيفَائِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الْمُوقَعُ فَيُسْتَوْفَى ثَانِيًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الْقَوَدِ؛ لِأَنَّ مَوَاقِعَ الْجَلَدَاتِ وَالْإِيلَامَ بِهَا تَخْتَلِفُ كَحَدِّ الزِّنَا إذَا فُعِلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَهَذَا مِمَّا أَشْبَهَ بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ حُدُودَ اللَّهِ لَكِنَّ الْمُغَلِّبَ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ يُسْتَوْفَى بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ وَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ (أَوْ طَرَأَتْ مِنْ بَعْدُ) أَيْ: بَعْدِ الْقَذْفِ (رِدَّةٌ) مِنْ الْمَقْذُوفِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ (لَا) إنْ طَرَأَ (زِنَاهُ) بَعْدَ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الزِّنَا يُكْتَمُ فَظُهُورُهُ مُشْعِرٌ بِسَبْقِ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى كَرِيمٌ لَا يَهْتِكُ السِّتْرَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَالرِّدَّةُ عَقِيدَةٌ وَهِيَ لَا تُكْتَمُ غَالِبًا فَإِظْهَارُهَا لَا يُشْعِرُ بِسَبْقِ إخْفَائِهَا وَلِأَنَّ الزِّنَا يَمْنَعُ مَاضِيهِ الْحَصَانَةَ لِإِنْهَاكِ عِرْضِهِ فَيُسْقِطُهَا مُسْتَقْبَلُهُ بِخِلَافِ الْكُفْرِ وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مَوْضُوعٌ لِلْحِرَاسَةِ مِنْ الزِّنَا دُونَ الرِّدَّةِ فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ بِطُرُوِّهِ دُونَ طُرُوِّهَا وَكَطُرُوِّ الزِّنَا وَالْوَطْءِ الْمُسْقِطِ لِلْعِفَّةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ
(أَوْ أَبَاحَهُ أَنْ يَقْذِفَا) أَيْ: أَوْ أَبَاحَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْذِفَهُ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَإِنْ لَمْ يُبِحْ بِالْإِبَاحَةِ كَمَا لَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ لَا قَوَدَ (أَوْ مُسْتَحِقُّهُ) أَيْ مُسْتَحِقُّ حَدِّ الْقَذْفِ وَهُوَ الْمَقْذُوفُ، أَوْ وَارِثُهُ الْحَائِزُ
(عَفَا) عَنْهُ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْحَدَّ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ فَسَقَطَ بِعَفْوِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَلَوْ عَفَا عَنْهُ
ــ
[حاشية العبادي]
بَعْدَ الْحَدِّ عُزِّرَ
(فَرْعٌ) ادَّعَتْ امْرَأَةٌ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ أَنَّ فُلَانًا نَزَلَ إلَيْهَا لَيْلًا وَرَاوَدَهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَسَبَتْهُ لِذَلِكَ لَا بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ فَيُعَزَّرُ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ
(فَرْعٌ) لَوْ كَذَّبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ عُزِّرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَسَبَهُمْ لِنَحْوِ الزِّنَا بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ لِأَنَّ لَهُ الطَّعْنَ فِيهِمْ بِقَادِحِ الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ التَّكْذِيبِ م ر
(قَوْلُهُ: يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيمَا. . إلَخْ) أَيْ: وَقَدْ كَمُلَ النِّصَابُ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ عَلَى زَوْجَتِهِ. . إلَخْ) ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا، وَلَوْ جَهِلَ الثَّلَاثَةُ كَوْنَ الرَّابِعِ زَوْجًا وَأَنَّ شَهَادَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً فِي حَقِّهِمْ لِعُذْرِهِمْ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ. . إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ أَقَامَ الْحَدَّ بِظَاهِرِ الْإِحْصَانِ وَتَوَلَّدَ مِنْهُ نَحْوُ تَلَفٍ أَوْ لَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْهُ شَيْءٌ وَبَانَ عَدَمُ الْإِحْصَانِ مَاذَا يَلْزَمُ وَهَلْ يَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ التَّعْزِيرُ وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ فِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ يُقَالُ: الْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ لَا يَمْنَعُ الضَّمَانَ (قَوْلُهُ: لَا يُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ) ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا، وَلَوْ جَهِلَ الثَّلَاثَةُ كَوْنَ الرَّابِعِ زَوْجًا، أَوْ أَنَّ شَهَادَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً فِي حَقِّهِمْ لِعُذْرِهِمْ حَجَرٌ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَدْ اسْتَقَلَّا) وَيُعَزَّرُ عَلَى اسْتِقْلَالِهِ م ر (قَوْلُهُ: لَا إنْ طَرَأَ زِنَاهُ) أَيْ: بِخِلَافِ مَا لَوْ اُتُّهِمَ بِسَرِقَةٍ ثُمَّ سَرَقَ، فَلَا يَسْقُطُ تَعْزِيرُ مَنْ اتَّهَمَهُ م ر (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْكُفْرِ) هَذَا يُخَالِفُ مَا سَلَفَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِي الْإِحْصَانِ بِرّ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْكُفْرِ أَيْ: فَإِنَّ مَاضِيَهُ لَا يَمْنَعُ الْحَضَانَةَ فَإِنْ قُلْت هَذَا يُخَالِفُ اشْتِرَاطَ الْإِسْلَامِ فِي الْحَضَانَةِ كَمَا تَقَدَّمَ قُلْت قَدْ تَمْنَعُ الْمُخَالَفَةُ إذْ قَدْ يُسْلِمُ بَعْدَ الْكُفْرِ فَيَتَّصِفُ بِالْحَضَانَةِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ الْكُفْرُ فَلْيُرَاجَعْ سم (قَوْلُهُ: مِنْ الزِّنَا) يُتَأَمَّلُ
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ) وَيَنْبَغِي وُجُوبُ التَّعْزِيرِ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ. . إلَخْ حَالٌ (قَوْلُهُ: عَفَا عَنْهُ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْحَدَّ) عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلشِّهَابِ وَيُسْقِطُ حَدَّهُ وَتَعْزِيرَهُ بِعَفْوٍ عَنْ كُلِّهِ، وَلَوْ بِمَالٍ لَكِنْ لَا يَثْبُتُ الْمَالُ فَلَوْ عَفَا عَنْ بَعْضِهِ لَمْ يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْهُ وَلَا يُخَالِفُ سُقُوطُ التَّعْزِيرِ مَا فِي بَابِهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ اسْتِيفَاءً؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَاَلَّذِي يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمَصْلَحَةِ. اهـ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ الْآتِيَ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ أَنَّهُ إذَا عَفَا عَنْهُ كَانَ لِلْإِمَامِ اسْتِيفَاؤُهُ شَامِلٌ لِتَعْزِيرِ الْقَذْفِ وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ هُنَاكَ، وَلَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ حَدٍّ فَلَا تَعْزِيرَ لِلْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ تَعْزِيرٌ فَلَهُ فِي الْأَصَحِّ اهـ وَقَضِيَّتُهَا أَنَّهُ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ بِالْعَفْوِ لَا يَجِبُ تَعْزِيرُ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ وَإِلَّا لَكَانَ لِلْإِمَامِ التَّعْزِيرُ إذَا لَمْ يَطْلُبْهُ الْمُسْتَحِقُّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْحَدَّ) أَيْ: حَيْثُ أَوْجَبَ الْقَذْفُ الْحَدَّ وَمِثْلُهُ التَّعْزِيرُ حَيْثُ أَوْجَبَهُ الْقَذْفُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلَوْ قَذَفَهُ بَعْدَ الْعَفْوِ
ــ
[حاشية الشربيني]
الْأَوَّلِ وَلَمْ يُلَاعِنْ وَهُوَ مَا ذُكِرَ هُنَا فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: أَوْ طَرَأَتْ. . إلَخْ) أَوْ قَذَفَهُ بَعْدَهَا بِزِنًا أَضَافَهُ لِحَالِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ زِنَاهُ) مِثْلُهُ غَيْرُهُ مِمَّا يُبْطِلُ الْعِفَّةَ. اهـ. ق ل وَم ر وَقَوْلُهُمَا غَيْرُهُ كَوَطْءِ حَلِيلَتِهِ فِي دُبُرِهَا كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَيُسْقِطُهَا مُسْتَقْبَلُهُ) أَيْ يَتَبَيَّنُ بِهِ عَدَمُهَا وَقْتَ الْقَذْفِ تَدَبَّرْ