عَلَى مَالٍ سَقَطَ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ فِي الْأَظْهَرِ
(وَحُلِّفَا) أَيْ الْمَقْذُوفُ بِطَلَبِ الْقَاذِفِ (أَنِّي لَمْ أَزْنِ) أَيْ: عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ فَرُبَّمَا يُقِرُّ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ، سَوَاءٌ عَجَزَ الْقَاذِفُ عَنْ بَيِّنَةِ الزِّنَا، أَوْ بَيِّنَةِ الْإِقْرَارِ بِهِ أَمْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَجْزِ قَالُوا وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالزِّنَا وَالتَّحْلِيفِ عَلَى نَفْيِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَارِثُ الْمَقْذُوفِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ زِنَاهُ (فَإِنْ يَحْلِفْ يُحَدْ قَاذِفُهُ وَبِنُكُولِهِ) أَيْ: الْمَقْذُوفِ عَنْ الْحَلِفِ (يُرَدْ) أَيْ: الْحَلِفُ عَلَى الْقَاذِفِ (فَحَلِفُ الْقَاذِفِ مُسْقِطٌ هُنَا عَنْهُ) حَدُّ الْقَذْفِ
(وَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ) أَيْ: بِحَلِفِهِ (حَدُّ الزِّنَا) عَلَى الْمَقْذُوفِ إذْ حُدُودُ اللَّهِ لَا تَثْبُتُ بِيَمِينِ الرَّدِّ وَهَذَا كَيَمِينِ الرَّدِّ فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْمَالَ دُونَ الْقَطْعِ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَقَوْلُهُ: مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا تَكْمِلَةٌ
(وَيُورَثُ الْحَدُّ كَمَالٍ خُلِّفَا) عَنْ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ خَاصٌّ وَرِثَهُ الْمُسْلِمُونَ فَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ، وَلَوْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ مُرْتَدًّا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ، بَلْ يَسْتَوْفِيهِ وَارِثَهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ لِلتَّشَفِّي كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ قِصَاصِ الطَّرَفِ (وَكُلُّهُ) أَيْ: الْحَدُّ (يَبْقَى إنْ الْبَعْضُ) مِنْهُمْ (عَفَا) عَنْ حَقِّهِ مِنْهُ وَلَا يَتَبَعَّضُ كَمَا لَا يَتَبَعَّضُ الْعَارُ وَالْإِيذَاءُ فَيَسْتَوْفِيهِ كُلَّهُ غَيْرُ الْعَافِي لِأَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ وَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَلِأَنَّ عَارَ الْمَقْذُوفِ يَلْزَمُ الْوَاحِدَ كَمَا يَلْزَمُ الْجَمِيعَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَوَدِ حَيْثُ يَسْقُطُ كُلُّهُ بِعَفْوِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا بِخِلَافِ الْحَدِّ فَلَوْ قَذَفَ مُورِثَهُ فَمَاتَ الْمَوْرُوثُ عَنْهُ وَعَنْ وَارِثٍ آخَرَ كَانَ لِلْآخَرِ إقَامَةُ جَمِيعِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ عَنْهُ فَقَطْ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ يَدَهُ فَمَاتَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَوَدُ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلِأَحَدِ الْوَرَثَةِ طَلَبُ الْحَدِّ مَعَ غَيْبَةِ الْبَاقِينَ أَوْ صِغَرِهِمْ بِخِلَافِ الْقَوَدِ وَكَالْحَدِّ فِيمَا ذَكَرَ التَّعْزِيرُ (وَوَارِثُ الْمَجْنُونِ فَلْيَسْتَوْفِ) مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ أَوْ تَعْزِيرُهُ، فَلَا يَسْتَوْفِيهِ هُوَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ وَلَا وَلِيُّهُ لِعَدَمِ حُصُولِ التَّشَفِّي، بَلْ يَصْبِرُ إلَى كَمَالِهِ فَيَسْتَوْفِي، أَوْ مَوْتُهُ فَيَسْتَوْفِي وَارِثُهُ، وَفِي مَعْنَى الْمَجْنُونِ الصَّبِيُّ حَيْثُ ثَبَتَ لَهُ التَّعْزِيرُ
(وَ) يَسْتَوْفِي (السَّيِّدُ التَّعْزِيرَ) الْوَاجِبَ لِرَقِيقِهِ الْمَقْذُوفِ (بَعْدَ الْحَتْفِ) أَيْ: بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَجَبَتْ بِالْقَذْفِ، فَلَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْحَدِّ وَالسَّيِّدُ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ فَمَا ثَبَتَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَالِ الْمُكَاتَبِ، وَفِي حَيَاتِهِ الْعَفْوُ إلَيْهِ لَا إلَى سَيِّدِهِ إذَا عَرَضَهُ لَهُ لَا لِسَيِّدِهِ
(لِغَيْرِهِ) أَيْ: وَيَجِبُ لِقَذْفِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَلَوْ بِنَحْوِ قَوْلِهِ زَنَى عَيْنُك (التَّعْزِيرُ) لِلْإِيذَاءِ (دُونَ الْحَدِّ) لِمَفْهُومِ الْآيَةِ وَتَصْرِيحُهُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ (وَلَوْ جَرَى) الْقَذْفُ (مِنْ سَيِّدٍ لِعَبْدِ) لَهُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَهَلْ يَسْتَوْفِي لَهُ الْإِمَامُ وَجْهَانِ فِي الْوَسِيطِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنَّهُ زَنَى بِك فُلَانٌ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً
ــ
[حاشية العبادي]
عَنْ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ فَفِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ أَنَّهُ لَا حَدَّ فَلْيُرَاجَعْ
قَوْلُهُ: إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) أَلْحَقَ بِهَا مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى ابْنَيْهِ عَلَى أَنَّ مَنْ زَنَى مِنْهُمَا فَنَصِيبُهُ لِلْآخَرِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ الْآخَرَ زَنَى لِيَسْتَحِقَّ هُوَ الْجَمِيعَ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ فَلَوْ نَكَلَ حَلَفَ مُدَّعِي الزِّنَا وَاسْتَحَقَّ الْجَمِيعَ وَلَا ثَبَتَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا م ر
(قَوْلُهُ وَيُوَرِّثُ الْحَدَّ) قَالَ فِي الرَّوْضِ، وَإِنْ قَذَفَ مَيِّتًا فَهَلْ لِلزَّوْجِ أَيْ: الصَّادِقِ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى حَقٌّ وَجْهَانِ قَالَ فِي شَرْحِهِ أَوْجَهُهُمَا الْمَنْعُ لِانْقِطَاعِ الْوَصْلَةِ حَالَةَ الْقَذْفِ. اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ اسْتَحَقَّ الزَّوْجُ وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى انْقِطَاعِ الْوَصْلَةِ قَوْلُهُمْ بِبَقَاءِ آثَارِ الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلِذَا أَجَازَ التَّغْسِيلَ مَعَ النَّظَرِ وَالْمَسِّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ الْقَذْفُ فِي حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ ثَبَتَ لِوَارِثِهِ، وَلَوْ بِالسَّبَبِ كَالزَّوْجِ اسْتِيفَاءُ الْحَدّ وَالْعَفْوِ وَإِنْ كَانَ عَفْوُ الْبَعْضِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ غَيْرِهِ، وَإِنْ وَقَعَ الْقَذْفُ بَعْدَ الْمَوْتِ ثَبَتَ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ وَالْعَفْوِ لِلْوَارِثِ بِالنَّسَبِ دُونَ الْوَارِثِ بِالسَّبَبِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَارِثِ فِيهَا، سَوَاءٌ الْوَارِثُ بِالنَّسَبِ، أَوْ بِالسَّبَبِ وَسَوَاءٌ صَدَرَتْ فِي حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَا يَصِحُّ عَفْوُ الْوَارِثِ عَنْهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَارِثَ يَتَغَيَّرُ بِقَذْفِ مُوَرِّثِهِ دُونَ غَيْبَتِهِ م ر.
(قَوْلُهُ: كَمَالٍ خَلَفَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى الْمَالِ قِيلَ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى الْقِيَاسِ عَدَمُ سُقُوطِ حِصَّةِ الْعَافِي بِعَفْوِهِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَلَعَلَّ الْمُرَادَ عَدَمُ سُقُوطِ حِصَّتِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَهِيَ سَاقِطَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ حِصَّةَ الْوَارِثِ مِنْ الْمَالِ الْمُخْلَفِ لَا تَسْقُطُ بِعَفْوٍ، بَلْ بِتَمْلِيكِهِ بِشَرْطِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فَيَسْقُطُ بِالْإِبْرَاءِ
(قَوْلُهُ وَلِلسَّيِّدِ التَّعْزِيرُ) عَبَّرَ الشَّارِحُ عَنْهُ بِالْحَدِّ فَقَالَ الرَّابِعَةُ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَالْعَفْوِ عَنْهُ اسْتَوْفَاهُ سَيِّدُهُ اهـ فَأَرَادَ بِالْحَدِّ هُنَا التَّعْزِيرَ (قَوْلُهُ: فَمَا ثَبَتَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ. . إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ، وَلَوْ قَذَفَ عَبْدَهُ فَلَهُ مُطَالَبَةُ سَيِّدَهُ بِالتَّعْزِيرِ وَحَقُّ التَّعْزِيرِ بِقَذْفِ الْعَبْدِ لَهُ فَإِذَا مَاتَ فَلِسَيِّدِهِ لَا قَرِيبِهِ اهـ فَانْظُرْ لَوْ قَذَفَ قَاذِفَ الْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهَلْ الْحَقُّ حِينَئِذٍ لِلسَّيِّدِ أَوْ الْقَرِيبِ، أَوْ لَا حَقَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِزَوَالِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ وَعَدَمِ إرْثِ الرَّقِيقِ
(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ لِقَذْفِ غَيْرُ الْمُحْصَنِ، أَوْ إيذَاءُ الْمُحْصَنِ) وَغَيْرُهُ بِمَا لَيْسَ بِقَذْفٍ كَزَنَتْ يَدُك وَكَنِسْبَةِ امْرَأَةٍ إلَى إتْيَانِ أُخْرَى وَكَأَنْتَ قَاتِلٌ، أَوْ سَارِقٌ، أَوْ بِكِنَايَةٍ لَمْ تَقْتَرِنْ بِنِيَّةِ قَذْفٍ أَوْ بِتَعْرِيضٍ، أَوْ تَصْرِيحٍ مَعَ كَوْنِ الْقَاذِفِ أَصْلًا لِلْمَقْذُوفِ ح د (قَوْلُهُ: قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ) أَيْ: مِنْ سَيِّدِهِ وَقَوْلُهُ: فَهَلْ يَسْتَوْفِيهِ
ــ
[حاشية الشربيني]
(قَوْلُهُ: لَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) وَيُزَادُ عَلَيْهَا مَا لَوْ وَقَفَ دَارِهِ مَثَلًا عَلَى وَلَدَيْهِ عَلَى أَنَّ مَنْ زَنَى مِنْهُمَا سَقَطَ حَقُّهُ وَعَادَ نَصِيبُهُ إلَى أَخِيهِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ زَنَى لِيَعُودَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ سُمِعَتْ فَإِنْ أَنْكَرَ وَنَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ وَقَضَى لَهُ بِنَصِيبِ النَّاكِلِ وَلَا يُحَدُّ النَّاكِلُ بِذَلِكَ. اهـ. شَرْحُ م ر
(قَوْلُهُ: الْبَعْضُ عَفَا) فَيَسْقُطُ حَقُّهُ إنْ عَفَا عَنْ كُلِّهِ فَإِنْ عَفَا عَنْ بَعْضِهِ لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شَيْءٌ وَفَائِدَةُ سُقُوطِ حَقِّهِ مَعَ أَنَّ لِلْبَاقِي اسْتِيفَاءَ امْتِنَاعِ مُطَالَبَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالِاسْتِيفَاءِ
(قَوْلُهُ: وَجْهَانِ فِي الْوَسِيطِ) وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْمَنْعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَقَّ يَنْتَقِلُ لِسَيِّدِهِ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ