مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ حُرِّمَ نَفْيُهُ رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ وَلَا عِبْرَةَ بِرِيبَةٍ يَجِدُهَا فِي نَفْسِهِ.
وَقَوْلُ النَّظْمِ كَمَا لَوْ اسْتَبْرَأَ نَظِيرٌ لِلتَّيَقُّنِ لَا مِثَالٌ لَهُ إذْ لَا تَيَقُّنَ فِيهِ (لَا إنْ عَزَلْ) عَنْهَا فِي وَطْئِهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ نَفْيُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَسْبِقُهُ إلَى الرَّحِمِ مِنْ عَسِيرِ شُعُورِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ، أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ النَّفْيُ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّسَبِ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ الشَّرْعِيِّ، فَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ فِي ثُبُوتِهِ بِالْإِتْيَانِ فِي الدُّبُرِ اضْطِرَابًا قَدَّمْتُهُ فِي النِّكَاحِ، وَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لَا يُشْبِهُهُ لِنَقْصٍ، أَوْ كَمَالِ خِلْقَةٍ أَوْ حُسْنٍ، أَوْ قُبْحٍ وَنَحْوِهَا أَوْ وَلَدَتْ أَسْوَدَ وَهُمَا أَبْيَضَانِ، أَوْ بِالْعَكْسِ وَلَا مُخَيِّلَةَ زِنًا حَرُمَ النَّفْيُ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُخَيِّلَةُ زِنًا، أَوْ أَتَتْ بِهِ عَلَى لَوْنِ الْمُتَّهَمِ بِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِرْقَ نَزَّاعٌ
(مَعَ) أَيْ: يُبَاحُ لِلزَّوْجِ الْقَذْفُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ مَعَ (اللِّعَانِ مِنْهُ وَهْوَ مُشْتَهِرْ) وَذَكَرَهُ الْحَاوِي أَيْضًا، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا نَعَمْ لَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ قَذْفًا فَأَنْكَرَ، أَوْ سَكَتَ فَأَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةً فَلَا يَقُولُ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ بَلْ فِيمَا أَثْبَتَتْ عَلَيَّ مَنْ رَمْيِ إيَّاهَا بِالزِّنَا وَيَرْفَعُ فِي نَسَبِهَا إنْ كَانَتْ غَائِبَةً بِقَدْرِ مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ وَيُشِيرُ إلَيْهَا إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً.
(وَهْوَ) أَيْ: اللِّعَانُ أَيْ كَلِمَاتُهُ الْخَمْسُ (عَلَى الْوِلَاءِ) فَيُؤَثِّرُ طُولُ الْفَصْلِ بَيْنَهَا (وَالْفَرْعِ) أَيْ: الْوَلَدِ (ذِكْرَ) أَيْ: يَذْكُرُهُ الزَّوْجُ وُجُوبًا (فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الْخَمْسِ) إنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ يَنْفِيهِ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ كَأَنْ يَقُولَ وَإِنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ، أَوْ هَذَا الْوَلَدُ إنْ حَضَرَ مِنْ زِنًا لَيْسَ مِنِّي فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ زِنًا لَمْ يَكْفِ فِي الِانْتِفَاءِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْوَطْءَ بِالشُّبْهَةِ زِنًا وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ يَكْفِي حَمْلًا لِلَفْظِ الزِّنَا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَأَصْلِ الرَّوْضَةِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لَيْسَ مِنِّي لَمْ يَكْفِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ خَلْقًا وَخُلُقًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُسْنِدَهُ مَعَ ذَلِكَ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ زِنًا كَمَا مَرَّ، أَوْ مِنْ زَوْجٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَعِنْدَ الِالْتِبَاسِ يَأْتِي بِمَا يَعُمُّهَا فَيَقُولُ مِنْ
ــ
[حاشية العبادي]
هَلَّا قَالَ وَفَوْقَهُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ أَيْ وَفَوْقَ الدُّونِ حَتَّى يُصَدَّقَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ مُدَّةٍ يُحْتَمَلُ حُدُوثُ الْوَلَدِ فِيهَا وَعَدَمُ كَوْنِهِ مِنْ الْوَطْءِ السَّابِقِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُضَافُ إلَى الْوَطْءِ السَّابِقِ رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ وَقَدْ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ زِيَادَةٍ عَلَى السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ يُمْكِنُ الْوَطْءُ فِيهَا وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الِاحْتِمَالِ إذْ لَوْ أَتَتْ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا اعْتِدَادَ بِالِاسْتِبْرَاءِ حِينَئِذٍ وَأَنَّهُ لَا يُتَخَيَّلُ انْقِطَاعُ نِسْبَتِهِ عَنْ الْوَطْءِ السَّابِقِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ) وَظَاهِرٌ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ طُرُوُّ الدَّمِ لَا مِنْ وَقْتِ انْقِطَاعِهِ بِرّ (قَوْلُهُ رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ) أَيْ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِنْ عَلِمَ زِنَاهَا نَظَرًا إلَى حَقِّ الْوَلَدِ وَتَضَرُّرِهِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا فَلِتَمَيُّزِ حُرْمَةِ الْقَذْفِ هُنَا عَنْ عَدَمِهَا فِي قَوْلِ الرَّوْضِ فِي الْحَاشِيَةِ الْعُلْيَا حَرُمَ النَّفْيُ لَا الْقَذْفُ (قَوْلُهُ: لَا إنْ عَزَلَ) أَيْ: ثُمَّ زَنَتْ بِرّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُخَيِّلَةُ زِنًا. . إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ فِيمَا لَوْ رَأَى مَا يُبِيحُ قَذْفَهَا، أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ مِنْ الزَّانِي بِأَنْ كَانَ يَعْزِلُ، أَوْ أَشْبَهَ الزَّانِيَ أَيْ: فَيَلْزَمُهُ النَّفْيُ ثُمَّ قَالَ
(فَرْعٌ) أَتَتْ بِوَلَدٍ أَبْيَضَ وَهُمَا أَسْوَدَانِ لَمْ يَسْتَبِحْ بِهِ النَّفْيَ وَلَوْ أَشْبَهَ مَنْ يُتَّهَمُ بِهِ اهـ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ فِي الشَّبَهِ مَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ غَائِبَةً) صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ اللِّعَانِ فِي غَيْبَتِهَا وَسَكَتَ عَنْ الِاكْتِفَاءِ بِالرَّفْعِ الْمَذْكُورِ إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَلَى الْوَلَاءِ) ، أَمَّا الْمُوَالَاةُ بَيْنَ لِعَانَيْ الزَّوْجَيْنِ فَلَا تُشْتَرَطُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: فَيُؤَثِّرُ طُولُ الْفَصْلِ) الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ كَلَامٍ إذَا لَمْ يَطُلْ بِهِ الْفَصْلُ
ــ
[حاشية الشربيني]
إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْ الزِّنَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ النَّفْيُ قَطْعًا كَمَا فِي الْمَحَلِّيِّ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُخَيِّلَةُ زِنًا) أَيْ: وَلَا شَيْءَ مِمَّا مَرَّ يَتَيَقَّنُ أَوْ يَظُنُّ بِهِ كَوْنَ الْوَلَدِ لَيْسَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ كَذَلِكَ) أَيْ: حُرْمَةُ النَّفْيِ وَهَلْ يَحْرُمُ الْقَذْفُ أَيْضًا رِعَايَةً لِحَقِّ الْوَلَدِ وَتَضَرُّرِهِ بِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْفِرَاقِ بِالطَّلَاقِ لَا يَبْعُدُ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى نَظَائِرِهِ
(قَوْلُهُ: بَلْ فِيمَا أَثْبَتَتْ عَلَيَّ) وَلَا يُنَافِي إنْكَارُهُ قَوْلَهُ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا أُثْبِتُ. . إلَخْ لِاحْتِمَالِ إنْكَارِهِ التَّأْوِيلَ بِأَنِّي مَا قَذَفْتُ قَذْفًا بَاطِلًا. اهـ. رَوْضَةٌ فَإِنْ ضُمَّ إلَى إنْكَارِهِ قَوْلُهُ: وَمَا زَنَيْتِ لَزِمَهُ الْحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِعِفَّتِهَا. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ: إنَّ الْوَطْءَ بِالشُّبْهَةِ) أَيْ: وَطْأَهُ هُوَ شُبْهَةٌ. اهـ. سم عَلَى التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ. . إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ