الْخَامِسَةِ الْخَاتِمَةِ لِمَرَّاتِ اللِّعَانِ (يَجْعَلُ) نَدْبًا (وَاحِدٌ) بِأَمْرِ الْحَاكِمِ (يَدًا) لَهُ (عَلَى فَمِهْ) أَيْ: كُلٌّ مِنْ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَيَأْتِي مِنْ وَرَائِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فَيَضَعُ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى فَمِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ يَدَهَا عَلَى فَمِ الْمَرْأَةِ
(وَقَالَ) أَيْ: وَيَقُولُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَدْبًا (رَبُّ الْمَجْلِسِ) مِنْ الْحَاكِمِ، أَوْ غَيْرِهِ (اتَّقِ اللَّهْ فَإِنَّهَا) أَيْ الْخَامِسَةَ (مُوجِبَةٌ) لِلَّعْنِ وَالْغَضَبِ بِتَقْدِيرِ الْكَذِبِ لَعَلَّهُ يَنْزَجِرُ وَيَتْرُكُ فَإِنْ أَبَى لَقَّنَهُ الْخَامِسَةَ وَالتَّغْلِيظُ بِالْجَمْعِ زَادَهُ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ (فِي ثُلَّهْ) أَيْ: جَمَاعَةٍ يَعْنِي: مِنْ الصُّلَحَاءِ وَالْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِلْأَمْرِ وَالْمُرَادُ جَمْعٌ أَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ لِثُبُوتِ الزِّنَا بِهِمْ قَالَ الْقُونَوِيُّ وَكَانَ الْحَاوِي اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ التَّغْلِيظِ بِالْجَمْعِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ أَنَّ مَجْلِسَ الْحُكْمِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْضُرَهُ الْفُقَهَاءُ وَيُسَنُّ أَنْ يَتَلَاعَنَا قَائِمَيْنِ لِيَرَاهُمَا النَّاسُ وَيَشْتَهِرَ أَمْرُهُمَا وَتَجْلِسُ هِيَ وَقْتَ لِعَانِهِ وَهُوَ وَقْتَ لِعَانِهَا
(وَاشْتُرِطَ) لِصِحَّةِ اللِّعَانِ (التَّكْلِيفُ) أَيْ: الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ (لِلْمُلَاعِنِ) لِأَنَّهُ يَمِينٌ مُؤَكَّدَةُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، أَوْ شَهَادَةٌ، أَوْ يَمِينٌ فِيهَا شَائِبَةُ شَهَادَةٍ، أَوْ عَكْسُهُ.
وَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ عَدَالَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ أَقْوَى الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ، وَإِنْ كَانَ أَصَحُّهَا الْأَوَّلَ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِلَالٍ: احْلِفْ بِاَللَّهِ إنَّك لَصَادِقٌ» وَلِأَنَّهُ «لَمَّا أَتَتْ الْمَرْأَةُ بِالْوَلَدِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» وَلِأَنَّ اللِّعَانَ يَصِحُّ مِنْ الْفَاسِقِ وَالْأَعْمَى، وَلَوْ كَانَ شَهَادَةً لَمَا صَحَّ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ الْمُلَاعِنَ يَدْرَأُ بِلِعَانِهِ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهِ وَشَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَوَجْهُ الثَّالِثِ بِأَنَّ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ اللِّعَانِ ثُمَّ أَرَادَهُ مُكِّنَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهَا وَبِمِثْلِهِ يُوَجَّهُ الرَّابِعُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَمِينٌ، أَوْ الْمُغَلَّبُ فِيهِ الْيَمِينُ ثَبَتَ مَا قُلْنَا فَعُلِمَ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يُلَاعِنُ وَلَا يَقْتَضِي قَذْفُهُ لِعَانًا بَعْدَ كَمَالِهِ نَعَمْ يُعَزَّرُ الْمُمَيِّزُ بِقَذْفِهِ كَمَا مَرَّ فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ تَعْزِيرُهُ حَتَّى كَمُلَ سَقَطَ لِأَنَّهُ كَانَ لِلزَّجْرِ عَنْ سُوءِ الْأَدَبِ وَقَدْ حَدَثَ لَهُ زَاجِرٌ أَقْوَى مِنْهُ، وَهُوَ التَّكْلِيفُ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا
(وَهْوَ) أَيْ: اللِّعَانُ (لِنَفْيِ الِانْتِسَابِ الْمُمْكِنِ) سَوَاءٌ كَانَ النَّافِي زَوْجًا أَمْ وَاطِئًا بِشُبْهَةٍ، أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَمَّا الزَّوْجُ فَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ اللِّعَانِ، وَأَمَّا الْوَاطِئُ بِمَا ذُكِرَ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ إذْ لَا ضَرُورَةَ لَهُ إلَى الْقَذْفِ وَخَرَجَ بِالْمُمْكِنِ غَيْرُهُ كَأَنْ نَكَحَ وَطَلَّقَ فِي الْحَالِ أَوْ وَأَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ، أَوْ كَانَ مَمْسُوحًا، أَوْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَقَلَّ مِنْ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي عَنْهُ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ وَكَذَا عَنْ الصَّغِيرِ وَأَوَّلُ زَمَنِ إمْكَانِ إحْبَالِهِ بِكَمَالِ تِسْعِ سِنِينَ فَإِذَا أَتَتْ بَعْدَهَا بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَسَاعَةٍ تَسَعُ الْوَطْءَ لَمْ يَنْتِفْ عَنْهُ إلَّا بِاللِّعَانِ
(وَلَوْ) كَانَ الْوَلَدُ (جَنِينًا) فَإِنَّهُ يَصِحُّ اللِّعَانُ لِنَفْيِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَاعَنَ بَيْنَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَزَوْجَتِهِ وَكَانَتْ حَامِلًا وَنَفَى هِلَالٌ الْحَمْلَ» وَلِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ يَمُوتُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَلَوْ لَمْ يُلَاعِنْ لَحِقَهُ الْوَلَدُ
(وَ) لَوْ (قَضَى) أَيْ: مَاتَ الْوَلَدُ (مِنْ قَبْلِ) اللِّعَانِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اللِّعَانُ لِنَفْيِهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ، بَلْ يُقَالُ: هَذَا الْمَيِّتُ وَلَدُ فُلَانٍ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ عَنْهُ بِذَلِكَ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ (وَ) لَوْ (حُدَّ ذَا) أَيْ: النَّافِي حَدَّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِعَانُهُ لِنَفْيِ النَّسَبِ (فِي الْحَالِ) أَيْ: إنَّمَا يُلَاعِنُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: إنَّ مَجْلِسَ الْحُكْمِ. . إلَخْ) فِيهِ أَنَّ اللِّعَانَ قَدْ لَا يَكُونُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بَلْ الْمَطْلُوبُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ (قَوْلُهُ: لِيَرَاهُمَا النَّاسُ) قَدْ يَسْتَشْكِلُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صُعُودِ الْمِنْبَرِ لِأَنَّهُمَا يَرَاهُمَا النَّاسُ مَعَ الصُّعُودِ، وَإِنْ كَانَا قَاعِدَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: رُؤْيَةُ الْقَائِمِ أَبْلَغُ، أَوْ إنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَصْعَدْ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ) سَيَأْتِي أَنَّ شَرْطَ عَدَمِ التَّمْكِينِ مِنْ الْعَوْدِ حُكْمُ الْقَاضِي حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا بِنُكُولِهِ وَإِلَّا فَلَهُ الْعَوْدُ
(قَوْلُهُ: إذْ لَا ضَرُورَةَ لَهُ إلَى الْقَذْفِ) يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْقَذْفِ لِلْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ (قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ زَمَنُ إمْكَانِهِ. . إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ، وَيُمْكِنُ إحْبَالُ الصَّبِيِّ لِتِسْعٍ وَيُشْتَرَطُ كَمَالُهَا ثُمَّ لَا يُلَاعِنُ حَتَّى يَثْبُتَ بُلُوغُهُ فَإِنْ ادَّعَى الِاحْتِلَامَ، وَلَوْ عَقِبَ إنْكَارٍ صُدِّقَ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَيُمَكَّنُ مِنْ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِاللِّعَانِ) مُحَصَّلُ هَذَا أَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُهُ وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ بُلُوغُهُ إلَّا بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْإِمْكَانِ بِخِلَافِ الْبُلُوغِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَدَّعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْبُلُوغَ بِالِاحْتِلَامِ لَمْ يُلَاعِنْ بِرّ
(قَوْلُهُ: حَدَّ الْقَذْفِ) أَيْ: أَوْ عُزِّرَ تَعْزِيرَهُ وَقَوْلُهُ: لِنَفْيِ
ــ
[حاشية الشربيني]
بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَفِي الصِّحَاحِ الدُّهْرِيُّ بِالضَّمِّ الْمُسِنُّ وَبِالْفَتْحِ الْمُلْحِدُ قَالَ ثَعْلَبٌ كِلَاهُمَا مَنْسُوبٌ إلَى الدَّهْرِ وَهُمْ رُبَّمَا غَيَّرُوا فِي النَّسَبِ. اهـ. ع ش
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَمِينٌ. . إلَخْ) وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا يَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ كِنَايَةٌ فِي الْيَمِينِ وَلَا مَطْلَعَ لِلْقَاضِي عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ هُنَا عَلَى نِيَّةِ الْقَاضِي فَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِالْكِنَايَةِ فَحَلَفَ وَأَطْلَقَ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ الْقَاضِي الْوَاقِعَةِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ وَإِذَا كَانَ الرَّاجِحُ أَنَّهَا أَيْمَانٌ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ إذَا كَانَ كَاذِبًا وَالْوَاجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ التَّكْرِيرَ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا فِي ع ش عَنْ حَجَرٍ وَقِيلَ أَرْبَعٌ كَمَا فِي ح ل وَشَوْبَرِيٌّ فَرَاجِعْهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَاحِدَةٌ وَلَوْ نَوَى بِكُلٍّ يَمِينًا وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ لَزِمَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ نَوَى بِكُلٍّ يَمِينًا (قَوْلُهُ: يَصِحُّ. . إلَخْ) أَيْ اتِّفَاقًا
(قَوْلُهُ: وَسَاعَةٍ تَسَعُ الْوَطْءَ) قَدْ مَرَّ أَنَّ زَمَنَ الْوَضْعِ لَا يُحْسَبُ مِنْ السِّتَّةِ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ هُنَا بِأَنَّ زَمَنَ الْوَطْءِ لَيْسَ مِنْهَا أَيْضًا تَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ: أَيْ: إنَّمَا يُلَاعِنُ إلَخْ) خُلَاصَةُ مَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ أَنَّ الَّذِي عَلَى الْفَوْرِ إنَّمَا هُوَ النَّفْيُ بِمَعْنَى إخْبَارِ الْقَاضِي أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ أَمَّا بِاللِّعَانِ فَعَلَى التَّرَاخِي وَعِبَارَةُ