بِالذِّكْرِ فَقَالَ: (إذْ بِهَا الدَّبِيبُ وُقِيَ) وَيُبْنَى عَلَيْهِمَا مَا لَوْ قَطَعَ أُذُنًا شَلَّاءَ فَعَلَى الْأُولَى يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا يَلْزَمُ إلَّا الْحُكُومَةُ وَمَا لَوْ ضَرَبَ أُذُنًا فَشُلَّتْ فَعَلَى الثَّانِيَةِ يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا وَعَلَى الْأُولَى لَا يَلْزَمُهُ إلَّا حُكُومَةٌ لَكِنَّهُمْ عَلَّلُوا قَطْعَ الْأُذُنِ الصَّحِيحَةِ بِالشَّلَّاءِ بِبَقَاءِ الْجَمَالِ وَمَنْفَعَةِ جَمْعِ الصَّوْتِ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ أُذُنِ السَّمِيعِ، وَالْأَصَمِّ وَلَيْسَ السَّمْعُ فِي الْأُذُنِ (وَالسَّمْعُ) لِأُذُنٍ وَاحِدَةٍ كَنِصْفِ نَفْسِ صَاحِبِهِ فَفِي إبْطَالِهِ نِصْفُ دِيَتِهِ لَا لِتَعَدُّدِ السَّمْعِ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ فِي مَنْفَذِهِ بِخِلَافِ ضَوْءِ الْبَصَرِ إذْ تِلْكَ اللَّطِيفَةُ مُتَعَدِّدَةٌ وَمَحَلُّهَا الْحَدَقَةُ بَلْ؛ لِأَنَّ ضَبْطَ نُقْصَانِهِ بِالْمَنْفَذِ أَقْرَبُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ وَفِي إبْطَالِ السَّمْعِ مِنْ الْأُذُنَيْنِ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «فِي السَّمْعِ الدِّيَةُ» وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ يُتَوَقَّعُ عَوْدُهُ وَقَدَّرُوا مُدَّةً اُنْتُظِرَتْ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ أُخِذَتْ الدِّيَةُ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرُوا مُدَّةً أُخِذَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَا إلَى غَايَةٍ كَالتَّفْوِيتِ وَلِلْإِمَامِ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ قَدَّمْته.
(لَا تَعْطِيلُهُ) أَيْ: السَّمْعِ بِأَنْ ارْتَتَقَ مَنْفَذُهُ مَعَ بَقَائِهِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَلَا دِيَةَ فِيهِ لِعَدَمِ زَوَالِهِ بَلْ فِيهِ الْحُكُومَةُ (كَالنُّطْقِ) فَإِنَّهُ لَا دِيَةَ فِي تَعْطِيلِهِ بَلْ فِيهِ الْحُكُومَةُ بِأَنْ أَذْهَبَ سَمْعَ صَبِيٍّ فَتَعَطَّلَ نُطْقُهُ مَعَ بَقَاءِ قُوَّتِهِ فَإِنَّهُ يَتَدَرَّجُ إلَيْهِ مِمَّا يُسْمَعُ نَعَمْ تَجِبُ الدِّيَةُ لِإِبْطَالِ سَمْعِهِ
(وَالْمَشْيُ) فَإِنَّهُ لَا دِيَةَ فِي تَعْطِيلِهِ بَلْ فِيهِ الْحُكُومَةُ بِأَنْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَتَعَطَّلَ مَشْيُهُ مَعَ بَقَاءِ قُوَّتِهِ أَمَّا لَوْ ذَهَبَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَمَا سَيَأْتِي وَيَجِبُ مَعَهَا حُكُومَةٌ لِكَسْرِ الصُّلْبِ إنْ شُلَّتْ الرِّجْلُ كَمَا لَوْ كَسَرَهُ فَشُلَّ ذَكَرُهُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ ذَهَابَ الْمَشْيِ فِي الْأَوَّلِ لِشَلَلِ الرِّجْلِ فَأُفْرِدَ كَسْرُ الصُّلْبِ بِحُكُومَةٍ وَفِي الثَّانِي لِخَلَلِ الصُّلْبِ فَلَا يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْكَسْرِ لَا يُوجِبُ الدِّيَةَ وَإِنَّمَا يُوجِبُهَا إذَا فَاتَ بِهِ الْمَشْيُ، أَوْ الْمَاءُ، أَوْ الْجِمَاعُ
(وَالْعَيْنُ) الْبَاصِرَةُ كَنِصْفِ نَفْسِ صَاحِبِهَا فَفِي قَلْعِهَا نِصْفُ دِيَتِهِ لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَرَوَى النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ «فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ» وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ (وَلَوْ بِالْجَهَرِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ: الْعَيْنُ كَنِصْفِ نَفْسِ صَاحِبِهَا وَلَوْ كَانَتْ جَهْرَاءَ وَهِيَ الَّتِي لَا تُبْصِرُ فِي الشَّمْسِ، أَوْ حَوْلَاءَ وَهِيَ الَّتِي كَأَنَّهَا تَرَى غَيْرَ مَا تَرَاهُ، أَوْ عَمْشَاءَ وَهِيَ ضَعِيفَةُ الرُّؤْيَةِ مَعَ سَيْلَانِ الدَّمْعِ غَالِبًا، أَوْ عَشْيَاءَ وَهِيَ الَّتِي لَا تُبْصِرُ لَيْلًا، أَوْ خَفْشَاءَ وَهِيَ صَغِيرٌ ضَعِيفَةُ الْبَصَرِ خِلْقَةً وَيُقَالُ: هِيَ الَّتِي تُبْصِرُ لَيْلًا فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بَاقِيَةٌ وَلَا نَظَرَ إلَى مُقَدَّرِهَا كَمَنْفَعَةِ الْمَشْيِ نَعَمْ إنْ كَانَ بِالْعَيْنِ بَيَاضٌ يُنْقِصُ ضَوْءَهَا لَمْ تَكْمُلْ دِيَتُهَا بَلْ يَجِبُ الْقِسْطُ إنْ ضُبِطَ وَإِلَّا فَالْحُكُومَةُ، وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ بِأَنَّ هَذَا الْبَيَاضَ إنْ حَصَلَ بِلَا جِنَايَةٍ كُمِّلَتْ الدِّيَةُ وَإِلَّا حُطَّ مِنْهَا وَاجِبُ الْجِنَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي لَكِنْ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْبَيَاضِ وَيُجَابُ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ وَمَا سَتَرَهُ الْبَيَاضُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ
ــ
[حاشية العبادي]
فِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ كُلُّ وَاحِدٍ
(قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُ إلَّا حُكُومَةٌ) فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ أَيْ: وُجُوبِ الْحُكُومَةِ بِقَطْعِ الْمُسْتَحْشِفَةِ أَنْ لَا قِصَاصَ بِقَعْطِهَا لَكِنْ مَرَّ أَنَّ الْأُذُنَ الصَّحِيحَةَ تُقْطَعُ بِالْمُسْتَحْشِفَةِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِيهَا وَعَدَمِ تَكْمِيلِ الدِّيَةِ مِمَّا لَا يُعْقَلُ فَالرَّاجِحُ وُجُوبُ الدِّيَةِ وَهُوَ مَا عَزَاهُ الْمَرْوَزِيِّ إلَى الْجَدِيدِ اهـ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ كَانَ بِالْعَيْنِ بَيَاضٌ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَيْنِ الْأَعْمَشِ بِأَنَّ الْبَيَاضَ نَقْصُ الضَّوْءِ الَّذِي كَانَ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ
ــ
[حاشية الشربيني]
الِاسْتِيفَاءَ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَلَوْ ضَرَبَ أُذُنَهُ فَاسْتَحْشَفَتْ أَيْ يَبِسَتْ كَشَلَلِ الْيَدِ فَقَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا تَجِبُ دِيَتُهَا كَمَا لَوْ ضَرَبَ يَدَهُ فَشُلَّتْ، وَالثَّانِي لَا تَجِبُ إلَّا الْحُكُومَةُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا لَا تَبْطُلُ بِالِاسْتِحْشَافِ بِخِلَافِ الشَّلَلِ وَلَوْ قَطَعَ أُذُنًا مُسْتَحْشِفَةً بُنِيَ عَلَى هَذَا الْخِلَافُ إنْ قُلْنَا هُنَاكَ تَجِبُ الدِّيَةُ وَجَبَ هُنَا حُكُومَةٌ كَمَنْ قَطَعَ يَدًا شَلَّاءَ وَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ الْحُكُومَةُ وَجَبَتْ هُنَا الدِّيَةُ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْقَطْعُ بِالْحُكُومَةِ كَمَا فِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: وَالثَّانِي لَا تَجِبُ إلَّا الْحُكُومَةُ إلَخْ رُدَّ بِأَنَّ مَنْفَعَةَ جَمْعِ الصَّوْتِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْفَعَةِ الْإِحْسَاسِ وَدَفْعِ الْهَوَامِّ ضَعِيفَةٌ فَكَانَتْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا كَالتَّابِعَةِ م ر (قَوْلُهُ: قَطْعَ الْأُذُنِ الصَّحِيحَةِ إلَخْ) فِي ق ل أَنَّ الْأَنْفَ، وَالْأُذُنَ الْمُسْتَحْشِفَتِي نِ لَا تُقْطَعُ بِهِمَا الصَّحِيحَتَانِ لَكِنَّ الَّذِي فِي م ر وَحَجَرٍ وَشَرْحِ الرَّوْضِ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: بِالشَّلَّاءِ) أَيْ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ اهـ.
خ ط (قَوْلُهُ: وَمَنْفَعَةُ جَمْعِ الصَّوْتِ) زَادَ فِي الرَّوْضَةِ وَرَدِّ الْهَوَامِّ وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْشَافَ كَالشَّلَلِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ زَوَالُ الْحِسِّ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا الشَّلَلُ بُطْلَانُ الْعَمَلِ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ لَكِنْ خِلَافُ السَّابِقِ لَا يَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَتَخَرَّجُ عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ قَبْلَ هَذَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّ الشَّلَلَ زَوَالُ الْحِسِّ، وَالْحَرَكَةِ (قَوْلُهُ: أَيْضًا بِبَقَاءِ الْجَمَالِ وَمَنْفَعَةِ جَمْعِ الصَّوْتِ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى أُذُنٍ مَثَلًا لِأَصَمَّ لَا تُقْطَعُ أُذُنُ الْجَانِي لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) فَإِنَّهُ سَيَأْتِي إنَّ نَقْصَ الْمَعَانِي إنْ حَصَلَ بِلَا جِنَايَةٍ كَكَوْنِهِ أَرَتَّ، أَوْ أَلْثَغَ خِلْقَةً، أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا حَطَّ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ بِكَمَالِهَا وَمَا هُنَا مِنْ نَقْصِ الْمَعَانِي بِخِلَافِ نَقْصِ الْأَجْرَامِ فَإِنَّهُ يَحُطُّ الدِّيَةَ سَوَاءٌ كَانَ بِجِنَايَةٍ أَمْ لَا
(قَوْلُهُ: وَيُجَابُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَا هُنَا وَإِنْ كَانَ مِنْ نَقْصِ الْمَعَانِي لَكِنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ نَقْصِ الْأَجْرَامِ؛ لِأَنَّهُ