{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: ٤٥] الْآيَةَ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ النَّضْرِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» فَلَوْ قُطِعَ الْمَارِنُ مَعَ الْقَصَبَةِ وَجَبَ الْقَوَدُ فِيهِ دُونَهَا، وَالتَّمْثِيلُ بِالْمَارِنِ، وَالْعَيْنِ زَادَهُ النَّاظِمُ
(وَ) لَا ذَهَابُ (الْبَطْشِ، وَالْحَوَاسِّ) كَالْأَجْرَامِ بَلْ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ لَهَا مَحَالَّ مَضْبُوطَةً وَلِأَهْلِ الْخِبْرَةِ طُرُقٌ فِي إبْطَالِهَا فَلَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ ضَوْءُهُ أَوْضَحَهُ فَإِنْ ذَهَبَ الضَّوْءُ وَإِلَّا أَذْهَبَهُ بِأَخَفِّ مُمْكِنٍ كَتَقْرِيبِ حَدِيدَةٍ مُحَمَّاةٍ مِنْ حَدَقَتِهِ، أَوْ وَضْعِ كَافُورٍ، أَوْ نَحْوِهِ فِيهَا فَإِنْ ذَهَبَ الضَّوْءُ بِجِنَايَةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا كَمَا لَوْ هَشَّمَ عَظْمَ رَأْسِهِ فَذَهَبَ ضَوْءُهُ أَذْهَبَ ضَوْءَهُ بِأَخَفِّ مَا يُمْكِنُ وَفِي الْهَاشِمَةِ أَرْشُهَا لِتَعَذُّرِ الْقَوَدِ فِيهَا، وَالْحَوَاسُّ السَّمْعُ، وَالْبَصَرُ، وَالشَّمُّ، وَالذَّوْقُ، وَاللَّمْسُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لِلَّمْسِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْبَارِزِيُّ: أَنَّهُ كَالْبَقِيَّةِ وَقَوْلُ الطَّاوُسِيِّ الْمَعْنِيُّ بِالْحَوَاسِّ غَيْرُ اللَّمْسِ؛ لِأَنَّ زَوَالَهُ إنْ كَانَ بِزَوَالِ الْبَطْشِ فَفِيهِ دِيَةُ الْبَطْشِ وَإِلَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ زَوَالُهُ فَإِنْ فُرِضَ تَخَدُّرٌ فَفِيهِ حُكُومَةٌ فِيهِ نَظَرٌ إذْ قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ زَوَالُهُ مَمْنُوعٌ مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ زَوَالُهُ وَقَوْلُهُ: فَفِيهِ دِيَةُ الْبَطْشِ لَيْسَ الْكَلَامُ فِيهَا بَلْ فِي الْقَوَدِ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا وَخَرَجَ بِالْحَوَاسِّ الْعَقْلُ فَلَا قَوَدَ فِيهِ لِبُعْدِ إزَالَتِهِ بِالسِّرَايَةِ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَ الْكَلَامَ كَمَا ذَكَرَ الْبَطْشَ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْحَوَاسِّ، وَقَدْ يَكُونُ اخْتِيَارُهُ أَنْ لَا قَوَدَ فِيهِ، ثُمَّ مَا تَقَرَّرَ مِنْ وُجُوبِ الْقَوَدِ فِي السَّمْعِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَنَقَلَاهُ عَنْ تَصْحِيحِ الْإِمَامِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ:، وَالْمَذْهَبُ فِيهِ الْمَنْعُ إذْ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فَقَالَ وَلَا قَوَدَ فِي ذَهَابِ السَّمْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْقَوَدِ فِيهِ بَلْ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ أَنْ لَا قَوَدَ فِي سَائِرِ الْمَعَانِي إلَّا فِي الضَّوْءِ؛ لِأَنَّهُ أَلْطَفُهَا وَأَحْرَاهَا بِأَنْ تُؤَثِّرَ النِّكَايَاتُ فِيهِ (وَالْعَظْمِ وَضَحْ) أَيْ: وَمَا سِوَى الشَّرْطِ يُوجِبُ الْقَوَدَ لِمَا ذُكِرَ وَلِوُضُوحِ الْعَظْمِ وَلَوْ فِي غَيْرِ رَأْسٍ، وَالْوَجْهِ لِتَيَسُّرِ ضَبْطِهِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الشِّجَاجِ الْعَشْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَوْثُقُ بِاسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ فِيهَا كَمَا فِي كَسْرِ الْعَظْمِ (وَشَقِّ) أَيْ: وَلِشِقِّ (مَارِنٍ وَأُذُنٍ) بِإِبَانَةٍ أَوْ بِدُونِهَا (فِي الْأَصَحْ) لِتَيَسُّرِ ضَبْطِهِ وَيُقَدَّرُ الْمَشْقُوقُ بِالْجُزْئِيَّةِ كَالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ لَا بِالْمِسَاحَةِ
وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ الْمَزِيدُ عَلَى الْحَاوِي يَمْنَعُ تَيَسُّرَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقَوَدُ (لَا قَطْعِ بَعْضِ الْكُوعِ، وَالْفَخِذِ) وَنَحْوِهِمَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ فِي قَطْعِهَا؛ لِأَنَّ سُمْكَ الْفَخِذِ وَنَحْوِهِ لَا يَنْضَبِطُ، وَالْكُوعُ وَنَحْوُهُ مَجْمَعُ الْعُرُوقِ، وَالْأَعْصَابِ الْمُخْتَلِفِ وَضْعُهَا تَسَفُّلًا وَتَصَعُّدًا، وَتَخْتَلِفُ بِالسِّمَنِ، وَالْهُزَالِ فَلَا يَوْثُقُ بِالْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ الْمَارِنِ، وَالْأُذُنِ فَإِنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ قَطَعَ يَدًا، أَوْ نَحْوَهُمَا وَبَقِيَ الْعُضْوُ مُتَعَلِّقًا بِجِلْدَةٍ وَجَبَ الْقَوَدُ، أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ الْعُضْوَ وَفَائِدَتَهُ وَأَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ فِيهِ، ثُمَّ إذَا انْتَهَى فِي الْقَوَدِ إلَى تِلْكَ الْجِلْدَةِ فَقَدْ حَصَلَ الْقَوَدُ وَيُرَاجَعُ فِيهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَيُفْعَلُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لَهُ مِنْ قَطْعٍ، أَوْ تَرْكٍ وَلَوْ دَقَّ خُصْيَتَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ: وَجَبَ الْقَوَدُ إنْ أَمْكَنَ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُشْبِهُ خِلَافَهُ كَمَا فِي كَسْرِ الْعِظَامِ
(وَلَوْ) صَدَرَ مَا سِوَى الشَّرْطِ (كُرْهَا) وَلَوْ مِنْ السُّلْطَانِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ عَلَى الْمُكْرَهِ، وَالْمُكْرِهِ وَإِنَّمَا تَعَادَلَ الْمُتَسَبِّبُ، وَالْمُبَاشِرُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُوَلِّدُ فِي الْمُكْرَهِ دَاعِيَةَ الْقَتْلِ غَالِبًا لِيَدْفَعَ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَدْ آثَرَهَا بِالْبَقَاءِ فَصَارَا شَرِيكَيْنِ، وَالسَّبَبُ كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ الْأُولَى الْإِكْرَاهُ فَإِنَّهُ يُوَلِّدُ فِي الْمُكْرَهِ دَاعِيَةَ الْقَتْلِ غَالِبًا حِسًّا الثَّانِيَةُ شَهَادَةُ الزُّورِ فَإِنَّهَا تُوَلِّدُ فِي الْقَاضِي دَاعِيَةَ الْقَتْلِ غَالِبًا شَرْعًا الثَّالِثَةُ مَا يُوَلِّدُ الْمُبَاشَرَةَ تَوْلِيدًا عُرْفِيًّا لَا حِسِّيًّا وَلَا شَرْعِيًّا كَتَقْدِيمِ الطَّعَامِ الْمَسْمُومِ إلَى الضَّيْفِ، وَالْإِكْرَاهُ هُنَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِالتَّخْوِيفِ بِالْقَتْلِ، أَوْ بِمَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ كَقَطْعٍ وَجَرْحٍ وَضَرْبٍ شَدِيدٍ بِخِلَافِهِ فِي الطَّلَاقِ، ثُمَّ نَظَرَ النَّاظِمُ كَأَصْلِهِ الْإِكْرَاهَ بِأُمُورٍ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ: (كَأَمْرِ مَنْ إذَا عُصُوا سَطَوْا) كَالْمُتَغَلِّبَةِ فَيَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الْآمِرِ، وَالْمَأْمُورِ تَنْزِيلًا لِأَمْرِهِ بِالْقَتْلِ حِينَئِذٍ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ إذْ الْمَعْلُومُ كَالْمَلْفُوظِ الْمُصَرَّحِ بِهِ (وَلَوْ) كَانَ أَحَدُهُمَا (صَبِيًّا) فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ عَمْدٌ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا} [المائدة: ٤٥] الْآيَةَ) هَلْ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا؟
(قَوْلُهُ: إذْ قَوْلُهُ: وَإِلَّا إلَخْ) هَذَا الْجَوَابُ الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ أَوَّلُهُ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّمْسَ إذَا زَالَ مَعَ وُجُودِ الْبَطْشِ تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ وَآخِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ زَالَا لِلَمْسٍ مَعَ الْبَطْشِ اتَّحَدَتْ الدِّيَةُ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ وَيُجَابُ بِأَنَّ حَاصِلَ الْجَوَابِ أَنَّهُ يَصِحُّ اخْتِيَارُ كُلٍّ مِنْ الشِّقَّيْنِ، وَمَنْعُ وُرُودِهِ عَلَيْنَا فَلَا يَضُرُّ أَنَّ قَضِيَّةَ أَوَّلَ الْجَوَابِ يُخَالِفُ قَضِيَّةَ آخِرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَمْنُوعٌ) أَيْ: بَلْ يَتَحَقَّقُ زَوَالُهُ مَعَ وُجُودِ الْبَطْشِ وَهَذَا الْمَنْعُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ زَوَالَ اللَّمْسِ مَعَ وُجُودِ الْبَطْشِ يُوجِبُ الدِّيَةَ كَمَا هُوَ أَصْلُ مُدَّعَى الشَّارِحِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَرِهَا) فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ قُبَيْلَ الدِّيَاتِ وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى رَمْيِ صَيْدٍ فَرَمَاهُ فَقَتَلَ إنْسَانًا فَهُمَا قَاتِلَانِ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا نِصْفَيْنِ وَيُكَفِّرَانِ أَيْ: وَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْ الْقَاتِلَيْنِ كَفَّارَةٌ وَهَلْ لِعَاقِلَةِ الْمَأْمُورِ بِالرَّمْيِ الرُّجُوعُ بِمَا يَغْرَمُونَ عَلَى الْمُكْرِهِ وَعَاقِلَتِهِ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ أَيْ: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَرْجِعُوا وَإِنْ كَانَ الْمُكْرِهُ مُتَعَدِّيًا كَمَا لَا يَرْجِعُونَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الْقَاتِلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِمَا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى الْمُكْرِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ تَحْمِلُ عَنْهُ الدِّيَةَ وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَوْجَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا) قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ، أَوْ الْمَأْمُورُ صَبِيًّا اهـ.
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ زَوَالُهُ) تَأَمَّلْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute