وَلَا يُقْطَعُ حَادِثٌ بَعْدَ الْجِنَايَةِ بِأَصْلِيٍّ كَأَنْ قَلَعَ سِنًّا وَلَيْسَ لَهُ مِثْلُهَا، ثُمَّ نَبَتَ لَهُ سِنٌّ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَلَا قَوَدَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حَالَةَ الْجِنَايَةِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ: فِي الْكَلَامِ عَلَى السِّنِّ (وَلَوْ بِالْكَثْرَهْ) أَيْ: وَمَا سِوَى الشَّرْطِ يُوجِبُ الْقَوَدَ عَلَى الْجَانِي الْمُلْتَزِمِ وَلَوْ مَعَ الْكَثْرَةِ (مِمَّنْ جَنَى) بِأَنْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا لَاتُّخِذَ الِاشْتِرَاكُ ذَرِيعَةً إلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَرَوَى مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً، أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ غِيلَةً وَقَالَ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا وَلِلْمُسْتَحِقِّ الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِهِمْ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ، وَالْقَوَدُ مِنْ الْبَاقِينَ وَمَثَّلَ لِكَثْرَةِ الْجُنَاةِ بِقَوْلِهِ: (كَمُكْرِهٍ وَمُكْرَهْ) فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْقَوَدُ لِتَعَادُلِ الْمُبَاشَرَةِ، وَالسَّبَبِ فِي ذَلِكَ كَمَا مَرَّ فَإِنْ غَلَبَتْ الْمُبَاشَرَةُ السَّبَبَ كَمَا لَوْ أَلْقَى إنْسَانًا مِنْ عُلْوٍ فَتَلَقَّاهُ آخَرُ بِسَيْفٍ فَقَدَّهُ فَالْقَوَدُ عَلَى الْمُبَاشِرِ فَقَطْ، أَوْ عَكْسُهُ كَشَهَادَةِ الزُّورِ بِمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ مَعَ قَتْلِ الْوَلِيِّ الْجَاهِلِ بِالْحَالِ فَالْقَوَدُ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ كَنَظِيرِهِ فِي الضَّمَانِ بِالْمَالِ
(وَضَرْبُ) أَيْ: وَلَوْ يَضْرِبُ (كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْجَمَاعَةِ شَخْصًا (سَوْطًا) ، أَوْ عَصًا خَفِيفَةً وَضَرْبُ كُلٍّ مِنْهُمْ غَيْرُ قَاتِلٍ وَمَاتَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ عَلَيْهِمْ (إذَا تَوَاطَئُوا) عَلَى ضَرْبِهِ حَسْمًا لِلذَّرِيعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا يُوجِبُ قَوَدًا نَعَمْ إنْ كَانَ الثَّانِي عَالِمًا بِضَرْبِ الْأَوَّلِ قَالَ الْمُتَوَلِّي: فَهُوَ كَمَا لَوْ حَبَسَهُ بِبَيْتٍ وَبِهِ جُوعٌ سَابِقٌ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ خَرَجَ بِالسَّوْطِ وَنَحْوِهِ الْجُرْحُ وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَقَطَعَ ذَا) أَيْ: وَلَوْ بِقَطْعِ رَجُلٍ (كَفًّا) لِإِنْسَانٍ (وَذَا) أَيْ وَآخَرُ (سَاعِدَهُ) وَمَاتَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَتَوَاطَآ لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ بِالْجَرْحِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الضَّرْبِ بِمَا ذُكِرَ وَلَوْ قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فَإِنْ كَانَ مُرَتِّبًا قُتِلَ بِأَوَّلِهِمْ وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ، أَوْ مَعًا، أَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ قُدِّمَ بِالْقُرْعَةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فَلَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَوْلِيَاءُ الْقَتْلَى وَقَتَلُوهُ جَمِيعًا وَقَعَ الْقَتْلُ عَنْ جَمِيعِهِمْ مُوَزَّعًا عَلَيْهِمْ فَيَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِقِسْطِهِ مِنْ الدِّيَةِ فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً رَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَيُجْعَلُ الْقَتْلُ وَاقِعًا عَمَّنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ وَقِيلَ يُكْتَفَى بِالْقَتْلِ عَنْ جَمِيعِهِمْ وَلَا رُجُوعَ بِشَيْءٍ
(وَ) لَوْ (شَارَكَ) الْجَارِحُ (الْمُدَاوِيَا) لِلْجُرْحِ بِدَوَاءٍ يَقْتُلُ غَالِبًا بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ: (بِعِلْمِهِ) أَيْ: مَعَ عِلْمِ الْمُدَاوِي بِحَالِ الدَّوَاءِ فَمَاتَ الْجَرِيحُ بِهِمَا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَيْهِمَا إنْ كَانَ الْمُدَاوِي غَيْرَ الْجَرِيحِ وَإِلَّا فَعَلَى الْجَارِحِ فَقَطْ فَإِنْ كَانَ الدَّوَاءُ بِمُذَفِّفٍ كَسُمٍّ قَاتِلٍ فَالْقَوَدُ عَلَى الْمُدَاوِي؛ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْجَرِيحُ فَقَاتِلُ نَفْسِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْجَارِحِ إلَّا مَا اقْتَضَاهُ جُرْحُهُ مِنْ قَوَدٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، أَوْ بِمَا يَقْتُلُ كَذَلِكَ مَعَ جَهْلِهِ بِالْحَالِ فَالْجَارِحُ شَرِيكُ شِبْهِ الْعَمْدِ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا اقْتَضَاهُ جُرْحُهُ مِنْ قَوَدٍ، أَوْ غَيْرِهِ (لَا) إنْ شَارَكَ الْجَارِحَ (سَبْعًا) ، أَوْ نَحْوُهُ كَعَقْرَبٍ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ جَرْحُ السَّبُعِ يَقْتُلُ غَالِبًا كَشَرِيكِ الْمُخْطِئِ مِنْ حَيْثُ إنَّ السَّبُعَ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِ وَفِعْلُهُ لَا يَصْدُرُ عَنْ فِكْرٍ وَرَوِيَّةٍ فَلَا يُوصَفُ بِالْعَمْدِ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَرْجِيحُ وُجُوبِ الْقَوَدِ فَإِنَّهُ حَكَى فِيهِ طَرِيقَيْنِ، أَحَدُهُمَا الْقَطْعُ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ وَأَشْهَرُهُمَا طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي شَرِيكِ الْحَرْبِيِّ، وَالْأَظْهَرُ فِيهِ الْوُجُوبُ، وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ اهـ.
وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ السَّبُعِ، وَالْحَرْبِيِّ بِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يَصْدُرُ عَنْ فِكْرٍ وَرَوِيَّةٍ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ، ثُمَّ مَحَلُّ الطَّرِيقَيْنِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْإِمَامِ أَنْ يَقْصِدَهُ السَّبُعُ فَلَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ بِلَا قَصْدٍ فَلَا قَوَدَ قَطْعًا وَقَالَ الْبَغَوِيّ: لَا فَرْقَ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ جَرْحُ السَّبُعِ يَقْتُلُ غَالِبًا وَإِلَّا
ــ
[حاشية العبادي]
عُضْوِ الْجَانِي حِينَئِذٍ عَلَى نِسْبَةِ عُضْوِ الْمَجْنِيِّ فَقَدْ فَاتَ الشَّرْطُ (قَوْلُهُ: بِأَصْلِيٍّ) اُنْظُرْ التَّقْيِيدَ بِأَصْلِيٍّ وَلَعَلَّهُ تَصْوِيرٌ، أَوْ أَرَادَ بِالْأَصْلِيِّ مَا لَيْسَ بِحَادِثٍ (قَوْلُهُ: أَهْلُ صَنْعَاءَ) قِيلَ: خَصَّهُمْ لِكَوْنِ الْقَاتِلِ مِنْهُمْ
(قَوْلُهُ: تَرْجِيحُ وُجُوبِ الْقَوَدِ) وَاعْتَمَدَهُ فِي الرَّوْضِ فَقَالَ: وَمِنْ أَيٍّ وَيُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكِ السَّبُعِ أَوْ الْحَيَّةِ الْقَاتِلَيْنِ غَالِبًا اهـ.
ــ
[حاشية الشربيني]
وَالْأُذُنِ (قَوْلُهُ: غِيلَةً) الْغِيلَةُ أَنْ يَخْدَعَ وَيَقْتُلَ بِمَوْضِعٍ لَا يَرَاهُ فِيهِ أَحَدٌ اهـ.
شَرْحُ الْإِرْشَادِ
(قَوْلُهُ: غَيْرُ قَاتِلٍ) فَإِنْ كَانَ قَاتِلًا قُتِلُوا وَإِنْ لَمْ يَتَوَاطَئُوا شَرْحُ الْإِرْشَادِ (قَوْلُهُ: إذَا تَوَاطَئُوا) وَجْهُ اشْتِرَاطِ التَّوَاطُؤِ أَنَّ الْهَلَاكَ لَا يُقْصَدُ بِمِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ إلَّا مَعَ التَّوَاطُؤِ وَشَرَطَ الْإِمَامُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةُ السِّيَاطِ بِحَيْثُ يُقْصَدُ بِهَا الْهَلَاكُ غَالِبًا اهـ.
عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيَّ (قَوْلُهُ: عَالِمًا إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَزِمَهُ حِصَّةُ ضَرْبِهِ مِنْ دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَلَزِمَ الْأَوَّلَ حِصَّةُ ضَرْبِهِ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُ شِبْهِ الْعَمْدِ اهـ.
شَرْحُ إرْشَادٍ بِزِيَادَةِ إيضَاحٍ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ حَبَسَهُ) أَيْ: فَيُقْتَلَانِ
(قَوْلُهُ: فَلَا يُوصَفُ بِالْعَمْدِ) أَيْ: حَتَّى يُقَالَ: إنَّ عَمْدَهُمَا عَمْدٌ فَلَا يَكُونُ شَرِيكَ مُخْطِئٍ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ إلَخْ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: تَرْجِيحُ وُجُوبِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَحَلُّ إلَخْ) كَذَا قَالَهُ ع ش وَسَكَتَ