للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَاءَ حَقِّهِ كَالْأَجْنَبِيِّ أَمَّا لَوْ بَادَرَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعَفْوِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَإِنْ جَهِلَ الْعَفْوَ وَلَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِسُقُوطِ الْقَوَدِ عَنْ الْجَانِي إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْقَتْلِ بَعْدَ الْعَفْوِ فَكَانَ كَقَتْلِ مَنْ ظَنَّهُ مُرْتَدًّا وَكَذَا لَوْ بَادَرَ قَبْلَ الْعَفْوِ وَلَكِنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِمَنْعِهِ مِنْ الْقَوَدِ

(فِي الْحَرَمِ اُقْتُصَّ) أَيْ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقْتَصَّ فِي الْحَرَمِ مِنْ الْجَانِي سَوَاءٌ جَنَى فِيهِ أَمْ الْتَجَأَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا فَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ كَقَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ عَلَى الْفَوْرِ نَعَمْ يُخْرَجُ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ الْتَجَأَ إلَى الْكَعْبَةِ، أَوْ إلَى مِلْكِ إنْسَانٍ أُخْرِجَ قَطْعًا (وَبِالْيَمَانِيِ) أَيْ: السَّيْفِ سُمِّيَ بِهِ لِوَصْفِهِ بِهِ كَثِيرًا فَهُوَ تَسْمِيَةُ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ أَيْ وَاقْتُصَّ بِالسَّيْفِ فَقَطْ إنْ جَنَى بِهِ الْجَانِي وَبِالسَّيْفِ

(أَوْ مِثْلِ فِعْلِهِ) طَرِيقًا وَقَدْرًا وَكَيْفِيَّةً إنْ جَنَى بِغَيْرِ السَّيْفِ كَالْخَنْقِ، وَالْإِغْرَاقِ أَمَّا بِالسَّيْفِ؛ فَلِأَنَّهُ أَوْحَى وَأَسْهَلُ وَهُوَ أَوْلَى لِذَلِكَ وَأَمَّا بِمِثْلِ فِعْلِهِ فَرِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ: {فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «رَضَّ يَهُودِيٌّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مِثْلُ فِعْلِهِ» وَفِي خَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» ؛ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْقَوَدِ التَّشَفِّي وَإِنَّمَا يَحْصُلُ إذَا فُعِلَ بِالْجَانِي مِثْلُ فِعْلِهِ وَأَمَّا خَبَرُ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ فَفِي عُقُوبَةٍ لَا مُمَاثَلَةَ فِيهَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ بِمِثْلِ فِعْلِهِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ وَإِنَّمَا يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ فِعْلِهِ فِي الْخَنْقِ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ فِي عَزْمِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمُتْ بِهِ لَا يَعْفُو عَنْهُ بَلْ يَقْتُلُهُ وَإِلَّا فَلَا تُمْكِنُهُ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيّ فِي الْجَائِفَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ رَأَيْته فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ، وَالْمُخْتَصَرِ، ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ ضَبْطُ مَا بِهِ تَحْصُلُ الْمُمَاثَلَةُ أَخْذًا بِالْيَقِينِ قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ قَتَلَ نَحِيفًا بِضَرَبَاتٍ تَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا وَلَا تَقْتُلُ الْجَانِي لِقُوَّةِ جُثَّتِهِ.

فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِمَنْعِهَا؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إنَّمَا تُرَاعَى إذَا تُوُقِّعَ حُصُولُ الْقَوَدِ بِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْقَوَدِ بِالسَّيْفِ حَزُّ الرَّقَبَةِ عَلَى الْمَعْهُودِ فَلَوْ ذَبَحَهُ كَالْبَهِيمَةِ لَمْ يَجُزْ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ: وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاتِلُ قَدْ فَعَلَ بِقَتِيلِهِ ذَلِكَ ثُمَّ مَثَّلَ لِمِثْلِ فِعْلِهِ فَقَالَ (كَقَطْعِ سَاعِدِ بِكَفِّهِ بِسَاعِدٍ بِلَا يَدِ) أَيْ: بِلَا كَفٍّ بَعْدَ السِّرَايَةِ إلَى نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْكَفِّ الْهَالِكَةِ بِهَلَاكِ النَّفْسِ الْمُسْتَحَقَّةِ (وَقَطْعُ أَدْنَى) أَيْ: وَكَقَطْعِ أَقْرَبِ (مَفْصِلٍ) إلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ (بِالْهَشْمِ) فَلَوْ هَشَمَ عَظْمَ سَاعِدِهِ، أَوْ سَاقِهِ وَأَبَانَهُ قُطِعَ مِنْ الْجَانِي يَدُهُ مِنْ كُوعِهِ وَرِجْلُهُ مِنْ كَعْبِهِ وَلَزِمَهُ حُكُومَةُ الْبَاقِي وَلَا يُقْطَعُ مِنْ الْمِرْفَقِ، وَالرُّكْبَةِ وَلَوْ هَشَمَ عَضُدَهُ وَأَبَانَهُ قُطِعَ مِنْ الْمِرْفَقِ وَلَهُ حُكُومَةُ الْبَاقِي فَلَوْ طَلَبَ مِنْ الْكُوعِ مُكِّنَ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ لِعَجْزِهِ عَنْ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَمُسَامَحَتِهِ بِبَعْضِ حَقِّهِ وَلَهُ حُكُومَةُ السَّاعِدِ مَعَ حُكُومَةِ الْمَقْطُوع مِنْ الْعَضُدِ فَلَوْ أَرَادَ الْعَوْدَ إلَى قَطْعِ الْمِرْفَقِ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُ

أَمَّا لَوْ طَلَبَ لَقْطَ الْأَصَابِعِ فَلَا يُمَكَّنُ لِتَعَدُّدِ الْجِرَاحَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَبَ لَقْطَ أُصْبُعٍ وَاحِدٍ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ نِصْفِ الْكَفِّ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْ الْكَفِّ وَلَهُ مَعَ حُكُومَةِ نِصْفِهَا الْتِقَاطُ الْأَصَابِعِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْجِرَاحَةُ إذْ لَيْسَ بَعْدَ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ إلَّا مَفَاصِلُ مُتَعَدِّدَةٌ وَسَوَّغَ تَمْثِيلُهُ لِلْمُمَاثِلَةِ بِقَطْعِ أَقْرَبِ مَفْصِلٍ قُرْبَهُ إلَيْهَا مَعَ تَعَذُّرِهَا فِيهِ إذْ لَا وُثُوقَ بِهَا فِي كَسْرِ الْعَظْمِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَنْظِيرًا لَا تَمْثِيلًا وَخَرَجَ بِالْهَشْمِ الْجِنَايَةُ بِغَيْرِهِ كَأَنْ قَطَعَ مِنْ الْمِرْفَقِ فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ الْكُوعِ، أَوْ أُصْبُعًا فَلَا يُمَكَّنُ وَإِنْ قَنَعَ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُدُولِ عَنْ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَلَوْ خَالَفَ عُزِّرَ لِعُدُولِهِ عَنْ حَقِّهِ إلَى غَيْرِهِ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ إتْلَافَ الْجُمْلَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِإِتْلَافِ الْبَعْضِ غُرْمٌ وَلَوْ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ الْمِرْفَقِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: قَالَ الْإِمَامُ: لَا نُسْعِفُهُ بِذَلِكَ أَصْلًا (لَا بِاللَّوْطِ) أَيْ اللِّوَاطِ (وَالسِّحْرِ وَإِيجَارِ الطِّلَا) يَعْنِي الْخَمْرَ أَيْ لَا يُقْتَصُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ جَنَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَلَا يَنْضَبِطُ غَالِبًا فَيُعْدَلُ إلَى السَّيْفِ وَكَالْخَمْرِ كُلُّ مَائِعٍ نَجِسِ الْعَيْنِ وَلَوْ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ إلَخْ) بَقِيَ مَا لَوْ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ الْكُوعِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ لَا نُسْعِفُهُ بِذَلِكَ أَصْلًا) هَذَا مُسَلَّمٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا لَوْ قَطَعَ الْأُصْبُعَ وَأَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ الْمِرْفَقِ بِذَلِكَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ مُسَمَّى الْيَدِ وَبِالْقَوَدِ يَسْتَوْفِي حَقَّهُ م ر وَكَتَبَ أَيْضًا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ قَطَعَ يَدَ شَخْصٍ مِنْ الْكُوعِ فَالْتَقَطَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَصَابِعَ الْجَانِي ثُمَّ طَلَبَ الْقَطْعَ مِنْ الْكُوعِ فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ بِرّ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَسْتَوْفِ مُسَمَّى الْيَدِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَإِيجَارِ الطِّلَا) قَالَ النَّاشِرِيُّ: اقْتَصَرَ الْمِنْهَاجُ عَلَى قَوْلِهِ: وَخَمْرٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ إدْخَالَ مَا إذَا غَرَّقَهُ فِي دِنِّ خَمْرٍ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ وَيُصَحَّحُ الْمَنْعُ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي قِسْمِ التَّفْرِيقِ فِيمَا يَظْهَرُ فَيُفْعَلُ بِهِ مِثْلُهُ قَطْعًا كَمَا تَقْتَضِيهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مِنْ تَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِالْإِيجَارِ وَلَفْظُ الْخَمْرِ قَدْ يُخْرِجُ الْبَوْلَ حَتَّى يَقْتُلَ بِهِ وَوَجْهُهُ إبَاحَتُهُ لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَفِيهِ وَجْهَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ كَمَا فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزِ تَعْيِينَ السَّيْفِ اهـ.

وَكَتَبَ أَيْضًا وَلَوْ قَتَلَهُ بِالْغَمْسِ فِي خَمْرٍ لَمْ يُفْعَلْ بِهِ مِثْلُهُ عَلَى الْأَوْجَهِ حَجَرٌ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: وَإِنْ جَهِلَ الْعَفْوَ) أَمَّا لَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الْمُبَادَرَةِ فَلَا قِصَاصَ جَزْمًا اهـ.

ق ل أَيْ: بَلْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ سم عَلَى حَجَرٍ (قَوْلُهُ: بِمَنْعِهِ مِنْ الْقَوَدِ) أَيْ بِمَنْعِهِ مِنْ الْمُبَادَرَةِ بِهِ م ر

<<  <  ج: ص:  >  >>