الْمَلَّاحَ بِخِلَافِ غَلَبَةِ الدَّابَّةِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهَا تُضْبَطُ بِاللِّجَامِ سَوَاءٌ وُجِدَ مِنْهُمَا فِعْلٌ بِأَنْ سَيَّرَاهُمَا، ثُمَّ هَاجَتْ رِيحٌ، أَوْ مَوْجٌ، وَعَجَزَا عَنْ الْحِفْظِ أَمْ لَا كَمَا لَوْ شَدَّاهُمَا عَلَى الشَّطِّ فَهَاجَتْ رِيحٌ، وَسَيَّرَتْهُمَا فَلَوْ تَنَازَعَ رَبُّ الْمَالِ، وَالْمَلَّاحُ فِي تَقْصِيرِهِ صُدِّقَ الْمَلَّاحُ (بِالْيَمِينِ) فِي نَفْيِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْرَفُ حُكْمُ مَا لَوْ قَصَّرَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ
(أَمَّا إذَا تَرَدَّى) شَخْصٌ (فِي حَفِيرٍ) أَيْ: بِئْرٍ حَفَرَهَا غَيْرُهُ (ظُلْمَا وَ) تَرَدَّى (الثَّانِي فَوْقَهُ، وَلَمْ يُجْذَبْ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَبِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ: لَمْ يَجْذِبْهُ الْأَوَّلُ (وَلَمْ يَخْتَرْ) أَيْ: الثَّانِي تَرَدِّيه عَلَيْهِ (وَأَوَّلٌ مَنْ الْبِئْرِ انْصَدَمْ) فَمَاتَ بِصَدْمِهَا مَعَ تَرَدِّي الثَّانِي عَلَيْهِ (فَدِيَةٌ) تَجِبُ لِوَرَثَتِهِ نِصْفُهَا يَلْزَمُ عَاقِلَةَ الْحَافِرِ (وَالنِّصْفُ) الْآخَرُ (مِنْهَا يَتْبَعُ) أَيْ: يَلْزَمُ (عَاقِلَةَ الثَّانِي، وَلَكِنْ) إذَا غَرِمُوهُ (رَجَعُوا) بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ؛ لِأَنَّ الثَّانِي غَيْرُ مُخْتَارٍ فِي تَرَدِّيه عَلَيْهِ، بَلْ أَلْجَأَهُ الْحَفْرُ إلَيْهِ فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ مَعَ الْمُكْرِهِ لَهُ عَلَى إتْلَافِ مَالٍ، بَلْ، أَوْلَى لِانْتِفَاءِ قَصْدِهِ هُنَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ مُطَالَبَةَ عَاقِلَةِ الْحَافِرِ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُمْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ عَلَيْهِمْ، وَعَلَيْهِمْ أَيْضًا دِيَةُ الثَّانِي إنْ مَاتَ بِالتَّرَدِّي، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: ظُلْمًا مَا لَوْ حَفَرَ الْبِئْرَ بِحَقٍّ فَيُهْدَرُ نِصْفُ دِيَةِ الْأَوَّلِ، وَنِصْفُهَا الْآخَرُ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي، وَلَا يَرْجِعُونَ بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ، وَتُهْدَرُ دِيَةُ الثَّانِي، وَإِنْ مَاتَ بِالتَّرَدِّي، وَبِقَوْلِهِ: وَلَمْ يُجْذَبْ مَا لَوْ جَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِي فَيُهْدَرُ النِّصْفُ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ، وَبِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَخْتَرْ مَا لَوْ اخْتَارَ الثَّانِي التَّرَدِّي عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ إنْ لَمْ يَمُتْ، وَالضَّمَانُ فِي مَالِهِ إنْ مَاتَ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ غَالِبًا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ جَمِيعُ الدِّيَةِ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذِهِ الْقُيُودِ الْمُخْرِجَةِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ زِيَادَتِهِ
(وَالشَّخْصُ إنْ يَزْلَقْ) فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا غَيْرُهُ ظُلْمًا (وَيَجْذِبُ ثَانِيًا وَالثَّانِ ثَالِثًا) ، وَمَاتُوا جَمِيعًا (نَعُدُّ) نَحْنُ (لَاغِيَا ثُلْثًا مِنْ الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بِصَدْمَةِ الْبِئْرِ وَجَذْبِهِ لِلثَّانِي وَجَذْبِ الثَّانِي لِلثَّالِثِ فَيُهْدَرُ ثُلُثُهُ (وَ) ، أَمَّا (الثُّلْثَانِ) الْبَاقِيَانِ (فَلْيَعْقِلَا عَنْ حَافِرٍ وَثَانِي) أَيْ: فَلْيَحْمِلْهُمَا عَاقِلَةُ الْحَافِرِ، وَالثَّانِي عَنْهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَفْرُ ظُلْمًا هُدِرَ ثُلُثٌ آخَرُ
(وَنِصْفُ ثَانٍ هَدَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بِجَذْبِ الْأَوَّلِ لَهُ وَجَذْبِهِ لِلثَّالِثِ (لَكِنْ) لِوَرَثَتِهِ (عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ) لَا عَلَى الْأَوَّلِ نَفْسِهِ (نِصْفٌ فَضَلَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَهُ، بَلْ التَّمَسُّكَ بِهِ فَكَانَ خَطَأً، وَلَا أَثَرَ لِلْحَفْرِ فِي حَقِّ الثَّانِي لِأَنَّهُ إنَّمَا، وَقَعَ فِي الْبِئْرِ بِالْجَذْبِ، وَهُوَ مُبَاشَرَةٌ، أَوْ سَبَبٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الشَّرْطِ (وَدِيَةُ الثَّالِثِ كُلُّهَا عَلَى عَاقِلِ ثَانٍ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَهْلَكَهُ بِجَذْبِهِ خَطَأً، وَالتَّصْرِيحُ هُنَا بِأَنَّ الضَّمَانَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: (عَنْ عَلِيٍّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (نُقِلَا) أَيْ: حُكْمُ دِيَةِ الثَّالِثِ لَا جَمِيعُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِيمَا أَعْلَمُ بَلْ نُقِلَ عَنْهُ خِلَافُهُ فِيمَا لَوْ جَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا فَفِيهِ فِي الرَّافِعِيِّ أَنَّ لِلرَّابِعِ جَمِيعَ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ، وَقِيلَ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَمِيعِ، وَفِي الثَّلَاثَةِ الْآخَرِينَ أَرْبَعَةُ، أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا لِلْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِينَ، وَالْحَافِرِ، وَيُهْدَرُ رُبُعٌ، وَلِلثَّانِي ثُلُثَا الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ، وَالثَّالِثِ، وَيُهْدَرُ ثُلُثٌ، وَلِلثَّالِثِ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي، وَيُهْدَرُ نِصْفٌ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْوَجْهِ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ الْوَجْهُ الرَّابِعُ لِلْأَوَّلِ رُبُعُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ مَعَ الْمُكْرِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ الرُّجُوعُ فِي سَائِرِ مَسَائِلِ الْإِكْرَاهِ، فَرَاجِعْ بَحْثَ الْإِكْرَاهِ (قَوْلُهُ: فَيُهْدَرُ النِّصْفُ إلَخْ.) أَيْ: وَيَضْمَنُ الثَّانِي عَاقِلَةَ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضِ: وَإِنْ جَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِي ضَمِنَتْهُ عَاقِلَتُهُ. اهـ.
قَالَ فِي شَرْحِهِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِجَذْبِهِ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ، وَأَلْقَاهُ فِي الْبِئْرِ إلَّا أَنَّهُ قَصَدَ الِاسْتِمْسَاكَ، وَالتَّحَرُّزَ عَنْ الْوُقُوعِ، فَكَانَ مُخْطِئًا. اهـ. وَفِي شَرْحِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مَا نَصُّهُ (فَرْعٌ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ لَوْ وَقَفَا عَلَى بِئْرٍ، فَدَفَعَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَلَمَّا هَوَى جَذَبَ مَعَهُ الدَّافِعَ، فَسَقَطَا، فَمَاتَا، فَإِنْ جَذَبَهُ طَمَعًا فِي التَّخَلُّصِ، وَكَانَتْ الْحَالُ تُوجِبُ ذَلِكَ، فَهُوَ مَضْمُونٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ جَذَبَهُ لَا لِذَلِكَ، بَلْ لِإِتْلَافِ الْمَجْذُوبِ، وَلَا طَرِيقَ إلَى خَلَاصِ نَفْسِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِلْآخَرِ كَمَا لَوْ تَجَارَحَا، وَمَاتَا. اهـ.، وَفِي هَامِشِهِ نَقْلًا عَنْ الشَّارِحِ قُلْت، وَكَذَا يَضْمَنُ فِيمَا يَظْهَرُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ لَوْ جَذَبَهُ لِإِتْلَافِهِ، وَكَانَ طَرِيقًا إلَى خَلَاصِ نَفْسِهِ، وَإِنْ اقْتَضَى التَّعْلِيلُ خِلَافَهُ. اهـ. وَلَا يَخْفَى الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الصَّيْمَرِيِّ، وَبَيْنَ مَا هُنَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرَهُ الصَّيْمَرِيُّ بَيْنَ كَوْنِ الْبِئْرِ عُدْوَانًا، وَغَيْرِهِ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ، فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ مَاتَ بِثِقَلِهِ، وَصَدْمَةِ الْبِئْرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا لَوْ قُتِلَ مُتَأَثِّرًا بِجِنَايَةِ آخَرَ لَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَيْضًا وُجُوبُ جَمِيعِ الدِّيَةِ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَيْهَا بِنَحْوِ الْعَفْوِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا كَانَ الْمَوْتُ بِثِقَلِ الثَّانِي، وَصَدْمَةِ الْبِئْرِ (قَوْلُهُ: جَمِيعُ الدِّيَةِ) شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ الْمَوْتُ بِصَدْمِ الْبِئْرِ مَعَ التَّرَدِّي عَلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ
(قَوْلُهُ: الْآخَرَيْنِ) الثَّانِي، وَالثَّالِثِ بِسَبَبِ جَذْبِ الثَّانِي لِلثَّالِثِ، وَالثَّالِثِ لِلرَّابِعِ، وَيُهْدَرُ رُبُعٌ، وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِثِقَلِ الثَّانِي لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَيُهْدَرُ ثُلُثٌ) لِأَنَّهُ مَاتَ بِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ جَذْبُ الْأَوَّلِ، وَثِقَلُ الثَّالِثِ، وَالرَّابِعِ، وَثِقَلُ الثَّالِثِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ، وَثِقَلُ الرَّابِعِ مَنْسُوبٌ إلَى الثَّالِثِ (قَوْلُهُ: وَيُهْدَرُ نِصْفٌ)
[حاشية الشربيني]
التَّشْبِيهِ مَا إذَا كَانَ الْمَلَّاحَانِ صَبِيَّيْنِ، وَأَقَامَهُمَا الْوَلِيُّ، أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute