الذَّكَرِ فِي دُبُرِهِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ حَتَّى يَصِيرَ بِهِ مُحْصَنًا، وَالرَّجْمُ خَاصٌّ بِالْمُحْصَنِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ الرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا كَانَ مُحْصَنًا، وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا نَبِيًّا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا، وَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ، فَتَلَوْنَاهَا، وَوَعَيْنَاهَا، وَهِيَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ، وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ قَالَ: وَقَدْ رَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، وَالْإِحْصَانُ لُغَةً الْمَنْعُ، وَشَرْعًا جَاءَ بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ، وَالْبُلُوغِ، وَالْعَقْلِ، وَالْحُرِّيَّةِ، وَالْعِفَّةِ، وَالتَّزْوِيجِ، وَإِصَابَةِ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا قَالَ (حُرْ) بِالْوَقْفِ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ أَيْ: يَرْجُمُ الْإِمَامُ مَنْ زَنَى فِي حَالَةِ كَوْنِهِ حُرًّا (مُكَلَّفًا أَصَابَ) فِي الْقُبُلِ، وَلَوْ فِي حَيْضٍ، وَإِحْرَامٍ، وَبِغَيْرِ إنْزَالٍ (بَعْدَمَا ذِكْرَ) مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَالتَّكْلِيفِ (بِصِحَّةِ النِّكَاحِ) أَيْ: فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَلَا رَجْمَ عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ بِالْحُرِّيَّةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تَمْنَعُ الْفَوَاحِشَ؛ لِأَنَّهَا صِفَةُ كَمَالٍ، وَشَرَفٍ، وَالشَّرِيفُ يَصُونَ نَفْسَهُ عَمَّا يُدَنِّسُ عِرْضَهُ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُوَسِّعُ طُرُقَ الْحِلِّ إذْ لِلْحُرِّ نِكَاحُ أَرْبَعٍ، وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إذْنٍ غَالِبًا بِخِلَافِ مَنْ فِيهِ رِقٌّ فِيهِمَا، وَلَا عَلَى مَنْ زَنَى، وَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ كَمَا مَرَّ لَكِنَّ اعْتِبَارَ التَّكْلِيفِ لَا يَخْتَصُّ بِالرَّجْمِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي أَصْلِ الْحَدِّ كَمَا عُلِمَ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ
وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ إصَابَتُهُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ بِهَا قَضَى الشَّهْوَةَ، وَاسْتَوْفَى اللَّذَّةَ فَحَقُّهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْحَرَامِ، وَلِأَنَّهَا تُكْمِلُ طَرِيقَ الْحِلِّ بِدَفْعِ الْبَيْنُونَةِ بِطَلْقَةٍ، أَوْ رِدَّةٍ، فَلَا يَكْتَفِي بِهَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ، وَالشُّبْهَةِ، وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي التَّحْلِيلِ، وَاعْتُبِرَ وُقُوعُهَا فِي حَالِ كَمَالِهِ حُرِّيَّةً، وَتَكْلِيفًا؛ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِأَكْمَلِ الْجِهَاتِ، وَهُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ فَاعْتُبِرَ حُصُولُهَا مِنْ كَامِلٍ حَتَّى لَا يُرْجَمَ مَنْ أَصَابَ، وَهُوَ نَاقِصٌ، ثُمَّ زَنَى، وَهُوَ كَامِلٌ، وَيُرْجَمُ مَنْ كَانَ كَامِلًا فِي الْحَالَيْنِ، وَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا نَقْصٌ كَجُنُونٍ، وَرِقٍّ فَالْعِبْرَةُ بِالْكَمَالِ فِي الْحَالَيْنِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ إصَابَتُهُ مَعَ كَامِلٍ، وَلَا عِصْمَتُهُ حَتَّى لَوْ أَصَابَ، وَهُوَ حَرْبِيٌّ، ثُمَّ زَنَى بَعْدَ أَنْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ رُجِمَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَسَكَتُوا عَنْ شَرْطِ الِاخْتِيَارِ فَلَوْ أَصَابَ مُكْرَهًا هَلْ يَحْصُلُ التَّحْصِينُ وَالتَّحْلِيلُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا يَبْعُدُ حُصُولُ التَّحْلِيلِ، وَفِي التَّحْصِينِ نَظَرٌ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي حُصُولَهُ، وَأَفْهَمَ قَوْلُ النَّظْمِ يَرْجُمُهُ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُهُ بِالسَّيْفِ، وَنَحْوِهِ، وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا إذْ الْقَصْدُ التَّنْكِيلُ بِهِ بِالرَّجْمِ بِأَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ النَّاسَ لِيُحِيطُوا بِهِ، فَيَرْمُونَهُ مِنْ الْجَوَانِبِ (بِالْأَحْجَارِ) ، وَالْمَدَرِ، وَنَحْوِهَا حَتَّى يَمُوتَ حَالَةَ كَوْنِ الرَّامِي (مُجْتَنِبَ الْكِبَارِ) الْمُذَفِّفَةِ (وَالصِّغَارِ) الْمُعَذِّبَةِ مِنْهَا، وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْفَرَ لِلْمَرْأَةِ إلَى صَدْرِهَا لِئَلَّا تَنْكَشِفَ إذَا ثَبَتَ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ، أَمَّا بِالْإِقْرَارِ، فَلَا لِيُمْكِنَهَا الْهَرَبُ إنْ رَجَعَتْ (وَإِنْ هُوَ اعْتَلَّ، وَحُدَّ، وَقُطِعْ وَفِي اشْتِدَادِ الْحَرِّ، وَالْبَرْدِ صَنَعْ) أَيْ: يَرْجُمُهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ عِلَّةٌ مِنْ مَرَضٍ، وَنَحْوِهِ، أَوْ حُدَّ بِشُرْبٍ، أَوْ قَذْفٍ، أَوْ قُطِعَ بِقَوَدٍ، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ حِرَابَةٌ، أَوْ وَقَعَ الرَّجْمُ فِي شِدَّةِ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ سَوَاءٌ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالِاعْتِرَافِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَخَّرْ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ مُسْتَوْفَاةٌ، وَتَعْبِيرُهُ بِاعْتَلَّ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَرَضٍ.
(وَالْجَلْدَ لَا الْقِصَاصَ لَنْ نُقَدِّمَهْ) أَيْ: وَلَا نُقَدِّمُ الْجَلْدَ بِالزِّنَا، وَالشُّرْبِ عَلَى زَوَالِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ، بَلْ نُؤَخِّرُهُ إلَى زَوَالِهَا لِئَلَّا يَهْلِكَ الْمَجْلُودُ فَلَوْ جَلَدَهُ فِيهَا فَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْهُ عَلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِوَاجِبٍ أُقِيمَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ: فَيَقْتَضِي أَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْتَحَبٌّ، وَفِي الرَّوْضَةِ الْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ، أَمَّا الْقِصَاصُ، وَلَوْ فِي طَرَفٍ، فَلَا يُؤَخَّرُ لِبِنَاءِ حَقِّ الْآدَمِيِّ عَلَى الْمُضَايَقَةِ، وَقَطْعُ السَّرِقَةِ، وَالْمُحَارَبَةِ كَالْجَلْدِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ كَالْقِصَاصِ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ بُرْءُ الْعِلَّةِ، أَوْ كَانَ نِضْوَ الْخَلْقِ قُطِعَ فِي السَّرِقَةِ، وَالْمُحَارَبَةِ، وَجُلِدَ فِي غَيْرِهِمَا لَا بِسَوْطٍ، بَلْ بِعِثْكَالَ، أَوْ نِعَالٍ، أَوْ أَطْرَافِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: غَالِبًا) كَأَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ السَّفِيهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا نَقْصٌ إلَخْ.) أَيْ: أَوْ وُجِدَ بَعْدَهُمَا نَقْصٌ، فَلَوْ رَقَّ ذِمِّيٌّ بَعْدَ إصَابَتِهِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، ثُمَّ زَنَى، فَحَدُّهُ الرَّجْمُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْوُجُوبِ م ر (قَوْلُهُ: وَحُدَّ، وَقُطِعَ، وَصُنِعَ) مَعْطُوفَاتٌ عَلَى اعْتَلَّ هَكَذَا ضُبِّبَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُرْجَ بُرْءُ الْعِلَّةِ) يَنْبَغِي، أَوْ زَوَالُ الْحَرِّ، وَالْبَرْدِ، وَكَأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَهُ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِزَوَالِهِمَا، وَتَغَيُّرِ الْحَالِ
[حاشية الشربيني]
وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ) أَيْ: فِي أَصْلِ النِّكَاحِ لَا فِي نِكَاحِ الْأَرْبَعِ لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ لِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ مَنْ فِيهِ رِقٌّ فِيهِمَا بِدُبُرٍ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَصَابَ، وَهُوَ حَرْبِيٌّ) أَيْ: فِي نِكَاحٍ لِصِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ (قَوْلُهُ: وَفِي التَّحْصِينِ نَظَرٌ) قَالَ حَجَرٌ يَحْصُلُ بِهِ التَّحْصِينُ خِلَافًا لِمَنْ نَظَرَ فِيهِ (قَوْلُهُ: لَا يَقْتُلُهُ بِالسَّيْفِ) أَيْ: يَحْرُمُ ذَلِكَ لِتَفْوِيتِ الْوَاجِبِ لَكِنْ يُعْتَدُّ بِهِ. اهـ. م ر (قَوْلُهُ: وَالْمَدَرِ) هُوَ الطِّينُ الْمُتَحَجِّرُ. اهـ. شَرْحُ الْمِنْهَاجِ لمر (قَوْلُهُ: وَفِي الرَّوْضَةِ إلَخْ.) ، وَعَلَيْهِ لَا ضَمَانَ أَيْضًا. اهـ. حَجَرٌ وم ر، وَفَارَقَ الضَّمَانَ فِي التَّعْزِيرِ، وَالْخَتْنِ لِأَنَّهُمَا بِالِاجْتِهَادِ، وَهُوَ قَدْ يُخْطِئُ، وَلَا كَذَلِكَ الْحُدُودُ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ. اهـ. ق ل، وَكَتَبَ الْبُجَيْرِمِيُّ عَلَى قَوْلِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَالْخِتَانُ قُدِّرَ بِالِاجْتِهَادِ أَيْ فَإِذَا فَعَلَهُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، أَوْ الْبَرْدِ ضَمِنَهُ، وَيَضْمَنُ النِّصْفَ لَا الْجَمِيعَ عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ لِلشَّارِحِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْخِتَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute