للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثِيَابٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعِثْكَالِ مِائَةُ غُصْنٍ ضَرَبَهُ مَرَّةً، أَوْ خَمْسِينَ فَمَرَّتَيْنِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَمَسَّهُ الْأَغْصَانُ، أَوْ يَنْبَسُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِيَنَالَهُ الْأَلَمُ فَلَوْ بَرِئَ بَعْدَ الضَّرْبِ بِالْعُثْكَالِ لَا يُعَادُ بِخِلَافِ الْمَعْضُوبِ إذَا حُجَّ عَنْهُ، ثُمَّ بَرِئَ لِبِنَاءِ الْحُدُودِ عَلَى الدَّرْءِ

(وَيُرْجَمُ الذِّمِّيُّ) قَهْرًا إذَا (زَانَى مُسْلِمَهْ) أَيْ: زَنَى بِهَا، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمَةِ زَادَهُ النَّاظِمُ لِإِخْرَاجِ الْكَافِرَةِ، فَلَا يُرْجَمُ الذِّمِّيُّ الزَّانِي بِهَا إلَّا إذَا تَرَافَعَا إلَيْنَا، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِنَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي، وَخَرَجَ بِالذِّمِّيِّ الْحَرْبِيُّ، وَالْمُعَاهَدُ، فَلَا رَجْمَ عَلَيْهِمَا بَلْ، وَلَا جَلْدَ كَمَا مَرَّ (وَلَيْسَ) الذِّمِّيُّ (مَجْلُودًا) أَيْ: لَا يُجْلَدُ (بِشُرْبِ الْخَمْرِ) لِإِقْرَارِنَا لَهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الزِّنَا، وَهَذِهِ لَيْسَتْ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْحَاوِي هُنَا لِكَوْنِهَا مَذْكُورَةً فِيهِ فِي حَدِّ الْخَمْرِ

(وَدَاخِلٌ فِي الرَّجْمِ) الَّذِي هُوَ حَدُّ الْمُحْصَنِ (حَدُّ الْبِكْرِ) فِيمَا لَوْ زَنَى، وَهُوَ بِكْرٌ، ثُمَّ زَنَى، وَهُوَ مُحْصَنٌ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ لِأَنَّهُمَا عُقُوبَةُ جَرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ زَنَى مِرَارًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ مَا مَرَّ فِي آخِرِ اللِّعَانِ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا عُقُوبَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ كَحَدِّ الشُّرْبِ، وَالسَّرِقَةِ، وَيَدْخُلُ التَّغْرِيبُ تَحْتَ الرَّجْمِ

ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ حَدِّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ فَقَالَ: (وَمِائَةً يَجْلِدُ) الْإِمَامُ الزَّانِي الْحُرَّ الْمُكَلَّفَ إنْ لَمْ يُصِبْ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْجَمْعَ أَعَادَ عَلَيْهِ ضَمِيرَهُ فِي قَوْلِهِ: (وَلْيَنْفِهِمْ) مَعَ ذَلِكَ (عَامًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] مَعَ إخْبَارِ الصَّحِيحَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا بِذَلِكَ الْمَزِيدِ فِيهَا النَّفْيُ عَلَى الْآيَةِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِنَفْيِ الزَّانِي نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّنْكِيلُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِنَفْيِ الْإِمَامِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْجَلْدِ، وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ ابْتِدَاءُ السَّفَرِ لَا وَقْتُ وُصُولِهِ إلَى مَا غُرِّبَ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ (وَلَا) بِالْقَصْرِ لِلْوَزْنِ قَيْدٌ لِلْمِائَةِ، وَالْعَامِ، فَلَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُمَا، وَلَوْ فِي حَقِّ نِضْوِ الْخَلْقِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّنْكِيلُ، وَالْإِيحَاشُ نَعَمْ لَوْ جُلِدَ الزَّانِي فِي يَوْمٍ خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً، وَفِي ثَانِيَةٍ خَمْسِينَ كَذَلِكَ كَفَى جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا فِي بَابِ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْخَمْسِينَ قَدْرُ حَدِّ الرَّقِيقِ (وَ) لِيَنْفِ (امْرَأَةً بِمَحْرَمِ) أَيْ: مَعَ مَحْرَمٍ لَهَا (قُلْتُ، وَزَوْجٍ، وَنِسَاءٍ) ثِقَاتٍ (قَاصِدَهْ ثَمَّ) أَيْ: قَاصِدَاتٌ الْمَكَانَ الْمَنْفِيَّ إلَيْهِ لِخَبَرِ «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجٌ، أَوْ مَحْرَمٌ» ، وَقِيسَ بِهِمَا النِّسَاءُ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا كَعَبْدِهَا حُكْمُهُ حُكْمُ هَؤُلَاءِ، وَالْوَاوُ فِيمَا زَادَهُ النَّاظِمُ بِمَعْنَى أَوْ، فَيَكْتَفِي بِمَحْرَمٍ، أَوْ زَوْجٍ، أَوْ بِامْرَأَتَيْنِ ثِقَتَيْنِ (وَقِيلَ يَكْتَفِي بِوَاحِدَهْ) ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا، وَرُبَّمَا اكْتَفَى بَعْضُهُمْ بِوَاحِدَةٍ انْتَهَى، وَالِاكْتِفَاءُ بِهَا هُوَ مَا فِي الشَّامِلِ، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَالْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْحَجِّ مَعَ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَهَذَا، أَوْلَى

(وَلَوْ بِأَمْنِ الدَّرْبِ) أَيْ: يُعْتَبَرُ خُرُوجُ مَنْ ذُكِرَ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْ الزَّانِيَةِ الْهَتْكُ حِينَئِذٍ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ فِي مَوْضِعَيْنِ عَلَى نَفْيِهَا، وَحَدِّهَا، وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ سَفَرِهَا وَحْدَهَا مَحَلُّهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْحَجِّ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا امْتَنَعُوا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا، وَبِهِ يَتَأَيَّدُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ الْآتِي، وَكَلَامُ النَّظْمِ، وَأَصْلِهِ يَقْتَضِي أَنَّهَا تُغَرَّبُ، وَلَوْ بِدُونِ أَمْنِ الطَّرِيقِ لَكِنْ قَيَّدَهُ الشَّيْخَانِ فِيمَا إذَا خَرَجَ مَعَهَا النِّسَاءُ بِالْأَمْنِ، وَالْقِيَاسُ جَرَيَانُهُ فِي غَيْرِهِنَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِصُحْبَةِ الْمَرْأَةِ، وَالنِّسْوَةِ فِي الطَّرِيقِ دُونَ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ فِيمَا غُرِّبَ إلَيْهِ، بَلْ الْمُرَادُ مُدَّةُ التَّغْرِيبِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا الْهَتْكُ فِي الْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّهُ سَكَتَ عَنْ الْمَحْرَمِ، وَالزَّوْجِ لِأَنَّهُمَا لَا يُفَارِقَانِهَا غَالِبًا، وَإِلَّا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا فَرْقَ هَذَا، وَالظَّاهِرُ خِلَافُ مَا قَالَهُ (أَمَّا جَبْرُهُ) أَيْ: مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْمَحْرَمِ، وَغَيْرِهِ عَلَى خُرُوجِهِ مَعَهَا (فَلَا يَجُوزُ) كَمَا فِي الْحَجِّ، وَلِأَنَّهُ تَعْذِيبُ مَنْ لَمْ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: وَلْيَنْفِهِمْ عَامًا) وَيَعْتَبِرُ بِالْأَهِلَّةِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ حَجَرٌ قَالَ فِي الرَّوْضِ:، وَمُؤْنَتُهُ أَيْ: الْمُغَرَّبِ فِي مُدَّةِ تَغْرِيبِهِ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ إنْ كَانَ حُرًّا، وَعَلَى السَّيِّدِ إنْ كَانَ رَقِيقًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْجَلْدِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: لَكِنَّ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ الْجَلْدِ (قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ ابْتِدَاءُ السَّفَرِ) هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: الْآتِي قُلْت، فَإِنْ زَادَ اُتُّبِعَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ الْإِمَامُ بَلَدًا تَنْقَضِي الْمُدَّةُ فِي الذَّهَابِ إلَيْهَا كَانَ جَائِزًا، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِيحَاشُ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي السَّفَرِ، وَلِهَذَا اكْتَفَى بِمُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ فِي السَّفَرِ قَطْعًا كَمَا هُوَ لَازِمٌ فِي كُلِّ تَغْرِيبٍ، فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: كَفَى) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ أَلَمٌ الْخَمْسِينَ الْأُولَى إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي، فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِأَمْنِ الدَّرْبِ) وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَهَلْ يُشْرَعُ التَّغْرِيبُ عِنْدَ الْخَوْفِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ قَوْلٌ بِشَرْعِيَّتِهِ، وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ مَا يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ، وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ حَتَّى لَا يُغَرَّبَ الرَّجُلُ، وَلَا الْمَرْأَةُ الْمُسْتَصْحِبَةُ لِلزَّوْجِ، أَوْ نَحْوِهِ حِينَئِذٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ يُغَرَّبُ، وَحْدَهُ، وَلَوْ أَمْرَدَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَغَيْرُهُ أَنَّ الْأَمْرَدَ الْحَسَنَ الَّذِي يُخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ يَحْتَاجُ إلَى مَحْرَمٍ، أَوْ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ إلَخْ.) تَغْرِيبُهَا

ــ

[حاشية الشربيني]

وَاجِبٌ، وَالْهَلَاكُ حَصَلَ مِنْ مُسْتَحِقٍّ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ وُقُوعُهُ فِي الْحَرِّ، أَوْ الْبَرْدِ. اهـ. س ل

(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) تَقَرَّرَ جَوَازُ سَفَرِهَا، وَحْدَهَا مَعَ الْأَمْنِ لِلْحَجِّ الْوَاجِبِ، وَقِيَاسُهُ جَوَازُ تَغْرِيبِهَا، وَحْدَهَا مَعَ الْأَمْنِ سم عَلَى تح (قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ إلَخْ.)

هُوَ بَعِيدٌ مَعَ الْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَيَّدَهُ إلَخْ.) مُعْتَمَدٌ م ر وَحَجَرٌ (وَقَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ خِلَافُ مَا قَالَهُ) فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ الْمُرَادُ صُحْبَةُ مَنْ ذُكِرَ لَهَا ذَهَابًا، وَإِيَابًا لَا إقَامَةً قَالَهُ شَيْخُنَا أَيْ: زي، وَنُوزِعَ فِيهِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>