مِنْ) مَالٍ (مَصَالِحٍ) ، فَلَا يُقْطَعُ فَقَدْ يُصْرَفُ إلَى الْمَسَاجِدِ، وَالرُّبُطِ، فَيَنْتَفِعُ بِهَا الْغَنِيُّ، وَالْفَقِيرُ، فَإِنْ سَرَقَ مِنْ سَهْمِ الصَّدَقَاتِ قُطِعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ كَالْغَارِمِ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَالْغَازِي، أَمَّا الذِّمِّيُّ فَيُقْطَعُ بِالْجَمِيعِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَإِنْفَاقِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِلضَّرُورَةِ، وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ كَمَا يُنْفِقُ عَلَى الْمُضْطَرِّ مِنْهُ بِشَرْطِ الضَّمَانِ، وَانْتِفَاعِهِ بِالْقَنَاطِرِ، وَالرِّبَاطَاتِ لِلتَّبَعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَاطِنٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا لِاخْتِصَاصِهِ بِحَقٍّ فِيهَا
(وَذِي مِطَالِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ بِمَعْنَى مَطْلٍ (وَجَاحِدٍ) أَيْ: وَلَا إنْ أَخْرَجَ رَبُّ الدَّيْنِ مَالَ مُمَاطِلٍ لَهُ بِدَيْنِهِ، أَوْ جَاحِدٍ لَهُ (لِأَجْلِ أَخْذِ الْحَقِّ لَهُ) ، فَلَا يُقْطَعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ، أَوْ زَائِدًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الْأَخْذِ شَرْعًا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ لَا لِأَجْلِ ذَلِكَ
(أَوْ فِيهِ) أَيْ: الْحِرْزِ (قَدْ أَتْلَفَهُ) أَيْ: الْمَسْرُوقُ بِإِحْرَاقٍ، أَوْ نَحْوِهِ (أَوْ أَكَلَهْ) ، فَلَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ، وَاسْتِهْلَاكٌ لَا سَرِقَةٌ، وَلَا حَاجَةٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ أَكَلَهُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ يُغْنِي عَنْهُ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ تَطَيَّبَ فِيهِ بِالطِّيبِ، فَلَا يُقْطَعُ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَجْمَعَ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ يُعَدُّ اسْتِهْلَاكًا كَالطَّعَامِ.
(تُقْطَعُ يُمْنَاهُ) أَيْ: سَارِقُ مَا مَرَّ بِصِفَاتِهِ السَّابِقَةِ مَعَ كَوْنِهِ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى قَالَ تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] ، وَقُرِئَ شَاذًّا فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا، وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَا كَمَا مَرَّ (مِنْ الْكُوعِ) «لِلْأَمْرِ بِهِ فِي سَارِقِ رِدَاءِ صَفْوَانَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ فِعْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْبَطْشَ بِالْكَفِّ، وَمَا زَادَ مِنْ الذِّرَاعِ تَابِعٌ، وَلِهَذَا يَجِبُ فِي الْكَفِّ دِيَةُ الْيَدِ، وَفِيمَا زَادَ حُكُومَةٌ، وَتُمَدُّ الْيَدُ مَدًّا عَنِيفًا لِتَنْخَلِعَ ثُمَّ تُقْطَعُ بِحَدِيدَةٍ مَاضِيَةٍ، وَيُضْبَطُ جَالِسًا حَتَّى لَا يَتَحَرَّكَ (وَلَوْ) كَانَ الْعُضْوُ (زَائِدَ أُصْبُعٍ) فَأَكْثَرَ عَلَى الْخَمْسِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ التَّنْكِيلُ بِخِلَافِ الْقَوَدِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ كَمَا مَرَّ (وَبِالشَّلَّا) أَيْ: بِقَطْعِهَا (اكْتَفَوْا) إذَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ يَنْقَطِعُ دَمُهَا، وَإِلَّا فَكَمَنْ لَا يَمِينَ لَهُ (وَ) يُقْطَعُ كَفٌّ (نَاقِصٌ) عَنْ خَمْسِ أَصَابِعَ (وَالْكَفُّ) بِلَا أُصْبُعٍ، وَبَعْضُهَا كَذَلِكَ لِحُصُولِ التَّنْكِيلِ (وَ) يُقْطَعُ (الْكَفَّانِ) إذَا كَانَتَا عَلَى مِعْصَمِهِ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ الْأَصْلِيُّ عَنْ الزَّائِدِ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاؤُهُ بِدُونِهِ (وَيُقْطَعُ الْأَصْلِيُّ) مِنْهُمَا (لِلْإِمْكَانِ) أَيْ: عِنْدَ إمْكَانِ اسْتِيفَائِهِ بِدُونِ الزَّائِدِ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الْأَصْحَابِ قَطْعَهُمَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ يَدٍ وَاحِدَةٍ لَكِنْ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ إنَّ تَمَيَّزَتْ الْأَصْلِيَّةُ كَأَنْ كَانَتْ بَاطِشَةً قُطِعَتْ، فَإِنْ عَادَ فَرِجْلُهُ إلَّا أَنْ تَصِيرَ الْأُخْرَى بَاطِشَةً فَتُقْطَعُ دُونَ الرِّجْلِ، وَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ الْأَصْلِيَّةُ قُطِعَتْ
ــ
[حاشية العبادي]
الْقَوِيِّ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَمْلِ، وَالْإِخْرَاجِ كَرْهًا بِأَنَّ فِي الثَّانِي انْتَفَى اخْتِيَارُهُ صَرِيحًا، وَلَا كَذَلِكَ ذَاكَ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ) قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ هَكَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا، وَقَالَ فِي اللَّقِيطِ: إنَّهُ لَا رُجُوعَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الذِّمِّيِّ قَالَ: وَقَدْ يُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى الْبَالِغِ، وَمَا هُنَاكَ عَلَى غَيْرِهِ أَيْ: الَّذِي لَا مَالَ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا يُنْفِقُ عَلَى الْمُضْطَرِّ مِنْهُ) إنْ أُرِيدَ مِنْ الذِّمِّيِّينَ، وَإِلَّا، فَمَحِلُّهُ إذَا لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ، وَاضْطَرَّ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ إلَخْ.) وَإِنْ ابْتَلَعَ جَوْهَرَةً، وَخَرَجَ قُطِعَ إنْ خَرَجَتْ مِنْهُ رَوْضٌ
(قَوْلُهُ: وَبَعْضُهَا) أَيْ: الْكَفِّ، وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ أَيْ: بِلَا أُصْبُعٍ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي التَّهْذِيبِ إلَخْ.) عِبَارَةُ الرَّوْضِ، وَشَرْحِهِ (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ لَهُ كَفَّانِ عَلَى مِعْصَمِهِ قُطِعَتْ الْأَصْلِيَّةُ مِنْهُمَا بِأَنْ تَمَيَّزَتْ إنْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا بِدُونِ الزَّائِدَةِ، وَإِلَّا، فَيُقْطَعَانِ، وَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا، فَقَطْ، وَمَا ذُكِرَ فِيمَا إذَا تَمَيَّزَتْ هُوَ مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الْأَصْحَابِ قَطْعَهُمَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الزَّائِدَةَ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، وَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ هُوَ الرَّاجِحُ، فَلَوْ عَادَ، وَسَرَقَ ثَانِيًا، وَقَدْ صَارَتْ الزَّائِدَةُ أَصْلِيَّةً بِأَنْ صَارَتْ بَاطِشَةً، أَوْ كَانَتَا أَيْ: الْكَفَّانِ أَصْلِيَّتَيْنِ، وَقُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فِي سَرِقَةٍ قُطِعَتْ الثَّانِيَةُ، وَلَا يُقْطَعَانِ بِسَرِقَةِ وَاحِدَةٍ إلَخْ. اهـ. وَحَاصِلُهُ اعْتِمَادُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِيمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاءُ الْأَصْلِيَّةِ بِدُونِ الزَّائِدَةِ مِنْ أَنَّهُمَا يُقْطَعَانِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الشَّارِحُ فِيمَا أَسْنَدَهُ إلَى التَّهْذِيبِ، فَيَكُونُ اسْتِدْرَاكُهُ بِكَلَامِ التَّهْذِيبِ عَلَى مَا عَدَاهَا، وَسِيَاقُ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ تُشْعِرُ بِمُوَافَقَةِ الْإِمَامِ فِيمَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَبِأَنَّ تَرْجِيحَهُ مَا قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا عَدَاهَا كَمَا يُدْرِكُ ذَلِكَ الْوَاقِفُ عَلَى عِبَارَتِهَا بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ، وَعِبَارَةُ الْإِرْشَادِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ، فَهُمَا أَيْ: فَإِنْ تَعَذَّرَ قَطْعُ الْأَصْلِيَّةِ الْمُتَمَيِّزَةِ، وَحْدَهَا، أَوْ قَطْعُ إحْدَى الْأَصْلِيَّتَيْنِ، فَهُمَا يُقْطَعَانِ مَعًا، فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ نَقَلَ اخْتِيَارَ الْإِمَامِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ تَرْجِيحِ الشَّيْخَيْنِ، وَتَصْوِيبِ الْمَجْمُوعِ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
ــ
[حاشية الشربيني]
ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قَبْلُ بِقَوْلِهِ: أَوْ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ
(قَوْلُهُ: فَكَمَنْ لَا يَمِينَ لَهُ) أَيْ: فَتُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ، وَيَمِينُهُ سَلِيمَةٌ، ثُمَّ شُلَّتْ بَعْدُ، وَلَمْ يُؤْمَنْ نَزْفُ الدَّمِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْقَطْعَ؛ لِأَنَّهُ بِالسَّرِقَةِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهَا فَإِذَا تَعَذَّرَ قَطْعُهَا سَقَطَ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ الشَّلَلَ مَوْجُودٌ ابْتِدَاءً فَإِذَا تَعَذَّرَ قَطْعُهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ الْقَطْعُ بِهَا، بَلْ بِمَا بَعْدَهَا. اهـ. م ر. اهـ. سم عَلَى التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: وَيُقْطَعُ الْكَفَّانِ إلَخْ.) قَالَ سم فِي حَاشِيَةِ التُّحْفَةِ اعْتَمَدَ م ر أَنَّهُ لَا تُقْطَعُ يَدَانِ مُطْلَقًا بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى إذَا لَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ إحْدَاهُمَا بِدُونِ الْأُخْرَى انْتَقَلَ لِمَا بَعْدَهُمَا. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ الْمُتَسَاوِيَتَيْنِ النَّابِتَتَيْنِ عَلَى مِعْصَمٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ تُقْطَعْ فِي السَّرِقَةِ إلَّا إحْدَاهُمَا لِبِنَاءِ الْحُدُودِ عَلَى الدَّرْءِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا إلَخْ.) الْإِشَارَةُ لِمَا ذُكِرَ فِي حَالِ عَدَمِ