للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ سَوَاءٌ وَجَبَ بِالْتِزَامٍ كَالْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ أَمْ بِغَيْرِهِ كَدَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ فَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا غَرِمَ قِيمَةَ اللَّحْمِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ غَيْرُهُ (ثُمَّ) بَعْدَ أَكْلِهِ مَا مَرَّ مِنْ تَطَوُّعِهِ (تَصَدُّقٌ بِبَاقٍ أَفْضَلُ) مِمَّا عَدَاهُ الصَّادِقُ بِصُوَرٍ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) التَّصَدُّقُ (بِسِوَى الثُّلُثِ) أَيْ: بِالثُّلُثَيْنِ (الْكَمَالُ يَحْصُلُ) كَذَا عَبَّرَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَعَبَّرَ آخَرُونَ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ الثُّلُثَ وَيُهْدِي الثُّلُثَ لِلْأَغْنِيَاءِ وَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ اخْتِلَافًا فِي الْحَقِيقَةِ لَكِنْ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّصَدُّقِ بِالثُّلُثَيْنِ ذَكَرَ الْأَفْضَلَ أَوْ تَوَسَّعَ فَعَدَّ الْهَدِيَّةَ صَدَقَةً قَالَا وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْهَدِيَّةَ لَا تُغْنِي عَنْ التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ إذَا أَوْجَبْنَاهُ وَأَنَّهَا لَا تُحْسَبُ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ بِهِ وَدَلِيلُ جَعْلِ الْأُضْحِيَّةَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ الْقِيَاسُ عَلَى هَدْيِ التَّطَوُّعِ الْوَارِدِ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ} [الحج: ٣٦] أَيْ: السَّائِلَ {وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: ٣٦] أَيْ: الْمُتَعَرِّضَ لِلسُّؤَالِ يُقَالُ قَنَعَ يَقْنَعُ قُنُوعًا بِفَتْحِ عَيْنِ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ إذَا سَأَلَ وَقَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعَةً بِكَسْرِ عَيْنِ الْمَاضِي وَفَتْحِ عَيْنِ الْمُضَارِعِ إذَا رَضِيَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ. قَالَ الشَّاعِرُ

الْعَبْدُ حُرٌّ إنْ قَنِعْ ... وَالْحُرُّ عَبْدٌ إنْ طَمِعْ

فَاقْنَعْ وَلَا تَطْمَعْ فَمَا ... شَيْءٌ يَشِينُ سِوَى الطَّمَعْ

(فَرْعٌ) إذَا أَكَلَ الْبَعْضَ وَتَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ هَلْ يُثَابُ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ عَلَى مَا تَصَدَّقَ بِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَوَى صَوْمَ التَّطَوُّعِ ضَحْوَةً هَلْ يُثَابُ عَلَى جَمِيعِ النَّهَارِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ التَّضْحِيَةِ بِالْجَمِيعِ وَالتَّصَدُّقِ بِالْبَعْضِ وَصَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَرْوَرُوذِيُّ

(وَوَاجِبٌ) عَلَى الْمُضَحِّي فِي ضَحِيَّةِ التَّطَوُّعِ (أَنْ مَلَّكَ) أَيْ: أَنْ يُمَلِّكَ (الْفَقِيرَا) الْمُسْلِمَ الشَّامِلَ لِلْمِسْكِينِ وَلَوْ وَاحِدًا حُرًّا أَوْ مُكَاتَبًا شَيْئًا (مِنْ لَحْمِهَا نِيئًا وَلَوْ) جُزْءًا (يَسِيرَا) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكْلُ جَمِيعِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: ٢٨] ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إرْفَاقُ الْمِسْكِينِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ إرَاقَةِ الدَّمِ بَلْ يُمَلِّكُهُ اللَّحْمَ نِيئًا لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْكَفَّارَاتِ فَلَا يَكْفِي جَعْلُهُ طَعَامًا؛ وَدُعَاءُ الْفَقِيرِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي تَمَلُّكِهِ لَا فِي أَكْلِهِ وَلَا تَمْلِيكِهِ لَهُ مَطْبُوخًا وَلَا تَمْلِيكِهِ غَيْرَ اللَّحْمِ مِنْ جِلْدٍ وَكِرْشٍ وَكَبِدٍ وَطِحَالٍ وَعَظْمٍ وَنَحْوِهَا وَشَبَّهَ الْمَطْبُوخَ هُنَا بِالْخُبْزِ فِي الْفِطْرَةِ (لَا الْفَرْعِ) أَيْ: يَجِبُ التَّمْلِيكُ مِنْ لَحْمِ ضَحِيَّةِ التَّطَوُّعِ لَا مِنْ لَحْمِ وَلَدِهَا بَلْ يَجُوزُ أَكْلُ جَمِيعِهِ كَاللَّبَنِ؛ وَلِأَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ، وَالْوَلَدَ تَابِعٌ وَلَا يَكْفِي التَّمْلِيكُ مِنْ لَحْمِهِ، أَمَّا وَلَدُ الْوَاجِبِ فَكَأُمِّهِ وَإِنْ مَاتَتْ

ــ

[حاشية العبادي]

ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ كَمَيِّتٍ أَوْصَى بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ الْأَكْلُ مِنْهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ فِي الْمَيِّتِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عَنْهُ فَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْهَا إلَّا بِإِذْنِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ عَنْهُ. اهـ.

وَبَقِيَ مَا لَوْ ضَحَّى الْوَلِيُّ عَنْ مَحْجُورِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَعْنِي نَفْسَ الْوَلِيِّ فَهَلْ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ الْأَكْلُ مِنْهَا (قَوْلُهُ: غَرِمَ قِيمَةَ اللَّحْمِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّحْمَ مُتَقَوِّمٌ وَإِلَّا فَيَجِبُ شِرَاءُ اللَّحْمِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ. اهـ.

وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الرَّوْضِ فَإِنْ أَكَلَ مَا ذَبَحَ عَنْ التَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ جَمِيعَهُ لَزِمَهُ دَمٌ قَالَ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَكَلَهُ تَبَيَّنَ أَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ لِأَجْلِهِ وَبِهِ فَارَقَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ اللَّحْمَ خُيِّرَ بَيْنَ ذَبْحِ دَمٍ وَإِخْرَاجِ لَحْمٍ وَلَوْ قَالَ فَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَهُ لَزِمَهُ دَمٌ كَأَنْ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ إيهَامِ تَقَيُّدِ الْحُكْمِ بِدَمِ النُّسُكِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: الْكَمَالُ يَحْصُلُ) أَيْ: جِنْسُ الْكَمَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ أَفْضَلُ مِمَّا عَدَاهُ (قَوْلُهُ: وَصَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ) وَظَاهِرٌ أَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِالْأَكْلِ مَا يَقْتَضِي الثَّوَابَ كَالِاقْتِدَاءِ بِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ (قَوْلُهُ: وَوَاجِبٌ إنْ مَلَكَ الْفَقِيرُ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّوْضِ وَنَقْلُهَا عَنْ بَلَدِهَا كَنَقْلِ الزَّكَاةِ. اهـ.

وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَازَعَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ فَالْمُرَادُ بِالْفَقِيرِ فَقِيرُ بَلَدِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِبَلَدِهَا بَلَدُ ذَبْحِهَا وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ الطَّلَبَةِ أَنَّ شَرْطَ إجْزَاءِ الْأُضْحِيَّةَ ذَبْحُهَا بِبَلَدِ الْمُضَحِّي حَتَّى يَمْتَنِعَ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْأُضْحِيَّةَ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَذْبَحُ عَنْهُ بِبَلَدٍ آخَرَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَهْمٌ بَلْ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ بِبَلَدِ الْمُضَحِّي بَلْ أَيُّ مَكَان ذَبَحَ فِيهِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ بَلَدٍ أُخْرَى أَوْ بَادِيَةٍ أَجْزَأَ وَامْتَنَعَ نَقْلُهُ عَنْ فُقَرَاءِ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ فُقَرَاءِ أَقْرَبِ مَكَان إلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ فُقَرَاءُ فَلْيُتَأَمَّلْ (تَنْبِيهٌ)

إذَا مَلَكَ فُقَرَاءُ الْبَلَدِ الْقَدْرَ الْمُجْزِئَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ عَلَى فُقَرَاءِ بَلَدٍ آخَرَ مَثَلًا فَهَلْ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ أَوْ لَا لِسُقُوطِ الْوَاجِبِ بِمَا فَعَلَ أَوَّلًا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ

(قَوْلُهُ: الْفَقِيرَ الْمُسْلِمَ) وَلَا يُصْرَفُ مِنْهَا شَيْءٌ لِكَافِرٍ عَلَى النَّصِّ وَلَا لَقِنٍّ إلَّا الْمُبَعَّضَ فِي نَوْبَتِهِ وَمُكَاتَبٍ أَيْ: كِتَابَةً صَحِيحَةً فِيمَا يَظْهَرُ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: الْمُسْلِمَ) بِخِلَافِ الْكَافِرِ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ الْمُضَحِّي امْتَنَعَ أَكْلُهُ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَوَجَبَ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهَا كَمَا نَقَلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ م ر وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَنْعَ أَكْلِ الْمُضَحِّي الْمُرْتَدِّ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ مَا يَأْتِي فِي الْحَاشِيَةِ السُّفْلَى عَنْ الْمَجْمُوعِ مَا لَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا بِفُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَلْ شَمِلَ سَائِرَ الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ: حُرًّا) أَخْرَجَ الْمُبَعَّضَ وَهُوَ شَامِلٌ لِذِي الْمُهَايَأَةِ فِي نَوْبَتِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي جَوَازُ إعْطَائِهِ فِي

ــ

[حاشية الشربيني]

الْبَيْتِ بَلْ أَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ سُرَاقَةَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالتَّصَدُّقُ إلَخْ) لَعَلَّ الْأَوْلَى وَبِالتَّصَدُّقِ، أَوْ زِيَادَةَ بِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ يَحْصُلُ

(قَوْلُهُ: الْمُسْلِمَ) قَالَ الطَّبَرِيُّ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ نَقَلَهُ م ر فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَأَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ يَسِيرًا) أَيْ: غَيْرَ تَافِهٍ جِدًّا فَلَا يَكْفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>