هُوَ كَلَفْظِ الطَّعَامِ الَّذِي يَعُمُّ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ مَعَ اخْتِصَاصِ بَعْضِ النَّوَاحِي بِنَوْعٍ أَوْ أَكْثَرَ بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَنَّ الْعَادَةَ لَا تُخَصِّصُ وَلَا يَرِدُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ أَوْ الرُّءُوسَ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِ السَّمَكِ وَلَا بِرُءُوسِهِ وَرُءُوسِ الطَّيْرِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْضِ وَالرُّءُوسِ بِقَرِينَةِ تَعَلُّقِ الْأَكْلِ بِهِمَا لَا يُطْلِقُهُ أَهْلُ الْعُرْفِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَفُرِّقَ بَيْنَ تَخْصِيصِ الْعُرْفِ لِلَّفْظِ بِالنَّقْلِ مِنْ مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ إلَى مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْهُ وَبَيْنَ انْتِفَاءِ اسْتِعْمَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ لَهُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ مُسَمَّاهُ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ وَمِنْهُ اسْمُ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ وَإِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي بَعْضِ مُسَمَّاهُ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ كَخُبْزِ الْأُرْزِ فِي طَبَرِسْتَانَ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ عَلَى الْبَيْتِ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْكَعْبَةِ وَالْغَارِ وَالطَّاحُونَةِ وَالْحَمَّامِ وَالْبَيْعَةِ وَالْكَنِيسَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْإِيوَاءِ، وَالْبَيْتُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهَا بِضَرْبِ تَقْيِيدٍ وَكَذَا دِهْلِيزُ الدَّارِ وَصَحْنُهَا وَصُفَّتُهَا عَلَى الْأَصَحِّ إذْ يُقَالُ لَمْ يَدْخُلْ الْبَيْتَ، وَإِنَّمَا وَقَفَ فِي الدِّهْلِيزِ وَالصَّحْنِ وَالصُّفَّةِ وَعَبَّرَ فِي الْحَاوِي عَنْ الْخَامِ بِالْكِرْبَاسِ. (نَّهُ) أَيْ: لَا. (خَانَهْ) بِالْفَارِسِيَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْتَ شَعْرٍ وَأَدَمٍ وَخَامٍ فَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ خَانَهُ أَوْ وَاَللَّهِ دَرِّ خَانَهُ نروم لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ؛ لِأَنَّ أَهْلَهُ لَا يُطْلِقُونَهُ عَلَى غَيْرِ الْمَبْنِيِّ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ نَّهُ بِمَعْنَاهَا وَهُوَ لَا كَانَ أَوْضَحَ. (وَخُبْزُ الرُّزِّ عَمْ) طَبَرِسْتَانَ وَغَيْرَهَا وَإِنْ غَلَبَ فِيهَا فَقَطْ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا حَنِثَ بِأَيِّ خُبْزٍ كَانَ حَتَّى بِخُبْزِ الرُّزِّ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ طَبَرِسْتَانَ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ خُبْزٌ وَاللَّفْظُ بَاقٍ عَلَى مَدْلُولِهِ مِنْ الْعُمُومِ وَعَدَمُ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصًا كَمَا مَرَّ
(وَالْإِذْنُ) الَّذِي. (لَا يُسْمَعُ) أَيْ: لَا يَسْمَعُهُ الْمَأْذُونُ لَهُ إذْنٌ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعْهُ لَمْ يَحْنَثْ بِخُرُوجِهِ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَهُ لِوُجُودِ الْإِذْنِ لَهُ وَلَوْ أَخْرَجَهُ الْحَالِفُ هَلْ يَكُونُ إذْنًا وَجْهَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ. (كَالتَّصَرُّفِ وَكَالَةً) عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ تَصَرُّفُهُ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي فَبَاعَ أَوْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ حَنِثَ. (لَكِنْ تَزَوُّجٌ نُفِيَ) أَيْ: لَيْسَ تَزَوُّجُهُ بِوَكَالَةٍ تَزَوُّجًا لَهُ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَتَوَكَّلَ عَنْ غَيْرِهِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ لَمْ يَحْنَثْ. (وَكَتَزَوُّجِ الْوَكِيلِ عَنْهُ) فَإِنَّهُ تَزَوَّجَهُ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ حَنِثَ بِقَبُولِ وَكِيلِهِ لَهُ النِّكَاحَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ مَحْضٌ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمُوَكِّلِ وَبِهَذَا جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَحَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيّ وَمُقَابِلُهُ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ وَالْغَزَالِيِّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَوَّلُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِفِعْلِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَلِقَاعِدَةِ أَنَّ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ إلَى الْحَقِيقَةِ وَلِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ فَقَدْ جَزَمَ بِالثَّانِي أَيْضًا الْقَفَّالُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَحَكَاهُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ قَطْعِ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا اعْتَمَدَ مُقَابِلَهُ إلَّا الْبَغَوِيّ اهـ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: إلَى مَا هُوَ أَخَصَّ مِنْهُ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ خَصَّصَ لَفْظَ الْبَيْضِ وَالرُّءُوسِ بِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ بِقَرِينَةِ تَعَلُّقِ الْأَكْلِ أَنَّ تَخْصِيصَهُ لِذَلِكَ فِي مَسَاقِ الْأَكْلِ لَا مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ سم
(قَوْلُهُ: وَالْإِذْنُ لَا يُسْمَعُ) وَلَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ زَوْجَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ بَرَّ بِالْإِذْنِ لَهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ لَا بِإِخْرَاجِهِ لَهَا إلَّا أَنَّ الْفِعْلَ لَا يُسَمَّى إذْنًا وَيَنْبَغِي فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى إذْنِهِ؛ لِأَنَّهَا الْمُصَدَّقَةُ فِي إنْكَارِ الْإِذْنِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ حَجَرٌ أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى عَدَمِ الْإِنْفَاقِ وَادَّعَتْهُ حَيْثُ لَا تُصَدَّقُ بِالنِّسْبَةِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ
[حاشية الشربيني]
هُنَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ وَلَا بِرُءُوسِهِ إلَخْ) أَيْ: حَيْثُ لَمْ يُعْتَدْ بَيْعُهَا مُنْفَرِدَةً فِي بَلَدِهِ وَإِلَّا حَنِثَ بِهَا وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ بَلَدِهِ وَفِي حَاشِيَةِ م ر عَلَى شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّ رُءُوسَ الْإِبِلِ لَا تُؤْكَلُ وَتُبَاعُ إلَّا بِبَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَالْحِنْثُ يَحْصُلُ بِهِ مُطْلَقًا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَافَقَ الِاسْمُ عُرْفَ ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَغَلَبَ حُكْمُهُ. اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت الرَّشِيدِيَّ نَقَلَ عَنْ سم عَنْ م ر أَنَّهُ مَتَى بِيعَتْ الرُّءُوسُ فِي بَلَدٍ حَنِثَ بِأَكْلِهَا الْحَالِفُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ مَتَى ثَبَتَ فِي مَوْضِعٍ عَمَّ وَالتَّخْصِيصُ بِأَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ خِلَافُ الصَّحِيحِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَفُرِّقَ إلَخْ) هُوَ ظَاهِرٌ لَكِنْ إذَا عُلِمَ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ عَدَمُ الْإِطْلَاقِ فَمَا الَّذِي نَعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ أَوْ عَدَمُ إطْلَاقٍ فَقَطْ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ عَدَمُ الْإِطْلَاقِ لِعَدَمِ تَعَارُفِهِمْ هَذَا الْفَرْدَ كَخُبْزِ الرُّزِّ فِي غَيْرِ طَبَرِسْتَانَ فَلَيْسَ تَخْصِيصًا وَإِنْ كَانَ مَعَ تَعَارُفِهِمْ لَهُ فَهُوَ تَخْصِيصٌ وَقَدْ أَشَارَ الْمُحَشِّي فِيمَا يَأْتِي لَهُ. (قَوْلُهُ: وَالْكَنِيسَةِ) أَيْ: مَحَلِّ التَّعَبُّدِ، أَمَّا لَوْ دَخَلَ بَيْتًا فِيهَا حَنِثَ. اهـ. م ر. (قَوْلُهُ: وَكَذَا دِهْلِيزُ الدَّارِ) خَالَفَ ع ش فَقَالَ: إنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِ الدِّهْلِيزِ؛ لِأَنَّ عُرْفَ مِصْرَ إطْلَاقُ الْبَيْتِ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ سِيَّمَا إذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَيْهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَ أَمِيرِ الْحَاجِّ فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ عُرْفًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِدُخُولِهِ لَا مَحَلِّ الْبَيْتُوتَةِ بِخُصُوصِهِ. اهـ. لَكِنْ رَدَّهُ الرَّشِيدِيُّ بِأَنَّ الْعُرْفَ الْعَامَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخَاصِّ عَلَى الْأَصَحِّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ؛ لِأَنَّ أَهْلَهُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ وَفِيهِ اعْتِبَارُ عُرْفِ اللَّفْظِ لَا اللَّافِظِ وَمَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْعَكْسُ
(قَوْلُهُ فَقَدْ جَزَمَ بِالثَّانِي إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْحِنْثُ وَلَوْ فِي الرَّجْعَةِ خِلَافًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute