الْوَطَنِ وَخَالَفَ سَائِرَ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقِيَامُ بِهَا وَالْعَوْدُ إلَى الْوَطَنِ وَالْقَضَاءُ لَا غَايَةَ لَهُ مَعَ قِيَامِ حَاجَةِ قُطْرِ الْمُتَعَيَّنِ إلَيْهِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِقُطْرِهِ صَالِحٌ آخَرُ وَوَلِيَ أَحَدُهُمَا فِيهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ ذَلِكَ فِي قُطْرٍ آخَرَ لَيْسَ بِهِ صَالِحٌ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْقُطْرُ الْآخَرُ عَنْ قَاضٍ مَعَ انْتِفَاءِ حَاجَةِ قُطْرِهِ إلَيْهِ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخَانِ: يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ نَصْبُ قَاضٍ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَنَاحِيَةٍ عَرَفَ أَنَّهَا خَالِيَةٌ عَنْهُ، إمَّا بِأَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ قَاضِيًا مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَنْ يَخْتَارَ مِنْهُمْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ. اهـ.
وَالْوَجْهُ حَمْلُهُ عَلَى فَوْقِ مَسَافَةِ الْعَدْوَى لِيُوَافِقَ كَلَامَ غَيْرِهِمَا وَلَا يُعْذَرُ الْمُتَعَيِّنُ بِالْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ خِيَانَةٍ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْبَلَ وَيَحْتَرِزَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ لِاضْطِرَارِ النَّاسِ إلَيْهِ كَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ وَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ عِنْدَ التَّعَيُّنِ، وَأَمَّا خَبَرُ «إنَّا لَا نُكْرِهُ عَلَى الْقَضَاءِ أَحَدًا» فَحَمَلُوهُ عَلَى حَالِ عَدَمِ التَّعَيُّنِ مَعَ أَنَّهُ غَرِيبٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ امْتِنَاعُهُ حِينَئِذٍ كَبِيرَةٌ فَيَفْسُقُ فَكَيْفَ يُوَلَّى قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالتَّوْبَةِ أَوَّلًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ امْتِنَاعُهُ غَالِبًا بِتَأْوِيلٍ فَلَيْسَ فَاسِقًا قَطْعًا وَإِنْ أَخْطَأَ وَعَلَى الْإِمَامِ الْبَحْثُ عَنْ حَالِ مَنْ يُوَلِّيهِ مِنْ جِيرَانِهِ وَأَصْحَابِهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَوِّضَ تَوْلِيَةَ الْقَضَاءِ إلَى مَنْ لَا يَصْلُحُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ مَحْضٌ، ثُمَّ لَيْسَ لِلْمُفَوَّضِ إلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ كَمَا لَا يَخْتَارُ نَفْسَهُ وَلَوْ قَالَ لِأَهْلِ الْبَلَدِ: اخْتَارُوا رَجُلًا وَوَلُّوهُ فَفَعَلُوا انْعَقَدَتْ وِلَايَتُهُ. (وَلِلْأَصْلَحِ وَالْمِثْلِ نُدِبْ) أَيْ: وَنُدِبَ الطَّلَبُ وَكَذَا الْقَبُولُ لِلْأَصْلَحِ مَعَ وُجُودِ الصَّالِحِ وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ وَخُمُولٍ وَلِمِثْلِ غَيْرِهِ فِي أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ مَعَ وُجُودِ مُمَاثِلِهِ. (لِحَاجَةٍ) لَهُ إلَى رِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
(وَلِخُمُولٍ) أَيْ: أَوْ لِخُمُولِ ذِكْرِهِ وَعَدَمِ انْتِشَارِ عِلْمِهِ فَيَرْجُو انْتِشَارَهُمَا بِالْوِلَايَةِ وَأَفْهَمَ وُجُوبُ الطَّلَبِ عَلَى الْمُتَعَيَّنِ وَنَدْبُهُ لِغَيْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ جَوَازَ بَذْلِ الْمَالِ لَهُمَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ حَرُمَ أَخْذُهُ
(وَكُرِهْ) أَيْ: الطَّلَبُ (لِغَيْرِهِ) أَيْ: لِغَيْرِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ أَوْ نُدِبَ أَيْ لِلصَّالِحِ الْمَفْضُولِ وَلِلْمِثْلِ غَيْرِ الْمُحْتَاجِ وَالْخَامِلِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ حَيْثُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ» ، وَيُكْرَهُ لَهُمَا قَبُولُهُ إذَا وَلِيَا، وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْتَدِئَهُمَا بِالتَّوْلِيَةِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا بَذْلُ الْمَالِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْأَفْضَلُ وَالْمِثْلُ الْمُحْتَاجُ أَوْ الْخَامِلُ يَتَوَلَّيَانِ وَإِلَّا فَكَالْمَعْدُومِينَ وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْكَرَاهَةِ مَا إذَا كَانَ الْمَفْضُولُ أَطْوَعَ وَأَقْرَبَ إلَى الْقُلُوبِ وَالْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا كَانَ أَقْوَى فِي الْقِيَامِ فِي الْحَقِّ وَيَلْحَقُ بِالْمَفْضُولِ فِيهِمَا الْمِثْلُ غَيْرُ الْمُحْتَاجِ وَالْخَامِلُ
(وَعَادَ كُلُّ صُوَرِهْ) أَيْ: الْقَاضِي. (إلَى الْإِمَامِ) فَيُشْتَرَطُ فِيهِ كَوْنُهُ أَهْلًا لِلشَّهَادَاتِ مُجْتَهِدًا كَافِيًا فِي الْإِمَامَةِ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّر كَمَا فِي زَمَانِنَا وَيَجِبُ طَلَبُهُ وَقَبُولُهُ لِلْإِمَامَةِ إنْ تَعَيَّنَ وَيُنْدَبَانِ إنْ كَانَ أَصْلَحَ أَوْ مِثْلَ غَيْرِهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ أَوْ خَامِلٌ وَيُكْرَهَانِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى مَا فُصِّلَ وَيَزِيدُ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ شُجَاعًا وَكَوْنِهِ سَالِمَ الْأَعْضَاءِ الَّتِي يُؤَثِّرُ فَوَاتُهَا فِي اسْتِيفَاءِ الْحَرَكَةِ وَسُرْعَةِ النُّهُوضِ وَهُمَا مَعْلُومَانِ مِنْ قَوْلِهِ كَافٍ وَكَوْنِهِ قُرَشِيًّا لِخَبَرِ «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ، فَإِنْ لَمْ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَالْقَضَاءُ لَا غَايَةَ لَهُ) اُنْظُرْ لَوْ اطَّرَدَتْ عَادَةُ السُّلْطَانِ بِأَنَّهُ لَا يُوَلِّي الْقَضَاءَ أَحَدًا عَلَى الدَّوَامِ بَلْ اطَّرَدَتْ عَادَتُهُ بِعَزْلِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ وَتَوْلِيَةِ غَيْرِهِ كَمَا فِي زَمَنِنَا هَذَا وَتَعَدَّدَ الصَّالِحُ فِي الْقُطْرِ الْوَاحِدِ. (قَوْلُهُ: وَوَلَّوْهُ) هَلْ يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُ الْجَمِيعِ عَلَى تَوْلِيَتِهِ وَلَوْ بِالرِّضَا بِهِ مَعَ تَوْلِيَةِ الْبَعْضِ أَوْ يَكْفِي الْبَعْضُ مُطْلَقًا أَوْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ الْأَكْثَرَ أَوْ كَوْنُهُ أَهْلَ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ . (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ) فَقَوْلُهُ لِحَاجَةٍ إلَخْ خَاصٌّ بِالْمِثْلِ
(قَوْلُهُ: أَيْ الطَّلَبُ) أَخَّرَ الْقَبُولَ وَسَيَذْكُرُ كَرَاهَتَهُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَلِلْمِثْلِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ الْمِثْلُ الْآخَرُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ وَلَا خَامِلٍ وَقَدْ يَقْتَضِي هَذَا كَرَاهَةَ الطَّلَبِ وَالْقَبُولِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَكَرَاهَةُ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا بِخُصُوصِهِ دُونَ الْآخَرِ تَحَكُّمٌ وَيُتَّجَهُ أَنْ لَا يُكْرَهَ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ قَبُولُ مَنْ سُئِلَ مِنْهُمَا بَلْ يُحْتَمَلُ عَدَمُ كَرَاهَةِ الطَّلَبِ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَوْ كُرِهَ لَهُمَا الطَّلَبُ وَالْقَبُولُ وَكُرِهَ لِلْإِمَامِ الِابْتِدَاءُ بِالطَّلَبِ كَمَا يَأْتِي آنِفًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ مَا يُؤَدِّي إلَى تَعَطُّلِ الْقَضَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا بَذْلُ الْمَالِ) قَالَ الْجَوْجَرِيُّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَحَبًّا جَازَ لَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِيَتَوَلَّى وَيَجُوزُ لَهُ الْبَذْلُ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ لِئَلَّا يُعْزَلَ وَالْآخِذُ ظَالِمٌ بِالْأَخْذِ اهـ قَالَ: أَعْنِي الْجَوْجَرِيَّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ الْبَذْلِ عِنْدَ انْتِفَاءِ التَّعَيُّنِ وَالِاسْتِحْبَابِ هُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فَإِنَّ الَّذِي فِيهِ عَدَمُ جَوَازِ الْبَذْلِ لِلتَّوَلِّي وَجَوَازُهُ لِئَلَّا يُعْزَلَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ الَّذِي نَقَلَا الْمَسْأَلَةَ عَنْهُ فَهُوَ الصَّوَابُ اهـ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَإِنْ لَمْ يَجِبْ وَلَمْ يُسْتَحَبَّ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِيُوَلَّى وَيَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِئَلَّا يُعْزَلَ وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: حَمْلُهُ) أَيْ: قَوْلِهِمَا فِي كُلِّ بَلَدٍ وَقَوْلُهُ عَلَى فَوْقِ إلَخْ أَيْ: بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ مَا فِيهِ قَاضٍ وَمَا لَيْسَ فِيهِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى، وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ.
(قَوْلُهُ امْتِنَاعُهُ غَالِبًا إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَمْتَنِعُ بِلَا تَأْوِيلٍ فَيَفْسُقُ فَلَا بُدَّ بَعْدَ تَوْبَتِهِ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَاسِقَ مَتَى حَصَلَ بِتَوْبَتِهِ الْعِلْمُ بِزَوَالِ الْفِسْقِ صَحَّتْ فِي الْحَالِ كَمَا قُلْنَا فِي الْعَاضِلِ: إنَّهُ يُزَوَّجُ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّزْوِيجِ يَرْتَفِعُ فِسْقُهُ وَهَذَا مِثْلُهُ وَلَهُ نَظَائِرُ. اهـ. م ر فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْإِمَامِ الْبَحْثُ) وَإِلَّا لَمْ يَنْفُذْ وَإِنْ تَأَهَّلَ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: انْعَقَدَتْ وِلَايَتُهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْحَثْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْهُ كَانَ لِمَصْلَحَتِهِمْ وَقَدْ اخْتَارُوهُ
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ لِغَيْرِهِ