للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا مَنْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِسَفَهٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَمْنَعُ قَوْلُهُ وَهُوَ مُقِرٌّ مِنْ سَمَاعِ بَيِّنَتِهِ وَمَا لَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَكِنَّهُ مُمْتَنِعٌ، وَمَا لَوْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ شَاهِدَةً بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَقُولُ عِنْدَ إرَادَةِ مُطَابَقَةِ دَعْوَاهُ بَيِّنَتَهُ: أَقَرَّ فُلَانٌ بِكَذَا وَلِي بِهِ بَيِّنَةٌ وَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ نَصْبُ مُسَخَّرٍ يُنْكِرُ عَنْ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُقِرًّا فَيَكُونُ إنْكَارُهُ كَذِبًا بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ النَّصْبِ وَعَدَمِهِ (بِالْبَيِّنَهْ) أَيْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى مَعَ الْبَيِّنَةِ عَلَى غَائِبٍ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى (وَ) مَعَ سَمَاعِ (شَاهِدٍ) وَاحِدٍ (ثُمَّ يَمِينَيْنِ) مِنْ الْمُدَّعِي (عَنْهُ) أَيْ فِي الدَّعْوَى مَعَ إقَامَةِ شَاهِدٍ عَلَى غَائِبٍ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى إحْدَى الْيَمِينَيْنِ لِتَكْمِيلِ الْحُجَّةِ وَالْأُخْرَى بَعْدَهَا لِنَفْيِ الْمُسْقِطِ مِنْ إبْرَاءٍ وَغَيْرِهِ وَيُسَمَّى يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ، لَا بُدَّ مِنْهَا فِي جَمِيعِ صُوَرِ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ كَمَا سَيَأْتِي وَتَعْبِيرُهُ بِثُمَّ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْوَاوِ

(وَ) مَعَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْوَكِيلِ عَلَى (أَنَّهُ) أَيْ الْغَائِبَ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ (وَكَّلَهُ) وَلَوْ تَعَلَّقَ بِإِنْسَانٍ وَقَالَ: أَنْت وَكِيلُ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَلِي عَلَيْهِ كَذَا وَأَنَا أَدَّعِي عَلَيْكَ وَأُقِيمُ الْبَيِّنَةَ فِي وَجْهِكَ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَنِّي وَكِيلُهُ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لَهُ فَكَيْفَ تُقَامُ بَيِّنَةٌ بِهَا قَبْلَ دَعْوَاهُ؟ وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ فَائِدَةً وَهِيَ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْ ضَمِّ الْيَمِينِ إلَى الْبَيِّنَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ مُجْمِعًا عَلَيْهِ

(وَأُحْضِرَا) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ أَحْضَرَهُ الْقَاضِي إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ إنْ كَانَ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ (مِنْ قَدْرِ) مَسَافَةِ (عَدْوٍ) فَأَقَلَّ، وَالْإِحْضَارُ إمَّا بِخَتْمٍ أَوْ خَطٍّ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي أَوْ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْأَعْوَانِ، وَمُؤْنَتُهُ عَلَى الطَّالِبِ إنْ لَمْ تُرْزَقْ الْأَعْوَانُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي امْتِنَاعُهُ بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ بِقَوْلِ الْعَوْنِ الثِّقَةِ اسْتَعَانَ بِأَعْوَانِ السُّلْطَانِ فَإِذَا حَضَرَ عَزَّرَهُ بِمَا يَرَاهُ وَتَكُونُ مُؤْنَةُ الْمُحْضِرِ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِامْتِنَاعِهِ (بَعْدَ بَحْثٍ حُرِّرَا) مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ أَيْ يُحْضِرُهُ بَعْدَ بَحْثِهِ الْمُحَرَّرِ عَنْ جِهَةِ دَعْوَى الْمُدَّعِي فَقَدْ يُرِيدُ مُطَالَبَتَهُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ كَذِمِّيٍّ أَرَادَ مُطَالَبَةَ مُسْلِمٍ بِضَمَانِ خَمْرٍ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْحَاضِرِ بِالْبَلَدِ، أَمَّا الْحَاضِرُ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ فِي إحْضَارِهِ إلَى الْبَحْثِ إذْ لَيْسَ فِي الْحُضُورِ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ وَلَا مُؤْنَةٌ (لِفَقْدِ مَنْ أَصْلَحَ ثَمَّ أَوْ حَكَمْ) أَيْ إنَّمَا يَحْضُرُ الْخَارِجُ عَنْ الْبَلَدِ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوِ فَأَقَلَّ عِنْدَ فَقْدِ مَنْ يُصْلِحُ أَوْ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا هُنَاكَ فَإِنْ وُجِدَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يُحْضِرْهُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ إحْضَارِهِ، وَقَوْلُهُ مَنْ أَصْلَحُ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالْمُرُوءَةِ وَالْعَقْلِ، فَيَكْتُبُ الْقَاضِي إلَيْهِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوِ لَا يُحْضِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَاضٍ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَصَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ كَمَا فِي الرَّوْضَة أَنَّهُ يُحْضِرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَاضٍ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَدْعَى الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فِي قِصَّةٍ مِنْ الْبَصْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ

(وَذِي تَعَزُّزٍ وَمَنْ قَدْ اكْتَتَمْ) أَيْ يَحْكُمُ عَلَى غَائِبٍ وَعَلَى مُتَعَذِّرٍ وَمُكْتَتِمٍ أَيْ مُتَغَلِّبٍ وَمُتَوَارٍ لِئَلَّا يُتَّخَذَ التَّغَلُّبُ وَالتَّوَارِي ذَرِيعَةً لِإِبْطَالِ الْحُقُوقِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي أَوَّلًا مَنْ يُنَادِي عَلَى بَابِ دَارِ الْمُتَوَارِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ سُمِّرَ بَابُهُ أَوْ خُتِمَ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ بَعْدَهَا وَسَأَلَ الْمُدَّعِي التَّسْمِيرَ أَوْ الْخَتْمَ أَجَابَهُ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّ الدَّارَ دَارُهُ، وَلَا يَرْفَعُ الْمِسْمَارَ أَوْ الْخَتْمَ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْحُكْمِ وَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَكَانٌ بَعَثَ إلَيْهِ جَمَاعَةً مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْخُصْيَانِ لِيَهْجُمُوا عَلَيْهِ مُتَرَتِّبِينَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فَتُقَدَّمُ النِّسَاءُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الْخُصْيَانُ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَيَبْعَثُ مَعَهُمْ عَدْلَيْنِ مِنْ الرِّجَالِ فَإِذَا دَخَلُوهَا وَقَفَ الرِّجَالُ فِي الصَّحْنِ وَأَخَذَ غَيْرُهُمْ فِي التَّفْتِيشِ، قَالَ: وَلَا هُجُومَ فِي الْحُدُودِ إلَّا فِي حَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُ (وَ) يَحْكُمُ عَلَى (الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَيِّتِ) لِئَلَّا

ــ

[حاشية العبادي]

فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْتَغْرَبُ وَيُسْتَبْعَدُ (قَوْلُهُ مَنْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ إلَخْ) هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّجَهٌ دُونَ مَا بَعْدَهُ م ر (قَوْلُهُ فَلَا يُمْنَعُ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ وَمَا لَوْ قَالَ: هُوَ مُقِرٌّ إلَخْ) ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَقَرَّ بِهَا لِزَيْدٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِي، فَإِنَّهُ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ لِلَّتِي يُقِيمُهَا بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الثَّانِيَ لَا يُفِيدُ انْتِزَاعَهَا مِنْ زَيْدٍ بِرّ

(قَوْلُهُ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ

(قَوْلُهُ مَنْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ إلَخْ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ بِرّ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ) وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الْمُقْرِي بِرّ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ) قَدْ يُسْتَشْكَلُ هَذَا بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ قَاضٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَصْرَةَ حِينَئِذٍ لَمْ تَكُنْ خَالِيَةً مِنْ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يُقَالَ كَانَ قَاضِيهَا هُوَ الْمُغِيرَةُ فَلْيُرَاجَعْ

(قَوْلُهُ أَيْ مُتَغَلِّبٌ) تَفْسِيرٌ لِمُتَعَزِّزٍ (قَوْلُهُ وَالتَّوَارِي) تَفْسِيرٌ لِمُكْتَتِمٍ

ــ

[حاشية الشربيني]

يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْجَزْمُ فِي الْحَالِ لَمْ يُؤَثِّرْ شَرْحُ الرَّوْضِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَعَلَّقَ إلَخْ) الرَّاجِحُ أَنَّ الدَّعْوَى عَلَى وَكِيلِ الْغَائِبِ لَا تُسْمَعُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ. اهـ. بُجَيْرِمِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ وَانْظُرْ شَرْحُ م ر وَحَجَرٌ عَلَى الْمِنْهَاجِ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي حَاشِيَةِ م ر عَلَى شَرْحِ الرَّوْضِ أَنْ لِلْقَاضِي سَمَاعَ الدَّعْوَى عَلَى وَكِيلِ الْغَائِبِ كَمَا لَهُ سَمَاعُهَا عَلَى الْغَائِبِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ التَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ الْمُسَوِّغَةَ لِلْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ مَوْجُودَةٌ

(قَوْلُهُ إنْ كَانَ إلَخْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ مَعَ غَيْبَتِهِ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَهُوَ فِي مَسَافَةِ الْعَدْوِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَاضٍ) أَيْ يُنَفِّذُ مَا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي الْحَاكِمُ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ) لَكِنْ لَا يُحْضِرُهُ مَعَ الْبُعْدِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَهُ بِخِلَافِهِ فِي مَسَافَةِ الْعَدْوِ فَإِنَّهُ يُحْضِرُهُ وَلَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ، نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ النِّهَايَةِ وَقَالَ إنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>