للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إذَا رَجَعَا وَقَالَا تَعَمَّدْنَا وَوَجْهُهُ فِي الْمُزَكِّي أَنَّهُ بِالتَّزْكِيَةِ أَلْجَأَ الْقَاضِي إلَى الْحُكْمِ الْمُفْضِي إلَى الْقَتْلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ عَلِمْت كَذِبَهُ وَعَلِمْت فِسْقَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَقَالَ الْقَفَّالُ: مَحَلُّهُ إذَا قَالَ عَلِمْت كَذِبَهُ فَإِنْ قَالَ عَلِمْت فِسْقَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصْدُقُ مَعَ فِسْقِهِ وَكَالْمُزَكِّي وَالْوَلِيِّ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ (وَاشْتَرَكَ الْجَمِيعُ) أَيْ جَمِيعُ مَنْ رَجَعَ مِنْ الشَّاهِدِ وَالْمُزَكِّي وَالْوَلِيِّ وَكَذَا الْقَاضِي فِي لُزُومِ الْقَوَدِ، فَإِنْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ فَهِيَ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ أَرْبَاعًا وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْكَافِي وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ الْمُؤَاخَذَ بِذَلِكَ الْوَلِيُّ وَحْدَهُ، وَذَكَرَا فِيهِ هُنَا وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَهُمْ مَعَهُ كَالْمُمْسِكِ مَعَ الْقَاتِلِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُمْ مَعَهُ كَالشَّرِيكِ لِتَعَاوُنِهِمْ عَلَى الْقَتْلِ، لَا كَالْمُمْسِكِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمْ كَالْمُحِقِّينَ زَادَ النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ مَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْجِنَايَاتِ الْقَطْعُ بِهِ فَهُوَ الْأَصَحُّ نَقْلًا وَدَلِيلًا انْتَهَى (لَا أَخْطَأَ) أَيْ قَتْلُ الرَّاجِعِ عَنْ الشَّهَادَةِ ثَابِتٌ بِقَتْلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إنْ قَالَ تَعَمَّدْت كَمَا مَرَّ لَا إنْ قَالَ مَعَهُ أَوْ دُونَهُ أَخْطَأَ (مَنْ شَارَكَنِي) فِي الشَّهَادَةِ (أَوْ) أَخْطَأْت (أَنَا) فِيهَا (أَوْ) قَالَ تَعَمَّدْت لَكِنْ (لَمْ أَدْرِ أَنْ) أَيْ الْمَشْهُودَ (يَقْتُلَهُ الْقَاضِي بِقَوْلِي) وَكَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ لِانْتِفَاءِ تَمَحَّضَ الْعَمْدِ وَالْعُدْوَانِ بِأَنْ يَلْزَمَهُمَا الدِّيَةُ حِصَّةُ الْمُخْطِئِ مِنْهَا مُخَفَّفَةٌ، وَحِصَّةُ غَيْرِهِ مُغَلَّظَةٌ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إذَا رَجَعَا وَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا تَعَمَّدْت وَلَمْ يَقُلْ أَخْطَأَ شَرِيكِي بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ قَالَ وَتَعَمَّدَ شَرِيكِي أَوْ لَمْ أَعْلَمْ لَزِمَهُمَا الْقَوَدُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا تَعَمَّدْت وَأَخْطَأَ شَرِيكِي أَوْ عَكْسُهُ أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِقَوْلِي وَكَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا قَوَدَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا تَعَمَّدْت أَنَا وَشَرِيكِي وَقَالَ الْآخَرُ أَخْطَأْت أَوْ أَخْطَأْنَا أَوْ تَعَمَّدْت وَأَخْطَأَ هُوَ فَالْقَوَدُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَلَوْ قَالَ تَعَمَّدْت وَتَعَمَّدَ شَرِيكِي وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ غَائِبٌ لَا يُمْكِنُ مُرَاجَعَتُهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ حِينَئِذٍ تَعَمَّدْت وَلَا أَدْرِي حَالَ شَرِيكِي وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَقَالَ تَعَمَّدْنَا لَزِمَهُ الْقَوَدُ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَعَمَّدْت فَلَا

(وَحَلِفْ) أَيْ سَأَلَ الْقَاضِي ذَكَرَا كَمَا مَرَّ وَسَأَلَ حَلَفَ (كُلِّ أَمِينٍ) كَوَكِيلٍ وَلَوْ بِجُعْلٍ وَمُضَارِبٍ وَأَجِيرٍ وَمُكْتَرٍ وَمُرْتَهِنٍ وَمُودِعِ (يَدَّعِي أَنْ) أَيْ أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ (قَدْ تَلِفَ) فَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً عَلَى تَلَفِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ ائْتَمَنَهُ فَلْيُصَدِّقْهُ وَلِأَنَّ التَّلَفَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالِاخْتِيَارِ، فَقَدْ لَا تُسَاعِدُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَمِنْ ثَمَّ قُبِلَ قَوْلُ غَيْرِ الْأَمِينِ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَاهُ التَّلَفَ سَوَاءٌ (أَطْلَقَهُ) أَيْ التَّلَفَ (أَوْ) ادَّعَاهُ (بِخَفِيٍّ) أَيْ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ (وَمَتَى قَالَ) تَلِفَ (بِظَاهِرٍ كَسَيْلٍ) وَلَمْ يُعَرِّفْ (أَثْبَتَا) أَيْ أَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ تَلِفَ بِهِ وَإِنْ عَرَّفَ هُوَ وَعُمُومُهُ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ، وَالتَّمْثِيلُ بِالسَّيْلِ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ

(كَذَاكَ) سَأَلَ حَلِفَ كُلِّ أَمِينٍ (فِي الرَّدِّ) أَيْ رَدِّهِ الْمَالَ (عَلَى مُؤْتَمِنِهْ) بِخِلَافِ رَدِّ غَيْرِهِ كَوَارِثِهِ وَرَدِّهِ عَلَى غَيْرِ مُؤْتَمِنِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ (لَا مُكْتَرِي الشَّيْءِ وَلَا مُرْتَهِنِهْ) فَلَا يَسْأَلُ الْقَاضِي حَلِفَهُمَا إذَا ادَّعَيَا الرَّدَّ عَلَى الْمُكْرِي وَالرَّاهِنِ بَلْ يَسْأَلُهُمَا الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُمَا أَخَذَا الْمَالَ لِمَنْفَعَةِ أَنْفُسِهِمَا كَالْمُسْتَعِيرِ بِخِلَافِ دَعْوَى التَّلَفِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ يَتَعَلَّقُ بِالِاخْتِيَارِ فَيَسْهُلُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ التَّلَفِ، وَإِنَّمَا صُدِّقَ الْوَكِيلُ بِجُعْلٍ، وَالْمُضَارِبُ وَالْأَجِيرُ فِي الرَّدِّ مَعَ انْتِفَاعِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا الْمَالَ لِمَنْفَعَةِ

ــ

[حاشية العبادي]

ذَلِكَ ثُمَّ شَهِدُوا بِالزِّنَا مَعَ قُرْبِ الزَّمَنِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ التَّزْكِيَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ لِلْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ قَصْدُ الشَّخْصِ وَلَمْ يُوجَدْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي نُكَتِ النَّشَائِيِّ نَقْلًا عَنْ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ صَاحِبَ الذَّخَائِرِ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ جَرَيَانُ وَجْهٍ فَارِقٍ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ التَّزْكِيَةُ قَبْلَ الْأَدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ اهـ. فَعَلِمْت أَنَّ هَذَا هُوَ مَأْخَذُ الشَّارِحِ وَهُوَ مَأْخَذٌ غَيْرُ مُبَيِّنٍ لِمَا عَلِمْتُهُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّيْخَيْنِ السَّالِفِ بِرّ (قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ تَمَحَّضَ الْعَمْدِ) أَيْ فَيَكُونُ ذَلِكَ شِبْهَ عَمْدٍ فِي الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ بِرّ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ غَائِبٌ لَا تُمْكِنُ مُرَاجَعَتُهُ) أَيْ حَاجَةً إلَى ذَلِكَ مَعَ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: تَعَمَّدْت أَنَا وَشَرِيكِي، وَقَالَ الْآخَرُ: إلَى قَوْلِهِ فَالْقَوَدُ عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِنَّ غَايَةَ مَا كَانَ يَقُولُ الْمَيِّتُ أَوْ الْغَائِبُ أَخْطَأْنَا وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْقَوَدَ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا تَقَرَّرَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ حِينَئِذٍ تَعَمَّدْت وَلَا أَدْرِي حَالَ شَرِيكِي) أَيْ فَلَا قَوَدَ وَلَا يُشْكِلُ هَذَا عَلَى ثُبُوتِ الْقَوَدِ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ أَوْ لَمْ أَعْلَمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُصَوَّرُ بِمَا إذَا قَالَ: كُلٌّ مِنْهُمَا تَعَمَّدْت بِخِلَافِ هَذَا، فَإِنَّهُ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ تَعَمَّدْت وَأَيْضًا فَهَذَا مُصَوَّرٌ مَعَ مَا ذُكِرَ بِمَا إذَا كَانَ شَرِيكُهُ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا لَا تُمْكِنُ مُرَاجَعَتُهُ

(قَوْلُهُ قَبْلَ قَوْلِ غَيْرِ الْأَمِينِ إلَخْ) أَيْ لَكِنْ يَضْمَنُ الْبَدَلَ بِخِلَافِ الْأَمِينِ (قَوْلُهُ أَوْ عَرَفَ دُونَ عُمُومِهِ) فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْبَيِّنَةِ هُنَا نَظَرٌ وَكَلَامُهُمْ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ، وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ عَرَفَ أَيْ الظَّاهِرَ دُونَ عُمُومِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ جَهِلَ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي التَّلَفِ بِرّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ رَدِّ غَيْرِهِ) لَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْوَدِيعِ أَنَّ الْوَدِيعَ قَبْلَ مَوْتِهِ رَدَّ عَلَى الْمَالِكِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْوَدِيعُ أَنَّهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمَالِكِ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) أَشَارَ م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَمَّا لَوْ رَجَعَ الْقَاضِي وَالشُّهُودُ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْجَمِيعِ وَيُفَرَّقَ بَيْنَ الْقَاضِي وَالْوَلِيِّ وَهُوَ وَاضِحٌ. اهـ. حَاشِيَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ فَإِنْ رَجَعَ الْقَاضِي وَحْدَهُ فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ) قَالَ م ر

<<  <  ج: ص:  >  >>