للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدَ الدِّيَتَيْنِ دُونَ قَصْدٍ فَلَهُ صَرْفُهُ لِأَيِّهِمَا شَاءَ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ مَالَانِ: حَاضِرٌ، وَغَائِبٌ وَدَفَعَ الزَّكَاةَ لِمُسْتَحِقِّيهَا وَأَطْلَقَ النِّيَّةَ لَهُ صَرْفُهَا إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ.

وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمُكَاتَبُ فَالِاخْتِيَارُ لِسَيِّدِهِ لَا لَهُ (وَضِدُّ رِقِّ أَصْلِهِ) أَيْ وَسَأَلَ حَلِفَ مُدَّعٍ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ حَيْثُ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِرِقٍّ، وَاسْتَرَقَّهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ وَإِذَا حَلَفَ رَجَعَ مُشْتَرِيهِ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ إنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِي مُنَازَعَتِهِ بِأَنَّهُ رَقِيقٌ أَوْ صَرَّحَ بِهِ وَقَالَ ذَكَرْتُهُ عَلَى رَسْمِ الْخُصُومَةِ أَوْ اعْتَمَدْت ظَاهِرَ الْيَدِ (وَإِنْ سَبَقْ) أَيْ سَأَلَ حَلِفَ مُدَّعِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي وَسَبَقَ مِنْ مُسْتَرِقِّهِ (قَرِينَةٌ) تَدُلُّ عَلَى الرِّقِّ ظَاهِرًا كَاسْتِخْدَامٍ وَإِجَارَةٍ (قَبْلَ بُلُوغِ الْمُسْتَرِقِّ) بِفَتْحِ الرَّاءِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ وَالتَّصَرُّفَ إنَّمَا يَدُلَّانِ عَلَى الْمِلْكِ فِيمَا هُوَ مَالٌ فِي نَفْسِهِ وَهَذَا بِخِلَافِهِ، إذْ الْأَصْلُ الْحُرِّيَّةُ كَمَا عُرِفَ (خَالَفَ ذَا) أَيْ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّتِهِ مَعَ سَبْقِ قَرِينَةِ الرِّقِّ قَبْلَ بُلُوغِهِ (مَا فِي اللَّقِيطِ ذَكَرَا) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْحَاوِي فِي بَابِ اللَّقِيطِ مِنْ أَنَّهُ إذَا اسْتَرَقَّهُ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ بَلَغَ وَجَحَدَ لَمْ يَبْطُلْ رِقُّهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.

وَأَجَابَ الشَّارِحُ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي سَبْقِ قَرِينَةِ الْمِلْكِ بِاسْتِخْدَامِهِ وَهُنَاكَ فِي التَّصْرِيحِ بِرِقِّهِ لَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَخَرَجَ بِحُرِّيَّةِ الْأَصْلِ مَا لَوْ ادَّعَى إعْتَاقَهُ أَوْ إعْتَاقَ مَنْ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعْتَاقِ (وَذُو الْبُلُوغِ بِالسُّكُوتِ يُشْتَرَى) أَيْ وَالْبَالِغُ يَجُوزُ شِرَاؤُهُ مِمَّنْ يَسْتَرِقُّهُ مَعَ سُكُوتِهِ عَنْ الِاعْتِرَافِ بِالرِّقِّ وَعَنْ دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ إذْ الظَّاهِرُ عَدَمُ اسْتِرْقَاقِ الْحُرِّ وَالْأَحْوَطُ أَنْ لَا يُشْتَرَى إلَّا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِالرِّقِّ لِمَنْ يَبِيعُهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ (وَ) سَأَلَ حَلِفَ (مُسْتَحِقِّ بَدَلٍ عَنْ الدَّمِ) الْمُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْقَتْلِ لِلُزُومِهِ لَهُ غَالِبًا وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى بَابِ الْقَسَامَةِ وَهِيَ أَيْمَانُ أَوْلِيَاءِ الدَّمِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ لَمَّا أَخْبَرُوهُ بِقَتْلِ الْيَهُودِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ بِخَيْبَرَ وَأَنْكَرَهُ الْيَهُودُ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» وَفِي رِوَايَةِ «تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ قَاتِلِكُمْ أَوْ صَاحِبِكُمْ قَالُوا: كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ؟ قَالَ فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودٌ بِخَمْسِينَ يَمِينًا، قَالُوا كَيْفَ نَأْخُذُ بِأَيْمَانِ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ» وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ»

وَالْمُرَادُ بِبَدَلِ الدَّمِ بَدَلُ دَمِ الْقَتِيلِ كَمَا سَيَأْتِي حُرًّا أَوْ رَقِيقًا فَلَا قَسَامَةَ فِي بَدَلِ إتْلَافِ مَا عَدَاهُمَا مِنْ مَالٍ أَوْ طَرَفٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ نَحْوِهَا بَلْ يُصَدَّقُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ لَوْثٌ؛ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي خِلَافُ الْقِيَاسِ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي النَّفْسِ، وَحُرْمَتُهَا أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ غَيْرِهَا فَلَوْ مَاتَ الْمَقْطُوعُ عَلَى رِدَّتِهِ الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَ الْجُرْحِ وَالْمَوْتِ فَلَا قَسَامَةَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ ضَمَانُ الْجُرْحِ دُونَ النَّفْسِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَحَقِّ الْمُسْتَحَقُّ الْخَاصُّ فَلَوْ كَانَ الْإِرْثُ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا قَسَامَةَ (أَيْ لِوُجُوبِ) أَيْ سَأَلَ حَلِفَ مُسْتَحِقِّ بَدَلِ الدَّمِ لِوُجُوبِ (الْبَدَلِ الْمُقَدَّمِ) فِي بَابِ الْجِرَاحِ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ الْقِيمَةِ لَا لِوُجُوبِ الْقَوَدِ بِشَرْطِهِ لِمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ مِنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ أَوْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ» وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا تُوجِبُ الْقَوَدَ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الدِّمَاءِ وَلَيْسَتْ كَاللِّعَانِ فِي رَجْمِ الْمَرْأَةِ لِتَمَكُّنِهَا فِيهِ مِنْ الدَّفْعِ بِلِعَانِهَا وَلَا كَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ لِتَقَوِّيهَا بِالنُّكُولِ وَلِهَذَا جُعِلَتْ كَالْإِقْرَارِ أَوْ كَالْبَيِّنَةِ

(كَمِثْلِ مَنْ كُوتِبَ) أَيْ مُسْتَحِقُّ بَدَلِ الدَّمِ كَمُكَاتَبٍ (فِي) قَتْلِ (عَبْدٍ) لَهُ فَيَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لَا سَيِّدُهُ بِخِلَافِ عَبْدِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّ السَّيِّدَ يَحْلِفُ دُونَهُ وَزَادَ (مَثَلْ) بِالْوَقْفِ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ أَيْ كَالْمُكَاتَبِ فِي عَبْدِهِ مَثَلًا (وَسَيِّدٍ لِلْعَجْزِ)

ــ

[حاشية العبادي]

الْقِصَاصِ عَلَى عَادَتِهِ فِي كِتَابَةِ مَا يَرْتَضِيهِ بِإِزَاءِ مَا لَا يَرْتَضِيهِ مِنْ كَلَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُصَرِّحُ بِرَدِّهِ تَأَدُّبًا مَعَهُ (قَوْلُهُ فَالِاخْتِيَارُ لِسَيِّدِهِ) هَذَا إذَا تَنَازَعَا عِنْدَ الْأَدَاءِ، فَإِنَّهُ أَدَّى مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ وَلَا قَصْدٍ فَالْخِيَرَةُ لَهُ كَغَيْرِهِ فَلَهُ تَعْيِينُهُ لِمَا شَاءَ م ر (قَوْلُهُ وَضِدُّ رِقِّ أَصْلِهِ) وَهُوَ حُرِّيَّةُ أَصْلِهِ أَيْ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ أَيْ الْحُرِّيَّةُ أَصَالَةً (قَوْلُهُ وَأَجَابَ الشَّارِحُ إلَخْ) قَدْ رُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ هُنَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ فِي الصِّغَرِ مِلْكَهُ وَيَسْتَخْدِمَهُ ثُمَّ يَبْلُغُ وَيُنْكِرُ وَأَنْ يَتَجَرَّدَ الِاسْتِخْدَامُ إلَى الْبُلُوغِ ثُمَّ يَدَّعِيَ مِلْكَهُ وَيُنْكِرَ الْمُسْتَرَقُّ وَبِهَذَا يُوَجَّهُ النَّظَرُ، وَقَدْ اعْتَمَدَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ مَا فِي اللُّقَطَةِ وَقَيَّدَ بِهِ مَا هُنَا فَقَالَ: وَحُرِّيَّةُ أَصْلِ مَنْ اشْتَرَى سَاكِتًا وَلَمْ يَرِقَّ صَغِيرًا اهـ.

(قَوْلُهُ فِي التَّصْرِيحِ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ مَا الْمُرَادُ؟ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ تَصْرِيحَ الرَّقِيقِ فَالصَّغِيرُ لَا عِبْرَةَ بِتَصْرِيحِهِ أَوْ تَصْرِيحِ الْمُدَّعِي فَكَيْفَ يَكُونُ تَصْرِيحُهُ دَالًّا عَلَى مِلْكِهِ؟ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلشِّهَابِ مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي لَكِنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِالْمِلْكِ بِطَرِيقِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا وَجْهُ نَظَرِ الشَّارِحِ أَوْ مِنْهُ وَكَتَبَ أَيْضًا الْأَحْسَنُ حَمْلُ مَا فِي اللَّقِيطِ عَلَى مَا إذَا حُكِمَ لَهُ بِرِقِّهِ فِي صِغَرِهِ كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِاسْتِخْدَامِهِ فَادَّعَى مِلْكَهُ وَحَلَفَ عَلَيْهِ وَحَكَمَ لَهُ بِهِ م ر (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِبَدَلِ الدَّمِ) أَيْ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ وَلَا كَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْقَوَدِ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ (قَوْلُهُ فِي عَبْدِهِ مَثَلًا) أَيْ أَوْ أَمَتِهِ

ــ

[حاشية الشربيني]

أَتَحْلِفُونَ) هَذَا مُجَامَلَةٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ الَّذِي يَحْلِفُ أَخُوهُ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ أَمَّا حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةَ فَهُمَا ابْنَا عَمِّهِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَوْلُهُ: فَتُبَرِّئُكُمْ أَيْ مِنْ دَعْوَاكُمْ وَإِلَّا فَالْحَقُّ لَيْسَ فِي جِهَتِهِمْ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>