تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ بِهِ وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةَ الْحُضُورِ، وَالْخَصْمُ بَيِّنَةَ الْغَيْبَةِ قَالَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ: قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْغَيْبَةِ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا، وَمَحَلُّهُ إذَا اتَّفَقَتَا عَلَى سَبْقِ حُضُورِهِ وَقَالَ فِي الْوَسِيطِ يَتَسَاقَطَانِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَقَدْ نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَإِنْ اخْتَارَ الثَّانِيَ (كَحَبْسِهِ أَوْ مَرَضٍ لِلْقَتْلِ قَدْ يُعَدُّ) أَيْ كَمَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالْقَسَامَةِ بِحُجَّةِ حَبْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ مَرَضِهِ حَبْسًا أَوْ مَرَضًا يَبْعُدُ قَتْلُهُ لِلْمَقْتُولِ.
فَقَوْلُهُ لِلْقَتْلِ مَفْعُولٌ يُعَدْ زِيدَتْ لَامُهُ لِضَعْفِ عَامِلِهِ بِتَأْخِيرِهِ عَنْهُ (أَوْ وَارِثٌ اللَّوْثَ جَحَدْ) أَيْ وَلَا إنْ أَنْكَرَ وَارِثٌ مِنْ الْوَرَثَةِ اللَّوْثَ فَلَوْ قَالَ: أَحَدُ ابْنَيْ الْقَتِيلِ قَتَلَهُ فُلَانٌ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ وَلَوْ فَاسِقًا بَطَلَ اللَّوْثُ فَلَا حَلِفَ لِانْخِرَامِ ظَنِّ قَتْلِهِ بِالتَّكْذِيبِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنْ قَاتِلِ الْمُوَرِّثِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ وَارِثَيْنِ دَيْنًا لِلْمُوَرِّثِ وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدًا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ حَيْثُ لَا يَمْنَعُ تَكْذِيبُهُ حَلِفَ الْمُدَّعِي مَعَ الشَّاهِدِ بِأَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ حُجَّةٌ فِي نَفْسِهَا وَهِيَ مُحَقَّقَةٌ وَإِنْ كَذَبَ الْآخَرُ، وَاللَّوْثُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُثِيرٌ لِلظَّنِّ فَيَبْطُلُ بِالتَّكْذِيبِ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ اللَّوْثُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فِي خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ بِتَكْذِيبِ أَحَدِهِمَا قَطْعًا، وَخَرَجَ بِالْجَحْدِ مَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ زَيْدٌ وَمَجْهُولٌ وَقَالَ الْآخَرُ قَتَلَهُ عَمْرٌو وَمَجْهُولٌ فَيَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ عَيَّنَهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ رُبُعَ بَدَلِ الدَّمِ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ النِّصْفُ وَحِصَّتُهُ مِنْهُ النِّصْفُ
(فِي الْقَتْلِ) أَيْ سَأَلَ حَلِفَ مُسْتَحِقِّ بَدَلِ الدَّمِ إذَا ظَهَرَ لَوْثٌ فِي الْقَتْلِ لَا فِي قَطْعِ الطَّرَفِ وَالْجُرْحِ وَالْمَالِ كَمَا مَرَّ (عَمْدًا) كَانَ الْقَتْلُ (أَوْ خُطًا) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَلَا يَكْفِي ظُهُورُهُ فِي مُطْلَقِ الْقَتْلِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ مُوجِبِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى قَتْلِ مَوْصُوفٍ يَسْتَدْعِي ظُهُورَ اللَّوْثِ فِي قَتْلِ مَوْصُوفٍ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ يُفْهِمُ تَمَكُّنَ الْوَلِيِّ مِنْ الْقَسَامَةِ عَلَى الْقَتْلِ الْمَوْصُوفِ بِظُهُورِ اللَّوْثِ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ اللَّوْثُ فِي حَقِّ جَمَاعَةٍ تَمَكَّنَ الْوَلِيُّ مِنْ الْقَسَامَةِ فِي حَقِّ بَعْضِهِمْ وَكَمَا لَا يُعْتَبَرُ ظُهُورُ اللَّوْثِ فِي الِانْفِرَادِ وَالِاشْتِرَاكِ لَا يُعْتَبَرُ فِي صِفَتَيْ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ (كَالْحُكْمِ فِي سَائِرِ أَيْمَانِ الْجِرَاحِ) مِنْ قَتْلٍ بِلَا لَوْثٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ جُرْحٍ فَإِنَّ فِيهَا خَمْسِينَ يَمِينًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ مِنْ الْمُدَّعِي لِكَوْنِهَا مَرْدُودَةً أَوْ مَعَ شَاهِدٍ أَمْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
، وَلَوْ نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْقَسَامَةِ فِي اللَّوْثِ وَحَلَفَ الْخَصْمُ خَلَصَ أَوْ نَكَلَ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى قَتْلًا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَقُلْنَا الْقَسَامَةُ لَا تُوجِبُهُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ إذَا اتَّفَقَا عَلَى سَبْقِ حُضُورِهِ) ، وَإِلَّا فَيَتَسَاقَطَانِ جَزْمًا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِرّ (قَوْلُهُ: فِي خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا شَهِدَ عَدْلٌ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ أَقْسَمَ مَعَهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِالْحُجَّةِ
[حاشية الشربيني]
أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ بِلَا أَثَرٍ. اهـ. م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ وَمَحَلُّهَا إلَخْ) لِيَكُونَ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ (قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحٍ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَدْلٌ بَعْدَ دَعْوَى أَحَدِهِمَا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ لَمْ يَبْطُلْ اللَّوْثُ بِتَكْذِيبِ الْآخَرِ قَطْعًا، فَلِمَنْ لَمْ يَكْذِبْ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ خَمْسِينَ وَيَسْتَحِقُّ. اهـ.
وَكَتَبَ ع ش عَلَى قَوْلِهِ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ يَنْبَغِي أَوْ عَمْدًا وَيَسْتَحِقُّ الْمُقْسِمُ نِصْفَ الدِّيَةِ فِيهِ. اهـ وَلَا يَخْفَى الْفَرْقُ بَيْنَ كَلَامِ الشَّارِحِ وَكَلَامِ م ر؛ لِأَنَّ مَا فِي الشَّارِحِ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِاللَّوْثِ وَمَا فِي م ر فِي شَهَادَتِهِ بِالْقَتْلِ، مَعَ أَنَّهُ عَلَى مَا قَالَهُ م ر لَا لَوْثَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى اللَّوْثِ نَقْلُ الْيَمِينِ إلَى جَانِبِ الْمُدَّعِي وَهِيَ هُنَا فِي جَانِبِهِ ابْتِدَاءً، بَلْ الْبُلْقِينِيُّ نَفْسُهُ قَالَ: إذَا شَهِدَ الْعَدْلُ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ وَكَانَ فِي خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ لَمْ يَكُنْ لَوْثًا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ. اهـ نَقَلَهُ عَنْهُ م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنْ شَهِدَ الْعَدْلُ الْوَاحِدُ بَعْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي فَاللَّوْثُ حَاصِلٌ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْعَمْدِ الْمَحْضِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. اهـ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَسَامَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْوَاجِبُ فِيهِ دِيَةُ عَمْدٍ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةً كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ، هَذَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّوْثِ فِي قَوْلِ الشَّارِعِ إذَا لَمْ يَثْبُتُ اللَّوْثُ إلَخْ الْقَتْلُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَهُ يَبْطُلُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِالشَّهَادَةِ بِهِ مَعَ الْأَيْمَانِ، وَلَيْسَ بِحَقِيقَةِ اللَّوْثِ إذْ لَيْسَ هُنَا قَسَامَةٌ حَتَّى تَحْتَاجَ لِلَوْثٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ كَالْحُكْمِ فِي سَائِرِ إلَخْ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ م ر أَيْضًا وَيَرْتَفِعُ التَّدَافُعُ بَيْنَ مَا قَالَاهُ وَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ لَا لَوْثَ، وَأَمَّا قَوْلُ ع ش يَنْبَغِي أَوْ عَمْدًا إلَخْ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ صِحَّتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت الشِّهَابَ حَجَرٌ حَمَلَ قَوْلَ الْبُلْقِينِيِّ لَمْ يَبْطُلْ بِتَكْذِيبِ أَحَدِهِمَا عَلَى مَعْنَى لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُ بِتَكْذِيبِ الْآخَرِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ
(قَوْلُهُ فَكَمَا لَا يُعْتَبَرُ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِ اللَّوْثِ فِي الْقَتْلِ الْمَوْصُوفِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الدَّعْوَى مُفَصَّلَةً بِالْعَمْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute