جِنَايَتِهَا بِتَقْصِيرِهِ فِي حِفْظِهَا لَا بِفِعْلِهَا وَلَوْ عَبَّرَ بِنَفْيٍ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ كَالثَّانِي أَوْ تَرَكَهُ كَالْحَاوِي كَانَ أَوْلَى.
وَعِبَارَةُ الْحَاوِي كَأَرْشِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ وَإِتْلَافِ بَهِيمَةٍ قَصَّرَ بِتَسْرِيحِهَا (وَنَفْيِهِ) أَيْ يَحْلِفُ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الدَّعْوَى لِنَفْيِهِ الْمُدَّعَى بِهِ وَأَجْزَائِهِ وَلِنَفْيِهِ (حَوَالَةً) فَلَوْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو مِائَةٌ وَلِعَمْرٍو عَلَى بَكْرٍ مِثْلُهَا فَأَذِنَ عَمْرٌو لِزَيْدٍ فِي قَبْضِهَا مِنْ بَكْرٍ ثُمَّ اخْتَلَفَا هَلْ الصَّادِرُ بَيْنَهُمَا حَوَالَةٌ أَوْ وَكَالَةً صُدِّقَ نَافِي الْحَوَالَةِ سَوَاءٌ كَانَ زَيْدًا أَمْ عَمْرًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَقَّيْنِ (وَإِنْ جَرَى) بَيْنَهُمَا (لَفْظُ حَوَالَةٍ) بِاتِّفَاقِهِمَا وَاخْتَلَفَا فِي الْمُرَادِ بِهِ مِنْ حَوَالَةٍ وَوَكَالَةٍ فَإِنَّهُ يُحَلِّفُ نَافِي الْحَوَالَةِ لِمَا قُلْنَاهُ هَذَا إذَا لَمْ يَجْرِ إلَّا لَفْظُ أَحَلْتُك بِمِائَةٍ عَلَى بَكْرٍ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ قَالَ أَحَلْتُك بِالْمِائَةِ الَّتِي لَكَ عَلَيَّ عَلَى بَكْرٍ فَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا حَقِيقَةَ الْحَوَالَةِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْوَكَالَةِ مِنْ مُدَّعِيهَا (وَقَبْضَهُ امْنَعَا) أَيْ وَامْنَعْ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي قَبْضِ الْمَالِ بَعْدَ الْحَلِفِ عَلَى نَفْيِ الْحَوَالَةِ قَبْضَهُ الْمَالَ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ لِبُطْلَانِ الْحَوَالَةِ بِالْحَلِفِ وَالْوَكَالَةِ بِإِنْكَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ (لَا طَلَبَ الْمَالِ لِمَنْ بِهَا) أَيْ بِالْحَوَالَةِ (ادَّعَى) أَيْ لَا تَمْنَعُ طَلَبَ مُدَّعِيهَا الْمَالَ بَعْدَ الْحَلِفِ عَلَى نَفْيِهَا سَوَاءٌ كَانَ الْآذِنُ أَوْ الْمَأْذُونُ لَهُ فَلَوْ ادَّعَاهَا زَيْدٌ فِي الْمِثَالِ فَلَهُ مُطَالَبَةُ عَمْرٍو بِحَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ وَكِيلًا فَحَقُّهُ بَاقٍ عَلَيْهِ أَوْ مُحْتَالًا فَقَدْ ظَلَمَهُ بِمَنْعِهِ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ
وَلَوْ ادَّعَاهَا عَمْرٌو فَلَهُ مُطَالَبَةُ بَكْرٍ بِحَقِّهِ لِبَقَائِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا إنْ كَانَ وَكِيلًا فَظَاهِرٌ أَوْ مُحْتَالًا فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ (وَلْيَتَمَلَّكْ) جَوَازًا (قَابِضٌ) أَيْ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي الْقَبْضِ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ (إنْ طَلَبَهْ) أَيْ إنْ طَلَبَ تَمَلُّكَهُ أَيْ قَصَدَهُ وَكَانَ قَدْ قَبَضَهُ (قَبْلَ جُحُودِهِ) أَيْ جُحُودِ الْآذِنِ لَهُ الْحَوَالَةَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَذَبَ فِي جَحْدِهَا فَقَدْ أَخَذَ الْمَأْذُونُ لَهُ حَقَّهُ وَإِلَّا فَهُوَ وَكِيلٌ وَقَدْ ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ تَمَلُّكُهُ وَهَذَا فِي الْبَاطِنِ أَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَعَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ لِلْآذِنِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فَإِنْ تَلِفَ بِلَا تَقْصِيرٍ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِزَعْمِ الْآذِنِ، وَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ بِحَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ بِزَعْمِهِ وَتَلِفَ عِنْدَهُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ النَّاظِمِ أَنَّهُ لَوْ قَبَضَهُ بَعْدَ الْجُحُودِ لَمْ يَتَمَلَّكْهُ، وَقَبْضُهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ بِنَفْيِهِ الْوَكَالَةَ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ (وَرَهْنٍ) أَيْ وَيَحْلِفُ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الدَّعْوَى لِنَفْيِ الرَّهْنِ الَّذِي ادَّعَاهُ رَبُّ الدَّيْنِ (وَ) لِنَفْيِ (الْهِبَهْ) الَّتِي ادَّعَاهَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ (وَ) لِنَفْيِ (قَبْضِ هَذَيْنِ) أَيْ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ وَالْمَوْهُوبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الثَّلَاثَةِ (وَلَوْ) كَانَ النِّزَاعُ فِي قَبْضِهِمَا (مَعَ) وُجُودِ (الْيَدِ) عَلَيْهِمَا أَيْ يَدِ الْمُدَّعِي قَبَضَهُمَا وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ وَالْمُتَّهِبُ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ لِنَفْيِ قَبْضِهِمَا إذَا ادَّعَى عَلَى وَاضِعِ الْيَدِ أَنَّهُ غَصَبَهُمَا أَوْ قَبَضَهُمَا عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَعَدَمُ إذْنِهِ فِي الْقَبْضِ عَنْهُمَا وَلَوْ قَالَ لَهُ الرَّاهِنُ أَوْ الْوَاهِبُ أَذِنْتُ لَك فِي الْقَبْضِ وَلَمْ تَقْبِضْهُ بَعْدُ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الْمُتَّهِبُ قَبَضْتُهُ فَالْمُصَدَّقُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ مِنْهُمَا فَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُصَدَّقَ النَّافِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ.
(وَإِنْ بِهِ) أَيْ الْإِقْبَاضِ (يُقِرَّ) الرَّاهِنُ أَوْ الْوَاهِبُ (ثُمَّ يَجْحَدْ) ذَلِكَ (حَلَّفَهُ) أَيْ حَلَّفَ الْمُقِرُّ مُدَّعِي الْإِقْبَاضِ أَنَّهُ أَقْبَضَهُ سَوَاءٌ ذَكَرَ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا كَقَوْلِهِ أَقَبَضْتُهُ بِالْقَوْلِ وَظَنَنْت أَنَّهُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ كَانَ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ يُوهِمُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فِي الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَقَدْ ظَلَمَهُ) أَيْ ظَلَمَ عَمْرٌو زَيْدًا (قَوْلُهُ قَبْلَ جُحُودِهِ) اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَتْنِ أَنَّ ضَمِيرَ جُحُودِهِ رَاجِعٌ لِلْقَابِضِ وَهُوَ زَيْدٌ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ زَيْدًا قَبَضَ الْمَالَ مِنْ بَكْرٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ جَحَدَ الْحَوَالَةَ مِنْ عَمْرٍو وَادَّعَى الْوِكَالَةَ وَجَحَدَ عَمْرٌو الْوِكَالَةَ وَادَّعَى الْحَوَالَةَ فَإِذَا أَرَادَ زَيْدٌ تَمَلُّكَ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَوَجْهُهُ أَنَّ عَمْرًا يَزْعُمُ أَنَّهُ مِلْكُ زَيْدٍ بِمُقْتَضَى الْحَوَالَةِ وَزَيْدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ وَكِيلٌ فَيَجُوزُ لَهُ الْآنَ تَمَلُّكُهُ؛ لِأَنَّ عَمْرًا يَزْعُمُ أَنَّهُ حَقُّهُ وَيَمْتَنِعُ مِنْ قَبْضِهِ فَإِذَا تَمَلَّكَ زَيْدٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ رُجُوعٌ عَلَى عَمْرٍو وَلَا لِعَمْرٍو رُجُوعٌ عَلَى بَكْرٍ هَكَذَا مُرَادُ الْمَتْنِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ عَلَى الْإِرْشَادِ خِلَافًا لِمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا فَإِنْ قُلْت يُشْكِلُ عَلَيْهِ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِقَبْلِ الْجُحُودِ إذْ يَنْبَغِي حِينَئِذٍ جَوَازُ التَّمَلُّكِ وَإِنْ قَبَضَ بَعْدَ الْجُحُودِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى الَّذِي عَلَّلَ بِهِ جَوَازَ التَّمَلُّكِ مَعَ صِحَّةِ قَبْضِهِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْإِذْنِ فِيهِ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا كَمَا هُوَ زَعْمُهُ أَوْ مُحْتَالًا كَمَا هُوَ زَعْمُ خَصْمِهِ قُلْت يُؤْخَذُ جَوَابُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَأَفْهَمَ كَلَامُ النَّظْمِ إلَخْ إذْ هُوَ مُنْكِرُ الْحَوَالَةِ، وَقَدْ انْعَزَلَ عَنْ الْوِكَالَةِ بِإِنْكَارِ الْإِذْنِ إيَّاهَا فَلَيْسَ لَهُ الْقَبْضُ، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنَّ لَهُ الْقَبْضَ بَاطِنًا إنْ عَلِمَ صِدْقَ عَمْرٍو فِي دَعْوَى الْحَوَالَةِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي الْبَاطِنِ) يَنْبَغِي
[حاشية الشربيني]
تُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. اهـ. م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ
(قَوْلُهُ وَاخْتَلَفَا فِي الْمُرَادِ بِهِ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ فَخَالَفَ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ إلَخْ وَذَلِكَ لِاحْتِمَالِهِ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَحْتَمِلْ كَمَا فِي قَوْلِهِ فَإِنْ اتَّفَقَا إلَخْ صُدِّقَ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ قَطْعًا. اهـ. شَرْحُ م ر ج، وَعِبَارَةُ م ر فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَالِاحْتِمَالُ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا لَفْظُ الْحَوَالَةِ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْوَكَالَةُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَالثَّانِي لَفْظُ مِائَةٍ فَإِنَّهَا مُبْهَمَةٌ لَا تَتَعَيَّنُ لِلْمِائَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَهِيَ صَالِحَةٌ لَهَا وَلِغَيْرِهَا عَلَى السَّوَاءِ فَإِذَا أَرَادَ بِهَا غَيْرَهَا لَمْ يَنْتَظِمْ فِيهِ مَعْنَى الْحَوَالَةِ فَيَخْرُجُ عَنْ مَوْضُوعِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ تَكُونَ بِمَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ فَكَانَ كِنَايَةً فِي الْوَكَالَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute