عَدَمُهَا وَاعْتُبِرَ الِاخْتِيَارُ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ سَبِيلُهُ سَبِيلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَعِنْدَ انْتِفَاءِ الِاخْتِيَارِ لَا صُنْعَ مِنْهُ يُعَدُّ إتْلَافًا، وَالْعِتْقُ الْمُخْتَارُ (كَجُزْءِ بَعْضٍ اشْتَرَى، أَوْ قَبْلَا وَصِيَّةً، أَوْ هِبَةً لِلْجُزْءِ) أَيْ: كَأَنْ اشْتَرَى جُزْءَ بَعْضِهِ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ، أَوْ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ بِهِ، أَوْ الْهِبَةِ لَهُ؛ لِأَنَّهَا تَمَلُّكَاتٌ اخْتِيَارِيَّةٌ تَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ فَكَانَتْ كَالتَّلَفُّظِ بِهِ اخْتِيَارًا فَيَسْرِي وَكَأَنْ اتَّهَبَ الْمُكَاتَبُ جُزْءَ بَعْضِهِ، أَوْ اشْتَرَاهُ حَيْثُ يَصِحُّ، وَيَعْتِقُ بِعِتْقِهِ فَإِنَّهُ يَسْرِي كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْإِمَامِ، وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْ الْقَفَّالِ عَدَمُ السِّرَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ بِاخْتِيَارِهِ بَلْ ضِمْنًا، وَلِلْأَوَّلِ مَنْعُهُ فَإِنَّهُ مِثْلُ الشِّرَاءِ، وَقَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ، وَقَدْ يُرَدُّ بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مِنْ الْحُرِّ يَعْقُبُهَا الْعِتْقُ بِخِلَافِهَا مِنْ الْمُكَاتَبِ.
وَلَوْ اتَّهَبَ السَّفِيهُ جُزْءَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، أَوْ قَبِلَ وَصِيَّتَهُ فَفِي السِّرَايَةِ وَجْهَانِ فِي الْبَحْرِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا عَدَمُهَا لِمَا فِيهَا مِنْ لُزُومِ الْقِيمَةِ لَهُ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِاخْتِيَارِ الْعِتْقِ مَا يَعُمُّ اخْتِيَارَ سَبَبِهِ (لَا إرْثٍ وَ) لَا (مَا بِالْعَيْبِ ذُو ارْتِدَادِ) أَيْ: لَا كَإِرْثِ جُزْءِ بَعْضِهِ، وَلَا ارْتِدَادٍ بِعَيْبٍ فَلَوْ وَرِثَ جُزْءَ بَعْضِهِ، أَوْ ارْتَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ كَأَنْ بَاعَ بَعْضَ ابْنِ أَخِيهِ بِثَوْبٍ وَمَاتَ وَوَارِثُهُ أَخُوهُ فَوَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا رَدَّهُ وَرَجَعَ بَعْضُ ابْنِهِ إلَيْهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْرِي؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ قَهْرِيٌّ، وَأَمَّا الرَّدُّ؛ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ رَدُّ الثَّوْبِ لَا اسْتِرْدَادُ الْبَعْضِ، وَعَدَمُ السِّرَايَةِ فِيهِ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا قُبَيْلَ الْخَاصَّةِ الثَّالِثَةِ لَكِنْ صَحَّحَ فِيهَا هُنَا أَنَّهُ يَسْرِي، أَمَّا إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ بِعَيْبٍ فَلَا سِرَايَةَ قَطْعًا كَالْإِرْثِ؛ لِأَنَّهُ قَهْرِيٌّ وَيَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ عَلَيْهِ
، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى وَارِثِهِ كَأَنْ، أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ ابْنِ أَخِيهِ فَمَاتَ، وَقَبِلَ الْأَخُ الْوَصِيَّةَ عَتَقَ عَلَيْهِ الشِّقْصُ، وَلَا سِرَايَةَ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ بِقَبُولِهِ يَدْخُلُ الشِّقْصُ فِي مِلْكِ الْمُوَرِّثِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ، وَلَوْ مَلَكَ جُزْءَ بَعْضِهِ بِتَعْجِيزِ مُكَاتَبِهِ بِأَنْ اشْتَرَى جُزْءَ بَعْضِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ عَجَّزَهُ السَّيِّدُ فَلَا سِرَايَةَ عَلَى الْأَصَحِّ إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّمَلُّكَ وَإِنَّمَا قَصَدَ التَّعْجِيزَ، وَالْمِلْكُ حَصَلَ ضِمْنًا فَأَشْبَهَ مَا إذَا عَجَّزَ الْمُكَاتَبُ نَفْسَهُ وَيُفَارِقُ الرَّدَّ بِعَيْبٍ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّ الرَّدَّ يَسْتَدْعِي حُدُوثَ مِلْكٍ أَبَدًا فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ بِخِلَافِ التَّعْجِيزِ.
(وَإِذْ فَنِيَ) أَيْ: وَلَا كَعِتْقِ جُزْءِ عَبْدٍ حِينَ مَوْتِهِ بِأَنْ عَلَّقَ السَّيِّدُ بِمَوْتِهِ عِتْقَ جُزْءِ عَبْدٍ لَهُ، أَوْ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْرِي، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُعْسِرٌ، وَكَذَا لَوْ، أَوْصَى بِعِتْقِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ النَّظْمِ بِالْمُوَافَقَةِ وَهَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِ الْحَاوِي لِتَعْبِيرِهِ بِقَوْلِهِ وَبَعْدَ مَوْتٍ وَيُفْهَمُ مِنْهُ حُكْمُ الَّتِي قَبْلَهَا بِالْمُوَافَقَةِ، أَوْ هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ لَكِنْ يَدْخُلُ فِيهِ، وَفِي مَفْهُومِ كَلَامِ النَّظْمِ مَا لَيْسَ مُرَادًا وَهُوَ مَا لَوْ، أَوْصَى لَهُ بِجُزْءِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَأَنْ، أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ ابْنِهِ فَمَاتَ وَقَبِلَ وَارِثُهُ الْوَصِيَّةَ عَتَقَ الشِّقْصُ عَلَى الْمَيِّتِ وَسَرَى إنْ كَانَ لَهُ مَا يَفِي بِقِيمَةِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ قَبُولَ وَارِثِهِ كَقَبُولِهِ حَيًّا فَكَأَنَّهُ مُخْتَارُهُ (حَالًا) أَيْ: سَرَى الْعِتْقُ فِي حَالِ الْإِعْتَاقِ أَيْ: بِمُجَرَّدِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى بَذْلِ الْقِيمَةِ لِمَا مَرَّ
ــ
[حاشية العبادي]
وَالْمَذْكُورُ مِنْ السِّرَايَةِ بِرّ.
[حاشية الشربيني]
؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوَكِّلُهُ فِي عِتْقِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَلَوْ نَفَّذْنَا بَعْضَهُ بِالسِّرَايَةِ لَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَاحْتَاجَ الْمَالِكُ إلَى نِصْفِ رَقَبَةٍ أُخْرَى بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا: يَعْتِقُ النِّصْفُ فَقَطْ فَإِنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ يُمْكِنُ عِتْقُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ عَنْ الْكَفَّارَةِ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ وَعُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِ عَدَمِ السِّرَايَةِ أَنَّهُ لَا يُشْكِلُ بِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَ شَرِيكَهُ فِي عِتْقِ نَصِيبِهِ فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ النِّصْفَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ سَرَى إلَى نَصِيبِ الْمُوَكِّلِ. اهـ. م ر فِي حَاشِيَتِهِ، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: وَعُلِمَ إلَخْ دَفْعُ اسْتِشْكَالِ صَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا إلَخْ) قَالَ م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ: يُحْمَلُ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ عَلَى مَا إذَا أَعْتَقَ بِأَدَائِهِ النُّجُومَ، وَمَا فِيهِمَا عَنْ الْقَفَّالِ عَلَى مَا إذَا أَعْتَقَ بِغَيْرِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَنَاقُضَ.
(قَوْلُهُ: هُوَ مُقْتَضَى إلَخْ) اعْتَمَدَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ صَحَّحَ فِيهَا هُنَا إلَخْ) أَشَارَ م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ) أَيْ: فِي أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ جُعِلَ لِلسَّيِّدِ بِدُونِ قَصْدِهِ، وَلَا سِرَايَةَ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ) أَيْ: مَا صَحَّحَهُ فِيهَا
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ لَهُ مَا يَفِي بِقِيمَةِ الْبَاقِي) هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَسْرِي مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالثُّلُثِ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ هُنَا مِنْ أَنَّهُ يَسْرِي إنْ وَسِعَهُ الثُّلُثُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ صَحِيحًا حَالَةَ مَوْتِ الْمُوصِي بِحَيْثُ يَنْفَدُ تَبَرُّعُهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَكَانَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ مَا بَقِيَ، وَاسْتَمَرَّ يَسَارُهُ سَرَى إلَى بَاقِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ السِّرَايَةِ الَّتِي تَثْبُتُ بِقَبُولِ وَارِثِهِ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَةَ قَبُولِهِ كَانَ صَحِيحًا، وَإِنْ كَانَ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ اُعْتُبِرَتْ السِّرَايَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute