للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُخْرِجُ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْحَجِّ، فَلَيْسَ لَهُ التَّأْخِيرُ، وَلَا يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ

ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ اسْتِعْمَالِ النَّجِسِ، وَالْحَرِيرِ، وَالنَّقْدَيْنِ، فَقَالَ (وَحِلُّ الِاسْتِعْمَالِ) مُبْتَدَأٌ (مِنْ مَضْرُورِ) خَبَرُهُ وَفِي نُسْخَةٍ لِلْمَضْرُورِ هِيَ أَوْلَى وَعِبَارَةُ الْحَاوِي لِلضَّرُورَةِ (لِلْجِلْدِ) صِلَةُ الِاسْتِعْمَالِ (مِنْ كَلْبٍ وَمِنْ خِنْزِيرِ) حَالٌ مِنْ الْجِلْدِ أَيْ: وَحِلُّ اسْتِعْمَالِ الْجِلْدِ حَالَةَ كَوْنِهِ مِنْ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ ثَابِتٌ لِلْمَضْرُورِ لَهُ كَدَفْعِ حَرٍّ وَبَرْدٍ يُخْشَى مِنْهُمَا ضَرَرٌ وَفَجْأَةُ قِتَالٍ مَعَ فَقْدِ غَيْرِهِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلِاضْطِرَارِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَضْرُورِ، وَلَوْ فِي غَيْرِ بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ إلَّا فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَأَنْ يُغَشَّى بِهِمَا الْكِلَابُ) عَطْفًا عَلَى مَضْرُورٍ أَيْ: وَحِلُّ اسْتِعْمَالِ جِلْدَيْ الْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ ثَابِتٌ لِلْمَضْرُورِ لِتَغْشِيَةِ الْكَلْبِ بِهِمَا، وَلَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ.

وَكَذَا الْخِنْزِيرُ بِأَنْ يُغَشَّى كُلٌّ مِنْهُمَا جِلْدَهُ، أَوْ بِجِلْدِ الْآخَرِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّغْلِيظِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ كَلْبٌ يُقْتَنَى وَخِنْزِيرٌ لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ، فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا وَتَفْصِيلًا ذَكَرُوهُ فِي السِّيَرِ وَكَأَنَّ النَّاظِمَ وَأَصْلَهُ تَرَكَا تَغْشِيَةَ الْخِنْزِيرِ لِإِشْكَالِهَا بِامْتِنَاعِ اقْتِنَائِهِ، وَالْمُغَشَّى مُقْتَنًى وَأُجِيبَ بِمَنْعِ كَوْنِهِ مُقْتَنِيًا بِذَلِكَ، وَلَوْ سُلِّمَ، فَيَأْثَمُ بِالِاقْتِنَاءِ لَا بِالتَّغْشِيَةِ، أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْمُضْطَرِّ يَتَزَوَّدُ بِهِ لِيَأْكُلَهُ كَمَا يَتَزَوَّدُ بِالْمَيْتَةِ، أَوْ عَلَى خَنَازِيرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَيْهَا كَمَا يُقَرُّونَ عَلَى اقْتِنَاءِ الْخَمْرِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ بِكَلَامِهِ السَّابِقِ، وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ بِشِقَّيْهِ يَقْتَضِي حِلَّ التَّغْشِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الِاقْتِنَاءُ وِفَاقًا لِإِطْلَاقِ الْجُمْهُورِ السَّابِقِ، أَمَّا تَغْشِيَةُ غَيْرِ الْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ بِجِلْدِهِمَا، فَحَرَامٌ

(وَ) أَنْ يُغَشَّى (بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ الدَّوَابُّ) أَيْ: وَحِلُّ اسْتِعْمَالِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ غَيْرِ الْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا ثَابِتٌ لِتَغْشِيَةِ الدَّوَابِّ بِهَا، وَالدَّوَابُّ شَامِلَةٌ لِلْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ، فَيَحِلُّ تَغْشِيَتُهُمَا بِجُلُودِ غَيْرِهِمَا مَعَ أَنَّهُ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: وَأَنْ يُغَشَّى بِهِمَا الْكِلَابُ وَخَرَجَ بِالدَّوَابِّ الْآدَمِيُّ، فَلَا تَحِلُّ تَغْشِيَتُهُ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ جِلْدُ الْآدَمِيِّ، فَلَا يَحِلُّ تَغْشِيَةُ غَيْرِهِ بِهِ إلَّا لِذَلِكَ أَيْضًا

(وَالنَّجِسِ) أَيْ: وَحِلُّ الِاسْتِعْمَالِ لِلنَّجِسِ (الْعَيْنِيِّ) كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ ثَابِتٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ (لِلسِّرَاجِ) يَعْنِي: لِلِاسْتِصْبَاحِ كَمَا فِي الْمُتَنَجِّسِ لِمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي بَيَانِ الْمُشْكِلِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا، فَاسْتَصْحِبُوا بِهِ، أَوْ فَانْتَفِعُوا بِهِ» وَقَالَ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَمَا يُصِيبُ بَدَنَ الْإِنْسَانِ، أَوْ ثَوْبَهُ مِنْ الدُّخَانِ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنْ السِّرَاجِ قَلِيلٌ، وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ حِلُّ الِاسْتِصْبَاحِ بِدُهْنِ الْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ وَقِيَاسُ تَفَارِيعِهِ فِي الْبَابِ مَنْعُهُ. اهـ.

وَبِالْمَنْعِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْبَيَانِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرَّهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيُسْتَثْنَى

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: مِنْ مَضْرُورٍ) يُمْكِنُ جَعْلُهَا لِلتَّعْلِيلِ أَيْ ثَابِتٌ مِنْ الْمَضْرُورِ أَيْ لِأَجْلِهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَضْرُورِ) أَيْ: فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ، وَلَوْ إلَخْ. (قَوْلُهُ: ثَابِتٌ لِلْمَضْرُورِ) ظَاهِرُهُ يُخْرِجُ الْمُحْتَاجَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ) ظَاهِرُهُ، وَلَا حَاجَةَ (قَوْلُهُ: أَهْلُ الذِّمَّةِ) اُنْظُرْ كَيْفَ تَصْوِيرُ ذَلِكَ مَعَ الْحُكْمِ بِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ: يُقَرُّونَ عَلَيْهَا) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ إقْرَارَهُمْ عَلَيْهَا لَا يَقْتَضِي الْحِلَّ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ: بِجِلْدِهِمَا) أَيْ: الْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ

(قَوْلُهُ: وَأَنْ يُغَشَّى، بِجُلُودِ إلَخْ.) هَلْ يُكْرَهُ جِلْدُ الْآدَمِيِّ اُنْظُرْ الْحَرْبِيَّ (قَوْلُهُ: اُنْظُرْ الْحَرْبِيَّ) الَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر الْحُرْمَةُ (قَوْلُهُ: تَغْشِيَةُ غَيْرِهِ إلَخْ.) الْأَحْسَنُ، فَلَا تَحِلُّ التَّغْشِيَةُ بِهِ إلَّا لِذَلِكَ أَيْضًا بِرّ أَيْ: لِيُفِيدَ مَنْعَ تَغْشِيَةِ غَيْرِ صَاحِبِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ، بِهِ أَيْضًا بَلْ لَا يَبْعُدُ مَنْعُ صَاحِبِهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ لِحَقِّ اللَّهِ، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ وَضْعِهِ عَلَى مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: إلَّا، بِذَلِكَ أَيْضًا) أَيْ: لِضَرُورَةٍ، فَهَلْ مِنْهَا خَوْفُ هَلَاكِ مُحْتَرَمٍ غَيْرِ الْآدَمِيِّ كَمَا شَمِلَتْهُ الْعِبَارَةُ

(قَوْلُهُ: مَعَ الْكَرَاهَةِ) يَنْبَغِي إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ الْقَوِيَّةِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمُتَنَجِّسِ) لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْأَوَّلِ أَشَدُّ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: لِمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ) مُتَعَلِّقٌ، بِالْمُتَنَجِّسِ (قَوْلُهُ: بِدُهْنٍ الْكَلْبِ) ، وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ الدُّهْنُ الْمُتَنَجِّسُ، بِمُغَلَّظٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ تَطْهِيرُهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: صَاحِبُ الْبَيَانِ) ، وَكَذَا الْفُورَانِيُّ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلٌ ثَالِثٌ مُقَابِلٌ لِلْقَوْلَيْنِ أَعْنِي التَّتْمِيمَ، وَصَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: يُخْرِجُ مَنْ عَزَمَ إلَخْ.) ، وَيُخْرِجُ الْعُمْرَةَ لِعَدَمِ فَوَاتِهَا، وَاعْتَمَدَ م ر أَنَّ الْعُمْرَةَ الْمَنْذُورَةَ فِي، وَقْتٍ مُعَيَّنٍ كَالْحَجِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. ق ل أَيْ: لِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ قَضَاؤُهَا لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ يُتِمُّهَا قَضَاءً بِخِلَافِ الْحَجِّ إذَا فَاتَ، وَقْتُهُ تَحَلَّلَ، وَقَضَى مِنْ قَابِلٍ. اهـ. سم

(قَوْلُهُ: يُخْشَى مِنْهُمَا ضَرَرٌ) هَذَا يُفِيدُ كَمَا بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّرُورَةِ الْحَاجَة (قَوْلُهُ: لَا بِالتَّغْشِيَةِ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ التَّغْشِيَةَ أَدَّتْ إلَى مُحَرَّمٍ فَهِيَ حَرَامٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ تَغْشِيَةٌ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ، وَإِنْ حَرُمَتْ مِنْ حَيْثُ تَأْدِيَتُهَا إلَى الْمُحَرَّمِ، وَفِيهِ شَيْءٌ. اهـ. شَيْخُنَا ذ (قَوْلُهُ: أَمَّا تَغْشِيَةُ إلَخْ.) بِخِلَافِ فَرْشِهَا لِلْجُلُوسِ عَلَيْهَا، فَيَجُوزُ. اهـ. سم عَنْ حَجَرٍ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ. اهـ. ع ش عَلَى م ر فَيُفِيدُ حُرْمَةَ الِاسْتِعْمَالِ لِغَيْرِ الضَّرُورَةِ السَّابِقَةِ بِغَيْرِ الْفَرْشِ. اهـ

(قَوْلُهُ: جِلْدُ الْآدَمِيِّ) ، وَلَوْ حَرْبِيًّا خِلَافًا لِحَجَرٍ. اهـ. ع ش

(قَوْلُهُ: وَالنَّجِسِ إلَخْ.) الظَّاهِرُ أَنَّ الْخَمْرَةَ غَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ لَيْسَتْ مِنْهُ لِوُجُوبِ إرَاقَتِهَا حَرِّرْهُ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى إلَخْ.) إلَّا إذَا اُحْتِيجَ لِإِدْخَالِ النَّجَاسَةِ، وَلَمْ تُلَوِّثْ كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر فِي إدْخَالِ الدُّهْنِ النَّجِسِ فِيهَا لِحَاجَةٍ كَالِاسْتِصْبَاحِ بِهِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>