للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَمْلِ) وَحَرٍّ وَبَرْدٍ يُخْشَى مِنْهُمَا ضَرَرٌ، وَلَوْ فِي حَضَرٍ دَفْعًا لِلضَّرَرِ «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا» ، وَفِي رِوَايَةٍ «فِي السَّفَرِ لِحَكَّةٍ، أَوْ وَجَعٍ كَانَ بِهِمَا وَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي غَزَاةٍ فِي لُبْسِهِ لِلْقَمْلِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي عَدَمَ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِالسَّفَرِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ الرَّاوِي حِكَايَةً لِلْوَاقِعَةِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ الرِّوَايَاتُ فِي الرُّخْصَةِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالزُّبَيْرِ يَظْهَرُ أَنَّهَا مَرَّةً وَاحِدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهِمَا الْحَكَّةُ، وَالْقَمْلُ فِي السَّفَرِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُقَالُ الْمُقْتَضِي لِلتَّرْخِيصِ إنَّمَا هُوَ اجْتِمَاعُ الثَّلَاثَةِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِمَنْزِلَتِهَا، فَيَنْبَغِي اقْتِصَارُ الرُّخْصَةِ عَلَى مَجْمُوعِهَا، وَلَا تَثْبُتُ فِي بَعْضِهَا إلَّا بِدَلِيلٍ. اهـ.

وَيُجَابُ بَعْدَ تَسْلِيمِ ظُهُورِ أَنَّهَا مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ بِمَنْعِ كَوْنِ أَحَدِهَا لَيْسَ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْحَاجَةِ الَّتِي عُهِدَ إنَاطَةُ الْحُكْمِ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِإِفْرَادِهَا فِي الْقُوَّةِ، وَالضَّعْفِ، بَلْ كَثِيرًا مَا تَكُونُ الْحَاجَةُ فِي أَحَدِهَا لِبَعْضِ النَّاسِ أَقْوَى مِنْهَا فِي الثَّلَاثَةِ لِبَعْضٍ آخَرَ، أَمَّا اسْتِعْمَالُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فِي حَقِّ مَنْ ذُكِرَ، فَحَرَامٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، وَلَا الدِّيبَاجَ» وَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ أَيْضًا «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» وَخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ فِي يَمِينِهِ قِطْعَةَ حَرِيرٍ، وَفِي شِمَالِهِ قِطْعَةَ ذَهَبٍ وَقَالَ: هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ» وَأُلْحِقَ بِالذُّكُورِ الْخَنَاثَى احْتِيَاطًا، وَالتَّقْيِيدُ فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ بِاللُّبْسِ، وَالْجُلُوسِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، فَيَحْرُمُ غَيْرُهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِعْمَالِ كَسَتْرٍ وَتَدَثُّرٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ خَبَرُ أَبِي دَاوُد قَالَ الْإِمَامُ: وَكَانَ فِيهِ مَعَ مَعْنَى الْخُيَلَاءِ أَنَّهُ ثَوْبُ رَفَاهِيَةٍ وَزِينَةٍ وَإِبْدَاءُ زِيٍّ يَلِيقُ بِالنِّسَاءِ دُونَ شَهَامَةِ الرِّجَالِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا حَسَنٌ لَكِنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَفِي الْأُمِّ، وَلَا أَكْرَهُ لُبْسَ اللُّؤْلُؤَ لِلرَّجُلِ إلَّا لِلْأَدَبِ وَإِنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ. اهـ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مُتَعَدِّدٌ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، أَمَّا مَا أَكْثَرُهُ غَيْرُ حَرِيرٍ، أَوْ تَسَاوَى فِيهِ الْحَرِيرُ وَغَيْرُهُ، فَلَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ثَوْبَ حَرِيرٍ، وَالْأَصْلُ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: فِي حَقِّ مَنْ ذُكِرَ فَحَرَامٌ) نَقَلَ فِي الْخَادِمِ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ تَحْرِيمَ اتِّخَاذِهِ أَنْفًا. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ اتِّخَاذَهُ لِغَرَضِ الِاسْتِعْمَالِ، فَلَا إشْكَالَ بِرّ (قَوْلُهُ: أَنْوَاعُ الِاسْتِعْمَالِ) فَرْعُ مُجَرَّدِ الْمَشْيِ عَلَى الْحَرِيرِ يَنْبَغِي عَدَمُ تَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفَارِقُهُ حَالًا، وَلَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا لَهُ، فَلَوْ اتَّخَذَ الْحَرِيرَ، وَمَشَى عَلَيْهِ يَنْبَغِي التَّحْرِيمُ مِنْ حَيْثُ الِاتِّخَاذُ، وَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ الْمَشْيُ عَلَيْهِ لَا يُقَالُ: حَيْثُ لَمْ يَحْرُمْ الْمَشْيُ عَلَيْهِ، فَيَنْبَغِي جَوَازُ اتِّخَاذِهِ لِجَوَازِ الْمَشْيِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اتَّخَذَهُ لِاسْتِعْمَالِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّا نَقُولُ غَرَضُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ غَرَضٌ ضَعِيفٌ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا يُحْتَاجَ إلَيْهِ، وَلَا يَتَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ بِهِ عِلَّةً يُحْتَاجُ فِي مُدَاوَاتِهَا إلَى الْمَشْيِ عَلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا كَلَامَ فِي جَوَازِ اتِّخَاذِهِ حِينَئِذٍ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَفِي الْأُمِّ إلَخْ.) قَدْ يُسْتَشْكَلُ مَا فِي الْأُمِّ، بِأَنَّ قَضِيَّةَ أَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ تَحْرِيمُهُ، بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ تَحْرِيمِ التَّشْبِيهِ، بِهِنَّ ثُمَّ رَأَيْت مَا يَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ لَا أَنَّهُ زِيٌّ مُخْتَصٌّ بِهِنَّ، فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ: أَوْ تَسَاوَى فِيهِ الْحَرِيرُ إلَخْ.) ، وَلَوْ شَكَّ فِي التَّسَاوِي، فَهَلْ يَحْرُمُ، أَوْ يَحِلُّ اخْتَلَفَ فِيهِ نُسَخُ الْأَنْوَارِ، وَعِبَارَتُهُ فِي إحْدَى النُّسْخَتَيْنِ، وَإِذَا شَكَّ حَرُمَ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فِي الْغَلَبَةِ كَافِيَةٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْيَقِينُ. اهـ.

ــ

[حاشية الشربيني]

وَلَوْ فِي الْخَلْوَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَكَذَا سَتْرُ مَا زَادَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى النَّاسِ. اهـ. مِنْ هَامِشِهِ أَيْضًا، وَبَعْضُهُ فِي شَرْحِ م ر (قَوْلُهُ: وَقَمْلٌ لَا يُحْتَمَلُ أَذَاهُ عَادَةً) ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ كَالدَّاءِ الْمُحْتَاجِ لِدَوَاءٍ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: يُخْشَى مِنْهُمَا ضَرَرٌ) أَيْ: يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَأُلْحِقَ بِهِ الْأَلَمُ الشَّدِيدُ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: أَمَّا اسْتِعْمَالُهُ إلَخْ.) ، وَلَوْ بِالْجُلُوسِ تَحْتَهُ، وَإِنْ ارْتَفَعَ جِدًّا. اهـ. حَجَرٌ، وَقَالَ م ر لَا يَحْرُمُ كَالْجُلُوسِ تَحْتَ السَّقْفِ الْمُذَهَّبِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْتَفِعْ كَالنَّامُوسِيَّةِ، فَيَحْرُمُ، وَحَيْثُ حَرُمَ الْجُلُوسُ تَحْتَهُ حَرُمَ فِي ظِلِّهِ، وَإِنْ كَانَ مَائِلًا عَنْهُ. اهـ. مَدَنِيٌّ بِإِيضَاحٍ، وَجَزْمٍ ق ل بِحُرْمَةِ الْجُلُوسِ تَحْتَ السَّقْفِ الْمُذَهَّبِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَحَرَامٌ) سَوَاءٌ افْتِرَاشُهُ، وَتَوَسُّدُهُ أَوْ النَّوْمُ عَلَيْهِ، وَغَيْرُهَا، وَنُقِلَ عَنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ حِلُّ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِمْ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ، وَشَرْحِهِ. اهـ. مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ: يَلِيقُ بِالنِّسَاءِ) ضَبَطَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ مَا يَحْرُمُ التَّشَبُّهُ بِهِنَّ فِيهِ بِأَنَّهُ مَا كَانَ مَخْصُوصًا بِهِنَّ فِي جِنْسِهِ، وَهَيْئَتِهِ، أَوْ غَالِبًا فِي زِيِّهِنَّ، وَكَذَا يُقَالُ: فِي عَكْسِهِ فَإِنَّ تَشَبُّهَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ حَرَامٌ فِي مِثْلِ مَا ذُكِرَ. اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ) أَيْ مِنْ جِنْسِ زِيِّهِنَّ غَيْرِ الْخَاصِّ بِهِنَّ، وَلَا الْغَالِبِ فِيهِنَّ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ زِيِّ الرِّجَالِ أَيْضًا. اهـ. رَشِيدِيٌّ فَيُفِيدُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ عَلَى السَّوَاءِ مَكْرُوهٌ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُجَابُ إلَخْ.) يُؤْخَذُ مِمَّا كَتَبْنَاهُ بَعْدَ جَوَابٍ آخَرَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: أَمَّا مَا أَكْثَرُهُ غَيْرُ حَرِيرٍ إلَخْ.) سَوَاءٌ اخْتَلَطَ الْحَرِيرُ بِغَيْرِهِ، أَوْ كَانَ كُلٌّ فِي جَانِبٍ م ر سم (قَوْلُهُ: أَوْ تَسَاوَى فِيهِ الْحَرِيرُ إلَخْ.) ، وَلَوْ عَلِمَ عَدَمَ الِاسْتِوَاءِ، وَشَكَّ هَلْ الْأَكْثَرُ مِنْ الْحَرِيرِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا، وَشَكَّ هَلْ هُمَا مُسْتَوِيَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَكْثَرُ، أَوْ هَلْ هُمَا مُسْتَوِيَانِ، أَوْ الْحَرِيرُ أَكْثَرُ حَرُمَ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ هُمَا مُسْتَوِيَانِ، أَوْ غَيْرُ الْحَرِيرِ أَكْثَرُ فَلَا يَحْرُمُ كَذَا، وَجَدْته بِخَطِّي بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ثَوْبَ حَرِيرٍ) ، وَالْأَصْلُ الْحِلُّ يَعْنِي: أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>