للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ، فَعَلَيْهِ يَنْبَغِي الضَّبْطُ بِمَا لَا يُعَدُّ إسْرَافًا فِي الْعُرْفِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْخَلْخَالِ وَقَدْ أَفْتَيْت بِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَلَا يُكْرَهُ لُبْسُ خَاتَمِ الرَّصَاصِ، وَالنُّحَاسِ، وَالْحَدِيدِ عَلَى الْأَصَحِّ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الْتَمِسْ، وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» ، وَأَمَّا الْخَبَرُ الْأَوَّلُ، فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَخَرَجَ بِالْخَاتَمِ غَيْرُهُ كَدُمْلَجٍ وَسِوَارٍ وَطَوْقٍ، فَيَحْرُمُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْجُمْهُورِ

(وَمُصْحَفِ) بِجَرِّهِ عَطْفًا عَلَى خَاتَمٍ (تَحْلِيَةً) بِنَصْبِهِ تَمْيِيزًا أَيْ: وَحِلُّ اسْتِعْمَالِ الْفِضَّةِ فِي حَقِّ مَنْ ذُكِرَ ثَابِتٌ لِلْمُصْحَفِ مِنْ جِهَةِ التَّحْلِيَةِ أَيْ: ثَابِتٌ لِتَحْلِيَتِهِ بِهَا وَكَذَا إغْلَاقُهُ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ إكْرَامًا لَهُ وَخَرَجَ بِتَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ تَحْلِيَةُ سَائِرِ الْكُتُبِ، وَالْكَعْبَةِ، وَالْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ وَتَعْلِيقُ قَنَادِيلِهِمَا بِهَا، فَيَحْرُمُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ بِخِلَافِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ بِالْحَرِيرِ.

(كَآلَةِ الْحُرُوبِ) أَيْ: كَمَا تَحِلُّ التَّحْلِيَةُ بِالْفِضَّةِ لِآلَةِ الْحُرُوبِ الْمَلْبُوسَةِ (لِرَاكِبٍ كَالسَّيْفِ) ، وَالرُّمْحِ وَالسَّهْمِ، وَالْمِنْطَقَةِ وَالرَّانِّ، وَالْخُفِّ؛ لِأَنَّهَا تَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلِخَبَرِ «كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ فِضَّةٍ» (لَا) تَحْلِيَةُ آلَةِ (الْمَرْكُوبِ) كَسَرْجٍ وَلِجَامٍ وَرِكَابٍ وَثُفْرٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَلْبُوسَةٍ لِلرَّاكِبِ كَالْأَوَانِي، وَلَوْ تَرَكَ كَالْحَاوِي قَوْلَهُ: لِرَاكِبٍ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمَاشِيَ وَلَعَلَّ فِي مُقَابَلَتِهِ لَهُ بِالْمَرْكُوبِ رَمْزًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الرَّاكِبُ فِعْلًا أَوْ قُوَّةً، فَيَشْمَلُ الْمَاشِيَ خَرَجَ بِالْوَرِقِ الذَّهَبُ، فَلَا يَحِلُّ مِنْهُ لِمَنْ ذُكِرَ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ لِعُمُومِ الْمَنْعِ فِيهِ

(وَ) حِلُّ اسْتِعْمَالِ (ذَهَبٍ كَفِضَّةٍ) ثَابِتٌ (لِلرَّجُلِ لِأَجْلِ تَمْوِيهٍ) أَيْ: تَطْلِيَةٍ بِشَرْطٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ: (إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْ ذَاكَ شَيْءٌ) بِالنَّارِ كَمَا مَرَّ فِي الْأَوَانِي كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَاكَ.

لَكِنَّ فِيهِمَا فِي بَابِ زَكَاةِ النَّقْدَيْنِ هَلْ لِلرَّجُلِ تَمْوِيهُ الْخَاتَمِ، وَالسَّيْفِ وَغَيْرِهِمَا بِذَهَبٍ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالنَّارِ وَجْهَانِ وَبِالتَّحْرِيمِ أَجَابَ الْعِرَاقِيُّونَ وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ الْمَنْعِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ، فَلْيُحْمَلْ الْحِلُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمُمَوَّهِ، وَالْمَنْعُ عَلَى نَفْسِ التَّمْوِيهِ، أَوْ يُحْمَلْ الْحِلُّ عَلَى الْأَوَانِي، وَالْمَنْعُ عَلَى الْمَلْبُوسِ أَيْ: لِاتِّصَالِهِ بِالْبَدَنِ وَشِدَّةِ مُلَازَمَتِهِ لَهُ بِخِلَافِ الْأَوَانِي وَحَمْلُهُ الْأَوَّلُ يُنَاسِبُهُ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ: وَتَمْوِيهُ بَيْتِهِ وَجِدَارِهِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ حَرَامٌ قَطْعًا، ثُمَّ إنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالنَّارِ حَرُمَ اسْتِدَامَتُهُ وَإِلَّا، فَلَا

(وَ) لِأَجْلِ (اتِّخَاذِ أُنْمُلَهْ فَقَطْ لِكُلِّ أُصْبُعٍ، وَ) اتِّخَاذُ (الْأَنْفِ لَهُ) أَيْ: لِلرَّجُلِ (وَسِنِّهِ) وَجَازَ لَهُ بِالذَّهَبِ وَإِنْ أَمْكَنَ بِالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَصْدَأُ، وَلَا يُفْسِدُ الْمَنْبَتَ وَقَدْ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ بْنِ صَفْوَانَ التَّمِيمِيَّ لَمَّا أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكِلَابِ، فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ، فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ بِاِتِّخَاذِ أَنْفٍ مِنْ ذَهَبٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَشَدَّ عُثْمَانُ وَغَيْرُهُ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: فِي حَقِّ مَنْ ذُكِرَ) كَذَا الذَّهَبُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: لِرَاكِبٍ) مُتَعَلِّقٌ، بِالْمَلْبُوسَةِ (قَوْلُهُ: شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ) شَمِلَ تَحْلِيَةَ الْمُصْحَفِ، بِالذَّهَبِ، فَيَمْتَنِعُ، وَهُوَ كَذَلِكَ نَعَمْ يَجُوزُ كِتَابَتُهُ، بِالذَّهَبِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْمَرْأَةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي مُصْحَفِ الْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ: لِمَنْ ذُكِرَ) ، وَهُوَ الرَّجُلُ، وَالْخُنْثَى بِرّ

(قَوْلُهُ: لِأَجْلِ تَمْوِيهٍ) شَامِلٌ لِتَمْوِيهِ مُصْحَفِ الرَّجُلِ، بِالذَّهَبِ، وَسَائِرِ الْكُتُبِ لَهُ بِهِ، أَوْ بِالْفِضَّةِ (قَوْلُهُ: وَحَمْلُهُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُتَّجَهُ) ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِي تَمْوِيهِ مُصْحَفِ الرَّجُلِ، وَنَحْوِهِ بِالذَّهَبِ، وَتَمْوِيهِ سَائِرِ الْكُتُبِ مُطْلَقًا

(قَوْلُهُ: الْأَنْفُ) لَا يَبْعُدُ أَنَّ الْأُذُنَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: يَوْمَ الْكُلَابِ) ، بِضَمِّ الْكَافِ

ــ

[حاشية الشربيني]

الْوَاحِدَ بَعْدَ الْوَاحِدِ فَلَا حُرْمَةَ فِي ذَلِكَ الِاتِّخَاذِ، وَلَا كَرَاهَةَ فَلَا زَكَاةَ، وَإِنْ خَالَفَ، وَاسْتَعْمَلَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فِي يَدٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الِاتِّخَاذِ، وَبِالْعَكْسِ بِأَنَّ اتِّخَاذَهَا بِقَصْدِ لُبْسِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فِي يَدِهِ، أَوْ حَرُمَ، وَلَا يُغَيِّرُ ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ عَلَى لُبْسِ وَاحِدٍ فَقَطْ، ثُمَّ قَالَ م ر يَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ فِي مَسْأَلَةِ اتِّخَاذِهِمَا السَّابِقَةِ. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ.

وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ الْعِبْرَةُ فِي عَدَدِهِ، وَقَدْرِهِ، وَمَحَلِّهِ بِعَادَةِ أَمْثَالِهِ فَفِي الْفَقِيهِ الْخِنْصَرُ، وَحْدَهُ، وَفِي الْعَامِّيِّ نَحْوُ الْإِبْهَامِ مَعَهُ، وَخَرَجَ بِهِ الْخَتْمُ، فَيَحْرُمُ (قَوْلُهُ: بِمَا لَا يُعَدُّ إسْرَافًا إلَخْ.) هَذَا مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ عَادَةِ أَمْثَالِهِ تَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: كَآلَةِ الْحُرُوبِ) أَيْ: تَحِلُّ بِالْفِضَّةِ، وَلَوْ بِالتَّمْوِيهِ، وَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلِّيُّ غَيْرَ مُقَاتِلٍ. اهـ. ق ل وَم ر قَالَ م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مَنْ حَلَّ لَهُ التَّحْلِيَةُ حَلَّ لَهُ الِاسْتِعْمَالُ فَظَاهِرُهُ جَوَازُ الِاسْتِعْمَالِ لِغَيْرِ الْمُقَاتِلِ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: كَآلَةِ الْحُرُوبِ) ظَاهِرُهُ حِلُّ ذَلِكَ لِمَنْ قَصْدُهُ الْجِهَادُ، وَغَيْرِهِ، وَلِمَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ، وَمَنْ لَا يُتَصَوَّرُ، وَالثَّانِي بَعِيدٌ. اهـ. نَاشِرِيٌ (قَوْلُهُ: «قَبِيعَةُ سَيْفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) الْقَبِيعَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ هِيَ الَّتِي تَكُونُ عَلَى رَأْسِ قَائِمِ السَّيْفِ، وَطَرَفِ مِقْبَضِهِ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا تَحْلِيَةُ آلَةِ الْمَرْكُوبِ) ، وَيَحْرُمُ أَيْضًا إلْبَاسُ الْحَرِيرِ لِلدَّوَابِّ م ر سم عَلَى الْمَنْهَجِ

(قَوْلُهُ: ابْنُ أَبِي أَسْعَدَ) الَّذِي فِي الْمُهَذَّبِ ابْنُ أَسْعَدَ. اهـ. وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ هُوَ عَرْفَجَةُ بْنُ أَسْعَدَ بْنِ كَرْبِ بْنِ صَفْوَانَ التَّمِيمِيُّ الْعُطَارِدِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْكُلَابِ) بِضَمِّ الْكَافِ، وَتَخْفِيفِ اللَّامِ، وَهُوَ يَوْمٌ مَعْرُوفٌ مِنْ أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ، وَقْعَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَالْكُلَابُ اسْمٌ لِمَاءٍ مِنْ مِيَاهِ الْعَرَبِ كَانَتْ عِنْدَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>