الْإِمَامِ أَنْ يُعِيدَهَا مَعَهُ، بَلْ يُسَنُّ فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ لَوْ صَلَّى لِلْكُسُوفِ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا، كَمَا فِي الْمَكْتُوبَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إدْرَاكِهِ قَبْلَ الِانْجِلَاءِ وَإِدْرَاكِهِ بَعْدَهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْأَوَّلَ، وَإِلَّا فَهُوَ افْتِتَاحُ صَلَاةِ كُسُوفٍ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ قَالَ: وَهَلْ يُعِيدُ الْمُصَلِّي جَمَاعَةً مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَأَقُولُ: قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُعِيدُهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمُنْفَرِدِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَجَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ.
(وَلَا يُطَوِّلَا فِي سَجْدَةٍ) كَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ كَالتَّشَهُّدِ (وَ) لَا فِي (قَعْدَةٍ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَالِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ الثَّانِي (قُلْت وَرَدْ فِي طُولِ هَاتَيْنِ) أَيْ: السَّجْدَةِ وَالْقَعْدَةِ (أَحَادِيثُ عُمَدْ) فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: إنَّهُ فِي السَّجْدَةِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ، بَلْ الصَّوَابُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ قَالَ: وَعَلَيْهِ فَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ: إنَّ السَّجْدَةَ الْأُولَى كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِيَةَ كَالثَّانِي قَالَ: وَأَمَّا الْقَعْدَةُ فَقَطَعَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُطَوِّلُهَا وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ فَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ وَقَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ، ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ» وَلَفْظُ النَّسَائِيّ «سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَجَلَسَ فَأَطَالَ الْجُلُوسَ» .
(وَ) الْأَوْلَى بِمَعْنَى الْمُسْتَحَبِّ (الْجَهْرُ فِي) صَلَاةِ (الْخُسُوفِ) ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةُ لَيْلٍ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ» وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: «صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُسُوفٍ لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا» وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِسْرَارَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْجَهْرَ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ وَلَمْ نَجِدْهُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثٍ ثَابِتٍ قَالَ: وَالْجَهْرُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ هُوَ مَا رَوَاهُ الْمَدَنِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وَلَوْ بَلَغَ الشَّافِعِيُّ الْجَهْرَ لَقَالَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ إثْبَاتٌ وَغَيْرُهُ نَفْيٌ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَغَيْرُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ جَهَرَ وَأَسَرَّ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَجَرَى عَلَى الْجَهْرِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ فِي الْكُسُوفِ وَرَوَى الْجَهْرَ أَكْثَرُ فَرَجَّحْنَاهُ انْتَهَى وَالْقِيَاسُ الْإِسْرَارُ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ نَهَارِيَّةٌ لَهَا مِثْلٌ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، كَمَا عَلَّلَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ ابْنَ حِبَّانَ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الثِّقَاتِ «أَنَّ الْقَمَرَ خُسِفَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخُسُوفِ» وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى لِخُسُوفِ الْقَمَرِ» وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: حَكَاهُ عَنْهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْهُ.
(ثُمَّ) بَعْدَ الصَّلَاةِ (يَخْطُبُ) خُطْبَتَيْنِ نَدْبًا؛ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (كَجُمُعَةٍ) أَيْ: كَخُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمَجْمُوعِ وَظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ شُرُوطِ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا قَالَهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الْمِنْهَاجِ بِقَوْلِهِ: خُطْبَتَيْنِ بِأَرْكَانِهِمَا فِي الْجُمُعَةِ وَعَبَّرَ فِي الْوَجِيزِ بِقَوْلِهِ: خُطْبَتَيْنِ، كَمَا فِي الْعِيدِ أَيْ: إلَّا فِي التَّكْبِيرِ؛ لِعَدَمِ وُرُودِهِ وَيَأْتِي هُنَا مَا قَدَّمْتُهُ ثَمَّةَ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِسْمَاعِ وَالسَّمَاعِ وَكَوْنِ الْخُطْبَةِ عَرَبِيَّةً.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهَا تُجْزِئُ، كَمَا حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ فِيهِ - كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ - نَظَرٌ فَإِنَّ الْبَنْدَنِيجِيَّ لَمْ يَحْكِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا حَكَى عِبَارَةَ الْبُوَيْطِيِّ وَهِيَ: وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَتَيْنِ، كَمَا يَخْطُبُ فِي الْعِيدَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَعِيدٌ وَجِنَازَةٌ وَاسْتِسْقَاءٌ بَدَأَ بِالْجِنَازَةِ، ثُمَّ الْكُسُوفِ، ثُمَّ الْعِيدِ، ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ يُعِيدُهَا) بَلْ وَأَنْ تُعِيدَهَا الْجَمَاعَةُ بِعَيْنِهَا وَإِنْ اتَّحَدَ إمَامُهَا
(قَوْلُهُ: وَلَا يُطَوِّلَا) بِإِبْدَالِ نُونِ التَّوْكِيدِ الْخَفِيفَةِ أَلِفًا أَيْ: لَا يَفْعَلُ التَّطْوِيلُ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ: كَالتَّشَهُّدِ أَيْ: كَمَا لَا يُطَوِّلُ تَشَهُّدَهَا بِرّ. (قَوْلُهُ: كَالِاعْتِدَالِ) وَالرِّوَايَةُ بِتَطْوِيلِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ فَلَا يُعْمَلُ بِهَا. اهـ. حَجَرٌ ش ع.
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْمُسْتَحَبِّ) أَيْ: لَا بِمَعْنَى الْأَفْضَلِ حَتَّى يَكُونَ فِي الْإِسْرَارِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَسْرَارٌ فَضْلٍ. (فَرْعٌ)
إذَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ فِي الْوَقْتِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ لَيْلٌ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ جَهْرٍ لَكِنْ هَلْ يَنْوِي كُسُوفَ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّهَا شَمْسٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَتْ فِي لَيْلٍ حُكْمًا أَوْ كُسُوفَ الْقَمَرِ؛ لِأَنَّهُ قَمَرٌ حُكْمًا لِلْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ بِأَنَّهُ لَيْلٌ مَالَ م ر لِلثَّانِي وَلَا تَرَدُّدٌ عِنْدِي فِي الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِلْ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ) يَأْتِي مَا يَرُدُّهُ. (قَوْلُهُ: فَرَجَّحْنَاهُ) قَدْ يُعَارِضُ الْكَثْرَةَ مُوَافَقَةُ الصَّلَوَاتِ النَّهَارِيَّةِ. (قَوْلُهُ: لَهَا مِثْلُ مَنْ إلَخْ) كَأَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا نَصَّ إلَخْ) أَيْ: الْإِمَامُ فِي الْأُمِّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ) فِيهِ أَنَّهُ لَا غَرَضَ لِلْمُجْتَهَدِ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ إنَّمَا مُلَاحَظَتُهُ لِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ يُشِيرُ بِنَصِّهِ إلَى مُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَهُ كَذَا بِهَامِشِ الشَّرْحِ.
(قَوْلُهُ: الْجَهْرُ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ) أَيْ: مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِيهَا وَإِلَّا أَسَرَّ مِنْ حِينَئِذٍ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) أَيْ: مَا لَمْ يَدْخُلْ اللَّيْلُ وَهُوَ فِيهَا إلَّا جَهَرَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: بَيَانًا لِلْجَوَازِ) قَدْ يُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ التَّحْرِيم. (قَوْلُهُ: وَجَرَى إلَخْ) أَيْ: عَيْنُهُ بِدَلِيلِ آخِرِ كَلَامِهِ. (قَوْلُهُ: لَهَا مِثْلُ) هُوَ صَلَاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ. (قَوْلُهُ: لَهَا مِثْلُ إلَخْ) أَيْ: فَتَمَيَّزَ بِالْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ بِخِلَافِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْعِيدِ
(قَوْلُهُ: كَجُمُعَةِ) إنَّمَا شَبَّهُوا خُطْبَةَ الْكُسُوفِ بِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَخُطْبَةَ الِاسْتِسْقَاءِ بِالْعِيدِ لِيَعْلَمَ أَنْ لَيْسَ فِي