للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(كَالصَّلَاةِ وَالْكَفَنْ) عَلَيْهِ وَالْكَفَنُ بِمَعْنَى التَّكْفِينِ (وَالدَّفْنُ) فَإِنَّهَا فُرُوضُ كِفَايَةٍ أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ إلَّا فِي الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ فَمَحَلُّهُمَا فِي الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يَجِبُ غُسْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّطْهِيرِ لَكِنَّهُ يَجُوزُ وَقَرِيبُهُ الْكَافِرُ أَحَقُّ بِهِ وَلَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، كَمَا سَيَأْتِي وَأَمَّا الشَّهِيدُ فَيَحْرُمُ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي وَهَلْ الْمُخَاطَبُ بِهَذِهِ الْفُرُوضِ أَقَارِبُ الْمَيِّتِ، ثُمَّ عِنْدَ عَجْزِهِمْ أَوْ غَيْبَتِهِمْ الْأَجَانِبُ، أَوْ الْكُلُّ مُخَاطَبُونَ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْجِيلِيُّ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ عُمُومُ الْخِطَابِ لِكُلِّ مَنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْفَرَائِضِ الْكَلَامُ عَلَى مَحَلِّ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ

(قُلْتُ الْفَوْرُ) أَيْ: الْمُبَادَرَةُ بِهَذِهِ الْفُرُوضِ (عَنْ عِلْمٍ) أَيْ: بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَوْتِهِ (حَسَنٌ) أَيْ: مُسْتَحَبٌّ إكْرَامًا لَهُ وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَادَ طَلْحَةُ بْنُ الْبَرَاءِ وَانْصَرَفَ قَالَ: مَا أَرَى طَلْحَةَ إلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ فَإِذَا مَاتَ فَأْذَنُونِي بِهِ حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَعَجِّلُوا بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ» وَالْعِلْمُ بِمَوْتِهِ يَحْصُلُ بِظُهُورِ أَمَارَاتِهِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ كَأَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ فَلَا يَنْتَصِبَانِ، أَوْ يَمِيلَ أَنْفُهُ، أَوْ يَنْخَسِفَ صُدْغَاهُ أَوْ تَمْتَدَّ جِلْدَةُ وَجْهِهِ أَوْ يَنْخَلِعَ كَفَّاهُ مِنْ ذِرَاعَيْهِ، أَوْ تَتَقَلَّصَ خُصْيَاهُ مَعَ تَدَلِّي الْجِلْدَةِ فَإِنْ شَكَّ فِي مَوْتِهِ بِأَنْ اُحْتُمِلَ عُرُوضُ سَكْتَةٍ، أَوْ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ فَزَعٍ، أَوْ غَيْرُهُ أُخِّرَ وُجُوبًا إلَى الْعِلْمِ بِتَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ، أَوْ غَيْرِهِ.

(وَصَحَّ) مَعَ الْكَرَاهَةِ (غُسْلُ الْمَيْتِ مِنْ كَفُورٍ) أَيْ كَافِرٍ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْغَاسِلِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) مِنْ (غَيْرِ نِيَّةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ غُسْلِهِ النَّظَافَةُ وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ؛ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ الِاغْتِسَالَاتِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ لَا الْغَاسِلِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ الْمَزِيدِ عَلَى الْحَاوِي اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ غُسْلٌ وَاجِبٌ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فَيَنْوِي الْغَاسِلُ عِنْدَ غُسْلِهِ الْغُسْلَ الْوَاجِبَ، أَوْ غُسْلَ الْمَيِّتِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ: فَعَلَيْهِ لَا يَكْتَفِي بِغُسْلِ الْكَافِرِ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِنِيَّتِهِ.

وَأَقَلُّ الْغُسْلِ تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بِالْمَاءِ فَيَجِبُ إخْرَاجُ مَا تَحْتَ أَظَافِيرِهِ مِنْ الْوَسَخِ لِيَصِلَ إلَى مَحَلِّهِ الْمَاءُ (وَأَكْمَلُ الْغُسْلِ) يَحْصُلُ (بِأَنْ يُغَسَّلَا عَلَى سَرِيرٍ) أَوْ نَحْوِهِ مِنْ مُرْتَفِعٍ؛ لِئَلَّا يُصِيبَهُ الرَّشَاشُ وَلْيَكُنْ مَحَلُّ رَأْسِهِ أَعْلَى لِيَنْحَدِرَ الْمَاءُ عَنْهُ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ لِيَكُونَ مُتَوَجِّهًا إلَيْهَا إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ (فِي مَكَان قَدْ خَلَا) عَنْ غَيْرِ الْغَاسِلِ وَمُعَيَّنُهُ وَلَيُّ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَظِيفَةٌ، كَمَا كَانَ يَسْتَتِرُ حَيًّا عِنْدَ اغْتِسَالِهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِبَدَنِهِ مَا يُخْفِيهِ وَقَدْ «تَوَلَّى غُسْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ يُنَاوِلُ الْمَاءَ وَالْعَبَّاسُ وَاقِفٌ ثَمَّ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ تَحْتَ سَقْفٍ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ (مُقَمَّصًا) أَيْ: مُلَبَّسًا عِنْدَ غُسْلِهِ قَمِيصًا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «غُسِّلَ فِي قَمِيصٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَيُنْدَبُ كَوْنُهُ سَخِيفًا، أَوْ بَالِيًا وَيُدْخِلُ الْغَاسِلُ يَدَهُ فِي كُمِّهِ، فَإِنْ ضَاقَ فَتَقَ دَخَارِيصَهُ لِيُدْخِلَ يَدَهُ مِنْهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْقَمِيصُ وَجَبَ سَتْرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ.

(بِغَضِّ طَرْفٍ) أَيْ: بَصَرٍ لِلْغَاسِلِ عَنْ رُؤْيَةِ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ وَالْمُرَادُ مَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَكُرِهْ)

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: بِمَعْنَى التَّكْفِينِ) أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: لَفُّ أَوْ وَضْعُ. (قَوْلُهُ: عُمُومُ الْخِطَابِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْخِطَابَ بِالْفِعْلِ عَامٌّ وَأَنَّ الْمُؤْنَةَ خَاصَّةٌ بِالتَّرِكَةِ إنْ كَانَتْ.

(قَوْلُهُ: ظَهْرَانِي أَهْلِهِ) وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَيْهِمْ وَظَهْرَانَيْهِمْ وَلَا تُكْسَرُ النُّونُ وَبَيْنَ أَظْهُرِهِمْ أَيْ: وَسَطَهُمْ وَفِي مُعْظَمِهِمْ قَامُوسٌ

(قَوْلُهُ: وَأَكْمَلُ الْغُسْلِ إلَخْ) . (فَرْعٌ) لَوْ اخْتَلَفَ اعْتِقَادُ الْمَيِّتِ وَمُغَسِّلِهِ فِي أَقَلِّ الْغُسْلِ وَأَكْمَلِهِ فَلَا يَبْعُدُ اعْتِبَارُ اعْتِقَادِ الْمُغَسِّلِ، وَهَلْ يُجْزِي مَا قِيلَ فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْمَلِ فِي تَغْسِيلِ الذِّمِّيِّ حَتَّى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْغَاسِلِ أَنْ يُوَضِّئَهُ كَوُضُوءِ الْحَيِّ فِيهِ نَظَرٌ

ــ

[حاشية الشربيني]

الْآدَمِيِّينَ وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفِينَ وَمِنْهُمْ الْمَيِّتُ، لَوْ غَسَّلَ نَفْسَهُ كَرَامَةً وَالْجِنُّ كَالْآدَمِيِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِ الْمَلَائِكَةِ وَالصَّلَاةُ كَالْغُسْلِ نَعَمْ يَكْفِي تَكْفِينُ الْمَلَائِكَةِ وَدُفُنُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ السَّتْرُ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ صُورَةَ عِبَادَةٍ فَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْغُسْلِ النَّظَافَةُ أَيْضًا. اهـ. ق ل وَع ش وَقَوْلُهُ: وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفِينَ إلَخْ فِيهِ تَسَاهُلٌ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ مَأْمُورُونَ، وَالْحُكْمُ مُسَلَّمٌ تَدَبَّرْ. وَقَوْلُهُ: وَالصَّلَاةُ كَالْغُسْلِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى نَفْسِهِ كَرَامَةً بِأَنْ تَعَدَّدَتْ جُثَّتُهُ كَفَى كَمَا بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ وَبِهَامِشِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَوْ غَسَّلَهُ مَيِّتٌ آخَرُ كَرَامَةً لَا يَكْفِي فَلْيُحَرَّزْ.

(قَوْلُهُ: ظَهْرَانِي أَهْلِهِ) أَيْ: ظُهُورُهُمْ فَهُوَ جَمْعٌ عَلَى صُورَةِ الْمُثَنَّى

(قَوْلُهُ: تَعْمِيمُ بَدَنِهِ) حَتَّى مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِ الثَّيِّبِ عِنْدَ جُلُوسِهَا وَمَا تَحْتَ قُلْفَةِ الْأَقْلَفِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ فَإِنْ كَانَ مَا تَحْتَهَا طَاهِرًا يَمَّمَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا كَانَ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيَكْفِي تَعْمِيمُهُ بِالْمَاءِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ جُنُبًا خِلَافًا لِمَنْ أَوْجَبَ غُسْلَيْنِ بَلْ لَا يَجِبُ نِيَّةُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لِسُقُوطِهِ بِالْمَوْتِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: فَتَقَ دَخَارِيصَهُ) جَمْعُ دِخْرِيصٍ بِكَسْرِ الدَّالِ وَهُوَ مَا يُوَسَّعُ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ الْفَتْقِ إذَا نَقَصَتْ بِهِ الْقِيمَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ. اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ. (قَوْلُهُ: تَعَذَّرَ) مِثْلُهُ إذَا عُسِرَ غُسْلُهُ فِيهِ وَلَوْ مَعَ فَتْحِ الدَّخَارِيصِ الضَّيِّقَةِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>