يَتَأَذَّ بِحَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ؛ لِأَنَّهُ تَحْقِيرٌ وَإِذْلَالٌ فَامْتِنَاعُهُ فِي الْمَيِّتِ الْحُرِّ أَوْلَى وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ، بَلْ وَلَا تَسَاوِي إذْ لِلْغُرَمَاءِ مَنْعُ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَالْحَيُّ الْمُفْلِسُ يَبْقَى لَهُ مَا يُجَمِّلُهُ؛ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّجَمُّلِ لِلصَّلَاةِ وَبَيْنَ النَّاسِ؛ وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ يُسْتَرُ بِالتُّرَابِ عَاجِلًا بِخِلَافِ الْعَبْدِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إذْ عَدَمُ الْجَوَازِ فِي تِلْكَ لَيْسَ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فِي السَّتْرِ، بَلْ؛ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْعَبْدِ حَتَّى إذَا أَسْقَطَهُ جَازَ وَدَخَلَ فِي السَّاتِرِ الطِّينُ لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّطْيِينُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزْرَاءً بِالْمَيِّتِ نَعَمْ إنْ تَعَذَّرَ الثَّوْبُ وَجَبَ التَّطْيِينُ قَالَ: وَيُتَّجَهُ وُجُوبُ الْإِذْخِرِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ التَّطْيِينِ.
(وَالْمَنْعُ مِنْ) ثَوْبٍ (ثَانٍ وَثَوْبٍ ثَالِثٍ) ثَابِتٌ (لَهُ) أَيْ: لِلْمَيِّتِ (وَلِلْغَرِيمِ) أَمَّا لِلْمَيِّتِ فَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَقٌّ لَهُ بِمَثَابَةِ مَا يُجَمِّلُ الْحَيَّ فَلَهُ مَنْعُهُ، كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَمَّا لِلْغَرِيمِ فَلِحُصُولِ سَتْرِ الْمَيِّتِ وَهُوَ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى التَّجَمُّلِ بِخِلَافِ الْحَيِّ الْمُفْلِسِ يُتْرَكُ لَهُ ثِيَابُ تَجَمُّلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّجَمُّلِ، كَمَا مَرَّ أَمَّا الثَّوْبُ الْوَاجِبُ فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ لَمْ يَصِحَّ وَيَجِبُ تَكْفِينُهُ بِسَاتِرِ كُلِّ بَدَنِهِ مُفَرَّعٌ عَلَى إيجَابِ سَتْرِ كُلِّ الْبَدَنِ وَإِنْ أَبَاهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَمَا نَقَلَهُ فِيهِ عَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي وَغَيْرِهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى سَاتِرِ كُلِّ بَدَنِهِ فِيمَا لَوْ قَالَ الْوَارِثُ: يُكَفَّنُ بِهِ وَالْغَرِيمُ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ لَيْسَ؛ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي التَّكْفِينِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا أَسْقَطَهُ جَازَ) زَادَ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَحَاصِلُ مَا هُنَا أَنَّهُ إذَا خَلَفَ مَالًا وَسُتِرَتْ عَوْرَتُهُ وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِ الزَّائِدِ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْأُمَّةِ وَبَقِيَ حَرَجُ تَرْكِ الزَّائِدِ عَلَى الْوَرَثَةِ. اهـ. وَقَدْ يُشْكِلُ اخْتِصَاصُ حَرَجِ تَرْكِ الزَّائِدِ بِالْوَرَثَةِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ الْأُمَّةَ الزَّائِدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
(قَوْلُهُ: مُفَرَّعٌ إلَخْ) قَدْ يَمْنَعُ التَّفْرِيعَ وِفَاقًا لِظَاهِرِ الْمَجْمُوعِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْعَوْرَةِ مِنْ سَاتِرِ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ غَيْرُ مُتَمَحِّضٍ لِحَقِّ الْمَيِّتِ بَلْ فِيهِ شَائِبَةُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى عِنْدَ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ أَيْ: لِمَحْضِ حَقِّ اللَّهِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَعَلَى هَذَا مَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ الْآتِي لَا لِلْوَارِثِ يَتَحَصَّلُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ مِنْ سَاتِرِ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ لَا يُمْكِنُ إسْقَاطُهُ لَا بِوَصِيَّةٍ وَلَا بِمَنْعِ غَرِيمٍ أَوْ وَارِثٍ، وَأَمَّا الثَّوْبُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَيَسْقُطُ بِالْإِيصَاءِ وَبِمَنْعِ الْغَرِيمِ دُونَ مَنْعِ الْوَارِثِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا سَبْقُ حَقِّ الْغَرِيمِ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا الشِّهَابَ الرَّمْلِيَّ اعْتَمَدَ وُجُوبَ تَكْفِينِهِ بِسَاتِرِ جَمِيعِ بَدَنِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالِاكْتِفَاءِ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى سَتْرِهَا مَكْرُوهٌ وَلَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَكْرُوهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ) أَيْ: سَاتِرٍ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ لِيُغَايِرَ مَا قَبْلَهُ.
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ) أَيْ: حَتَّى يَجِبَ فِي نَحْوِ بَيْتِ الْمَالِ كَالْوَقْفِ عَلَى التَّكْفِينِ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْمَيِّتِ) أَيْ: مَنْدُوبًا لِلْمَيِّتِ نَدْبًا مُؤَكَّدًا وَلَمْ يُسْقِطْهُ فَيَجِبُ فِعْلُهُ لَهُ وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ إجَابَةِ الْغُرَمَاءِ فِي مَنْعِ الْمَنْدُوبِ لِتَأَكُّدِهِ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَحَوَاشِيهِ وَإِنَّمَا كَانَ مُتَأَكِّدًا لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ. اهـ. تُحْفَةٌ وَعِبَارَتُهَا وَعَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ تَأَكُّدِهِ، وَتَقَدُّمُهُ بِهِ يَحْمِلُ قَوْلَ بَعْضِ مَنْ اعْتَمَدَ الْأَوَّلَ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِحَقِّ الْمَيِّتِ أَيْ: لِلْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ التَّكْفِينِ الْوَاجِبِ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ بِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ خِلَافٌ فِي أَنَّ الْوَاجِبَ سَاتِرُهَا أَوْ السَّابِغُ فَعُلِمَ أَنَّهُ بِالسَّاتِرِ يَسْقُطُ حَرَجُ التَّكْفِينِ الْوَاجِبِ عَنْ الْأُمَّةِ، وَيَبْقَى حَرَجُ مَنْعِ حَقِّ الْمَيِّتِ عَلَى الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ وَعَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ كَوْنِهِ حَقَّهُ يَحْمِلُ تَصْرِيحَ آخَرِينَ بِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِإِيصَائِهِ بِإِسْقَاطِهِ وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي الْقَطْعُ بِالِاكْتِفَاءِ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ ثُمَّ الْقَطْعُ بِأَنَّ الزَّائِدَ لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ وَفِيهِ تَنَاقُضٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْمَيِّتِ) أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِلْغُرَمَاءِ فَقَوْلُهُ: عَلَى غَيْرِهِ أَيْ: الْغُرَمَاءِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَعِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ وُجُوبِ سَاتِرِ كُلِّ الْبَدَنِ فِيمَا لَوْ قَالَ الْوَرَثَةُ: يُكَفَّنُ بِهِ وَالْغُرَمَاءُ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي التَّكْفِينِ، بَلْ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْمَيِّتِ يَتَقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَلَمْ يُسْقِطْهُ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ أَخَلَّ بِحَقِّهِ) أَيْ: بِحَقِّ اللَّهِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا أَسْقَطَهُ جَازَ) كَنَظِيرِهِ هُنَا وَحَاصِلُ مَا هُنَا أَنَّهُ إذَا خَلَفَ مَالًا وَسُتِرَتْ عَوْرَتُهُ وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِ الزَّائِدِ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْأُمَّةِ وَبَقِيَ حَرَجُ تَرْكِ الزَّائِدِ عَلَى الْوَرَثَةِ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ) أَيْ: إنَّ اللَّهَ أَوْجَبَهُ لِلْمَيِّتِ لِنَدْبِ الزَّائِدِ لَهُ نَدْبًا مُؤَكَّدًا فَلَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يُوصِ هُوَ بِإِسْقَاطِهِ، أَمَّا إذَا أَوْصَى بِهِ فَيَسْقُطُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ وَالْكَلَامُ هُنَا أَعَمُّ مِنْ مَنْعِ الْمَيِّتِ وَالْغَرِيمِ فَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا جَارٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ سَابِقًا مِنْ وُجُوبِ سَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَقَوْلُهُ: حَقٌّ لِلَّهِ أَيْ: فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ. (قَوْلُهُ: وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ إلَخْ) هُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: مِنْ الِاتِّفَاق إلَخْ) أَيْ: أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ السَّابِقِ لَكِنَّهُ أَخَلَّ بِحَقِّهِ أَيْ: الْمَيِّتِ. (قَوْلُهُ: بَلْ لِكَوْنِهِ إلَخْ) هَذَا تَعْلِيلُ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي التَّكْفِينِ لِحَقِّ اللَّهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ فَتَرَكَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute