للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسُدَّتْ فُرُجَاتُ اللَّحْدِ بِكَسْرِ اللَّبِنِ مَعَ الطِّينِ، أَوْ بِالْإِذْخِرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَمْنَعُ التُّرَابَ وَقَوْلُهُ: وَطِينًا مِنْ زِيَادَتِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ (وَلِلرِّضَى) أَيْ: وَلِإِظْهَارِ الرِّضَا بِمَا صَارَ إلَيْهِ الْمَيِّتُ (حَثًّا) فِي الْقَبْرِ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا نَدْبًا (ثَلَاثًا) أَيْ: ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابِ الْقَبْرِ (مَنْ دَنَا) مِنْهُ وَلْيَكُنْ الْحَثْوُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَذَلِكَ؛ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ؛ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إسْرَاعِ الدَّفْنِ، وَالْمُشَارَكَةِ فِي هَذَا الْفَرْضِ وَيُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ مَعَ الْأُولَى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: ٥٥] وَمَعَ الثَّانِيَةِ {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: ٥٥] وَمَعَ الثَّالِثَةِ {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: ٥٥] .

(ثُمَّ يُهَالُ) أَيْ: يُصَبُّ (بِالْمَسَاحِي التُّرْبُ) ؛ لِأَنَّهَا أَسْرَعُ يُقَالُ: هَالَهُ وَأَهَالَهُ، وَالْمَسَاحِي بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ مِسْحَاةٍ بِكَسْرِهَا وَهِيَ كَالْمِجْرَفَةِ إلَّا أَنَّهَا مِنْ حَدِيدٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا هِيَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا (وَرَشُّ مَاءٍ بَعْدُ) أَيْ: بَعْدَ الدَّفْنِ (مُسْتَحَبُّ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَعَلَهُ بِقَبْرِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَتَفَاؤُلًا بِالرَّحْمَةِ وَحِفْظًا؛ لِلتُّرَابِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الْمَاءَ النَّجِسَ وَيَحْتَمِلُ كَرَاهَتَهُ وَيُكْرَهُ رَشُّهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ وَأَنْ يُطْلَى بِالْخَلُوقِ قَالُوا: لِأَنَّهُ إسْرَافٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ وَإِنْ تُنْصَبَ عَلَيْهِ مِظَلَّةٌ وَإِيقَادُ النَّارِ عِنْدَهُ وَاسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ.

(وَارْفَعْ) نَدْبًا الْقَبْرَ (وَلَوْ بِحَجَرٍ وَبِالْحَصَى شِبْرًا) كَقَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَفِي أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ لَهَا: اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةٍ وَلَا وَطِيئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ أَيْ: لَا مُرْتَفِعَةٍ كَثِيرًا وَلَا لَاصِقَةٍ بِالْأَرْضِ، كَمَا بَيَّنَهُ آخِرَ الْخَبَرِ يُقَالُ: لَطِئَ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَلَطَأَ بِفَتْحِهَا أَيْ لَصِقَ وَإِنَّمَا يُرْفَعُ الْقَبْرُ؛ لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ وَيُحْتَرَمُ وَيُنْدَبُ أَنْ يُوضَعَ عَلَيْهِ حَصًى، وَأَنْ يُجْعَلَ عِنْدَ رَأْسِهِ شَاخِصٌ مِنْ حَجَرٍ أَوْ نَحْوِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَعَلَهُ عَلَى قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ:، وَالْمَعْرُوفُ فِي خَبَرِهِ أَنَّهُ حَجَرٌ وَاحِدٌ فَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّهُ وَضَعَ عِنْدَ رَأْسِهِ صَخْرَةً وَقَالَ: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي لِأَدْفِنَ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: وَاسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي قَبْرَ الْمُسْلِمِ بِبِلَادِ الْكُفَّارِ فَيُخْفَى صِيَانَةً عَنْهُمْ وَأَلْحَقَ بِهَا الْأَذْرَعِيُّ الْأَمْكِنَةَ الَّتِي يُخَافُ نَبْشُهَا لِسَرِقَةِ كَفَنِهِ، أَوْ لِعَدَاوَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَرَفْعُهُ فَوْقَ شِبْرٍ مَكْرُوهٌ، أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى. اهـ.، وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ الْآتِي إذْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ مَخْصُوصٌ وَيُنْدَبُ أَنْ لَا يُزَادَ الْقَبْرُ عَلَى تُرَابِهِ لِئَلَّا يَعْظُمَ شَخْصُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ زَادَ لَمْ يُكْرَهْ لَكِنْ الْمُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيُسْتَدَلُّ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد أَيْ: الْآتِيَةِ وَهِيَ وَأَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ تُرَابُهُ شِبْرًا فَالْأَوْجَهُ أَنْ يُزَادَ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ تُرَابَهُ يَرْتَفِعُ شِبْرًا فَأَكْثَرَ.

(وَلَا طِينَ) وَفِي نُسْخَةٍ وَلَا طِينًا (وَلَا مُجَصَّصَا) أَيْ: ارْفَعْ الْقَبْرَ شِبْرًا بِلَا تَطْيِينٍ وَلَا تَجْصِيصٍ لَهُ أَيْ: يُكْرَهُ تَطْيِينُهُ وَتَجْصِيصُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ» زَادَ التِّرْمِذِيُّ «وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُوطَأَ عَلَيْهِ» وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَزَادَ أَبُو دَاوُد «وَأَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ فَقَوْلُ النَّظْمِ: وَلَا طِينٌ، وَالْحَاوِي وَلَا تَطْيِينٌ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْبِنَاءُ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَكَرَاهَةُ التَّطْيِينِ إنَّمَا قَالَ بِهَا الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَأَكْثَرُ الْكُتُبِ سَاكِتَةٌ عَنْهُ قَالَ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّجْصِيصِ بِأَنَّ التَّجْصِيصَ زِينَةٌ دُونَ التَّطْيِينِ، أَوْ زِينَةُ التَّجْصِيصِ أَكْثَرُ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ، قَالَ: وَسَوَاءٌ فِي الْبِنَاءِ الْقُبَّةُ، وَالْبَيْتُ وَغَيْرُهُمَا، بَلْ إنْ كَانَتْ مَقْبَرَةً مُسَبَّلَةً حَرُمَ ذَلِكَ وَيُهْدَمُ الْبِنَاءُ وَتُكْرَهُ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَكْتُوبُ فِي لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ أَمْ فِي غَيْرِهِ وَفِي كَرَاهَةِ كِتَابَةِ اسْمِ الْمَيِّتِ نَظَرٌ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَا وَجْهَ لِكَرَاهَةِ كِتَابَةِ اسْمِهِ وَتَارِيخِ وَفَاتِهِ وَيُنْدَبُ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ؛ لِتَذَكُّرِ الْآخِرَةِ وَتُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: مَنْ دَنَا) ، وَكَذَا مَنْ بَعُدَ فِيمَا يَظْهَرُ بِرّ

(قَوْلُهُ: الْمَاءَ النَّجِسَ) يُتَّجَهُ تَحْرِيمُ رَشِّهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزْرَاءً بِالْمَيِّتِ م ر. (قَوْلُهُ: وَإِضَاعَةُ مَالٍ) وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ مَعَ أَنَّ إضَاعَةَ الْمَالِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ لِغَرَضٍ وَبِهَذَا يُجَابُ عَمَّا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَالُوا: مِنْ الْأَشْكَالِ بِأَنَّ قَضِيَّةَ التَّعْلِيلِ الْحُرْمَةُ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ زَادَ لَمْ يُكْرَهْ إلَخْ) لَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: وَيُسْتَدَلُّ لِلْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْمَنْعِ اسْتِحْبَابُ التَّرْكِ وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَرْتَفِعْ فَوْقَ شِبْرٍ بِنَاءً عَلَى كَرَاهَةِ رَفْعِهِ فَوْقَ شِبْرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ السُّبْكِيّ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ: رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد وَأَنْ يُزَادَ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: لَا طِينَ وَلَا مُجَصَّصًا) مِنْ بَابِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةً بِبِنَاءِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ الثَّانِي، وَطِينَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ نَحْوُ طِينَ وَمُجَصَّصًا بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ مَصْدَرًا سم. (قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ) قَالَ فِي الْقُوتِ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّ مَوْضِعَ النَّدْبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ سَفَرٌ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ فَقَطْ، بَلْ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّفَرُ لِذَلِكَ وَاسْتَثْنَى قَبْرَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ.

ــ

[حاشية الشربيني]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>