لِجَزَعِهِنَّ إلَّا قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُنْدَبُ لَهُنَّ زِيَارَتُهُ وَيَنْبَغِي، كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ أَنْ يَكُونَ سَائِرُ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْأَوْلِيَاءِ كَذَلِكَ وَيَنْدُبُ أَنْ يَقُولَ الزَّائِرُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ وَأَنْ يَقْرَأَ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَدْعُو لَهُمْ وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمَزُورِ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ وَأَنْ يَتَوَجَّهَ فِي الدُّعَاءِ إلَى الْقِبْلَةِ وَعَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ إلَى وَجْهِهِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ
(وَلْيُحْتَرَمْ) أَيْ: الْقَبْرُ نَدْبًا (كَهُوَ) أَيْ: كَالْمَيِّتِ لَوْ كَانَ حَيًّا احْتِرَامًا لَهُ فَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ وَالِاتِّكَاءُ عَلَيْهِ وَوَطْؤُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ بِأَنْ لَا يَصِلَ إلَى مَيِّتِهِ إلَّا بِوَطْئِهِ وَيَدْنُو مِنْهُ الزَّائِرُ بِقَدْرِ مَا يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَزَارَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي الْمَقَابِرِ بِالنَّعْلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْعَبْدُ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ حَتَّى يَسْمَعَ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ» الْحَدِيثَ وَأَجَابُوا عَنْ خَبَرِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ رَآهُ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ بِنَعْلَيْنِ يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ وَيْحَكَ أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ فَخَلَعَهُمَا» بِأَنَّهُ كَرِهَهُمَا لِمَعْنًى فِيهِمَا؛ لِأَنَّ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ هِيَ الْمَدْبُوغَةُ بِالْقَرَظِ وَهِيَ لِبَاسُ أَهْلِ التَّرَفُّهِ، وَالتَّنَعُّمِ فَنَهَى عَنْهُمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْخُيَلَاءِ، فَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ الْمَقَابِرَ عَلَى زِيِّ التَّوَاضُعِ، وَلِبَاسِ أَهْلِ الْخُشُوعِ، وَبِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ
(وَفِي التَّسْطِيحِ) لِلْقَبْرِ (فَضْلٌ عَلَى التَّسْنِيمِ) لِمُوَافَقَةِ قُبُورِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ فَإِنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ «سُفْيَانَ التَّمَّارِ رَأَيْت قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَنَّمًا» ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سُنِّمَ بَعْدَ سُقُوطِ الْجِدَارِ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْوَلِيدِ، وَقِيلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمُقَابِلُ قَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ (فِي الصَّحِيحِ) تَفْضِيلُ التَّسْنِيمِ؛ لِأَنَّ التَّسْطِيحَ صَارَ شِعَارًا لِلرَّفَضَةِ فَيُتْرَكُ مُخَالَفَةً لَهُمْ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ السُّنَّةَ ثَبَتَتْ بِالتَّسْطِيحِ فَلَا تَضُرُّ مُوَافَقَتُهُمْ لَنَا فِيهِ عَلَى أَنَّ رِعَايَةَ ذَلِكَ تَجُرُّ إلَى تَرْكِ سُنَنٍ، وَوَاجِبَاتٍ كَثِيرَةٍ
. (وَجُمِعَا) أَيْ: الرَّجُلَانِ أَوْ الْمَرْأَتَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ ابْتِدَاءً بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي مِنْ مَنْعِ النَّبْشِ (لِحَاجَةٍ) بِأَنْ كَثُرَ الْمَوْتَى، وَعَسُرَ الْإِفْرَادُ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلَى أُحُدٍ بِذَلِكَ أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ فَيُنْدَبُ تَرْكُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا (وَ) جَمْعُ (أُنْثَى وَرَجُلٌ حَيْثُ اشْتِدَادٌ حَثَّا) أَيْ: حَيْثُ اشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ اشْتِدَادًا حَثِيثًا، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ كَمَا فِي الْحَيَاةِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْجَمْعُ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَغَيْرُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ كَالْمَحْرَمِ بَلْ أَوْلَى، وَأَنَّ الْخُنْثَى مَعَ الْخُنْثَى أَوْ غَيْرِهِ كَالْأُنْثَى مَعَ الذَّكَرِ (بِحَاجِرِ التُّرْبِ) بَيْنَهُمَا، وَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَمْ يُبَيِّنُوا أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ فَيُحْتَمَلُ وُجُوبُهُ إنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ، وَلَا مَحْرَمِيَّةَ، وَلَا زَوْجِيَّةَ، وَإِلَّا فَنَدْبُهُ، وَيُحْتَمَلُ نَدْبُهُ مُطْلَقًا اكْتِفَاءً بِحَيْلُولَةِ الْأَكْفَانِ ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ قَالَ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَلَعَلَّهُ مَنْدُوبٌ
. (وَقَدِّمْ أَفْضَلَا) أَيْ: أَفْضَلُ الْمَوْتَى (إلَى جِدَارِ اللَّحْدِ) مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ الرَّجُلُ، وَلَوْ ابْنًا، ثُمَّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ الْخُنْثَى، ثُمَّ الْمَرْأَةُ فَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ قُدِّمَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي نَظَائِرِهِ إلَّا الْأَبَ فَيُقَدَّمُ عَلَى الِابْنِ، وَإِنْ فَضَلَهُ الِابْنُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَاحْتَجُّوا لَهُ إلَخْ) فِيهِ نَوْعُ تِبْرٍ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْإِخْبَارَ بِسَمَاعِ قَرْعِ النِّعَالِ لَا يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْمَشْيِ بِهَا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأَجَابُوا عَنْ خَبَرِ إلَخْ) قَدْ يَقْتَضِي هَذَا الْجَوَابُ كَرَاهَةَ الْمَشْيِ فِيهَا بِمَا فِيهِ زِينَةٌ مِنْ النِّعَالِ
(قَوْلُهُ: فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ) أَيْ لَحْدٍ بِقَرِينَةِ إلَى جِدَارِ اللَّحْدِ (فَائِدَةٌ) .
سَكَتُوا عَنْ جَمْعِ اثْنَيْنِ فِي كَفَنٍ وَاحِدٍ وَفِي الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُهُمَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا مَنَعْنَا الْجَمْعَ فِي الدَّفْنِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ فَهُوَ فِي التَّكْفِينِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْوَافِي خَادِمٌ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّوْضِ وَلْيُفْرَدْ كُلُّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ الْمُسْتَحَبُّ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ أَنْ يُدْفَنَ كُلُّ مَيِّتٍ فِي قَبْرٍ. اهـ. فَلَوْ جُمِعَ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ كَرَجُلَيْنِ وَامْرَأَتَيْنِ كُرِهَ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيِّ وَحَرُمَ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَعِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ لَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: الْأَصَحُّ الْكَرَاهَةُ أَوْ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ، أَمَّا التَّحْرِيمُ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. اهـ. وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْفَقُ بِكَلَامِ الْأَصْلِ السَّابِقِ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَمِيلُ إلَى التَّحْرِيمِ بِقَرِينَةِ تَعْبِيرِهِ بِالْجَوَازِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ كَثُرُوا وَعَسُرَ إفْرَادُ كُلِّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ جَازَ الْجَمْعُ. اهـ.
ثُمَّ قَالَ فِي الرَّوْضِ وَلَا يُجْمَعُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ قَالَ فِي شَرْحِهِ فَيَحْرُمُ عِنْدَ عَدَمِهَا وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْجَمْعُ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فَقَالَ إنَّهُ حَرَامٌ حَتَّى فِي الْأُمِّ مَعَ وَلَدِهَا وَالْقِيَاسُ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ كَالْمَحْرَمِ بَلْ أَوْلَى وَأَنَّ الْخُنْثَى مَعَ الْخُنْثَى أَوْ غَيْرِهِ كَالْأُنْثَى مَعَ الذَّكَرِ. اهـ. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي لَحْدٍ وَاحِدٍ وَإِنْ اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ إلَّا لِحَاجَةٍ م ر. (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّهُ مَنْدُوبٌ) اعْتَمَدَهُ م ر
. (قَوْلُهُ: قُدِّمَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُرَادُ بِالْأَفْضَلِ الْمُقَدَّمُ فِي الْإِمَامَةِ بِرّ
ــ
[حاشية الشربيني]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .