فَكَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْأَوْزَانِ وَاسْتَقَرَّ أَنَّ وَزْنَ الدِّرْهَمِ سِتَّةُ دَوَانِيقَ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَسَبَبُهُ أَنَّ التَّعَامُلَ غَالِبًا فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ بَعْدَهُ كَانَ بِالْبَغْلِيِّ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ، وَالطَّبَرِيِّ وَهُوَ نِصْفُهَا، فَجُمِعَا وَقُسِمَا دِرْهَمَيْنِ قِيلَ إنَّهُ فُعِلَ زَمَنَ بَنِي أُمَيَّةَ وَأَجْمَعَ أَهْلُ ذَلِكَ الْعَصْرِ عَلَيْهِ وَعَزَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِفِعْلِ عُمَرَ وَمَتَى زِيدَ عَلَى الدِّرْهَمِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ كَانَ مِثْقَالًا وَمَتَى نَقَصَ مِنْ الْمِثْقَالِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِهِ كَانَ دِرْهَمًا وَكُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَكُلُّ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسُبْعَانِ وَالطَّبَرِيَّةُ نِسْبَةٌ إلَى طَبَرِيَّةَ قَصَبَةُ الْأُرْدُنِّ بِالشَّامِ وَتُسَمَّى بِنَصِيبَيْنِ، وَالْبَغْلِيَّةُ نِسْبَةً إلَى الْبَغْلِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صُورَتُهُ (دُونَ جَائِزِ الْحُلِيّ) أَيْ: دُونَ الْحُلِيِّ الْجَائِزِ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ النَّقْدَيْنِ تُنَاطُ بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا لَا بِجَوْهَرِهِمَا إذْ لَا غَرَضَ فِي ذَاتِهِمَا، فَلَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ لِحَاجَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ كَعَوَامِل الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ.
وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ وَجَوَارِيَهُ بِالذَّهَبِ وَلَا يُخْرِجُ زَكَاتَهُ وَصَحَّ نَحْوُهُ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا وَمَا وَرَدَ مِمَّا ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْحُلِيَّ كَانَ مُحَرَّمًا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بِأَنَّ فِيهِ إسْرَافًا أَمَّا الْمُحَرَّمُ كَحُلِيٍّ لِلنِّسَاءِ اتَّخَذَهُ الرَّجُلُ لِيَلْبَسَهُ وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ، فَيَجِبُ زَكَاتُهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ كَالْمَعْدُومِ وَكَذَا الْمَكْرُوهُ
ــ
[حاشية العبادي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[حاشية الشربيني]
الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَتْ مُبْهَمَةً خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي التِّبْيَانِ وَالسَّرُوجِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَالسُّيُوطِيُّ فِي قَطْعِ الْمُجَادَلَةِ وَالْمَقْرِيزِيُّ وَعَبْدُ الْقَادِرِ الصُّوفِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْيُونَانَ قَدَّرُوا الدِّرْهَمَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَمِائَتَيْ حَبَّةٍ مِنْ حَبِّ الْخَرْدَلِ الْبَرِّيِّ وَقَدَّرُوا الْمِثْقَالَ بِسِتَّةِ آلَافِ حَبَّةٍ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَالسُّبْكِيِّ يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِجْمَاعُ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ وَزَمَنِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ.
قَالَ ع ش أُجِيبَ بِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ وُجُودِهَا لَا يَضُرُّ لِمَا قِيلَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي كَانَتْ مَوْجُودَةً أَوَّلًا نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: وَزْنُهُ ثَمَانِيَةُ دَوَانِقَ. وَالْآخَرُ: أَرْبَعَةٌ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مِائَةٍ مِنْ نَوْعٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا مَوْجُودَيْنِ وَهُوَ يُسَاوِي الْمِائَتَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَوْجُودَةِ الْآنَ. اهـ. وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ سم فِي حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ عَنْ السُّبْكِيّ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُ وَقِيلَ إنَّ الْمُعَامَلَةَ فِي زَمَنِهِ كَانَتْ بِالْبَغْلِيِّ وَبِالطَّبَرِيِّ عَلَى السَّوَاءِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مِائَةٍ مِنْ هَذَا وَمِائَةٍ مِنْ هَذَا وَذَلِكَ مِائَتَانِ مِنْ وَزْنِ الْيَوْمِ فَلَا اخْتِلَافَ. اهـ. وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ مِنْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَرَدَتْ فِي الْحَدِيثِ فَكَيْفَ تَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِ الْمُتَعَامَلِ بِهِ فِي زَمَنِهِ؟ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا عَلَى هَذَا هُوَ الْمُتَعَامَلُ بِهِ وَالْإِجْمَاعُ وَقَعَ عَلَى أَنَّ الْمِائَتَيْنِ مِنْ الدِّرْهَمِ الَّذِي اُتُّفِقَ عَلَيْهِ آخِرًا تُسَاوِي الْمِائَتَيْنِ مِنْ الدِّرْهَمِ الَّذِي كَانَ يُتَعَامَلُ بِهِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: سِتَّةُ دَوَانِيقَ) الدَّانِقُ الْإِسْلَامِيُّ حَبَّتَا خُرْنُوبٍ وَثُلُثَا حَبَّةٍ فَالدِّرْهَمُ الْإِسْلَامِيُّ سِتَّةَ عَشَرَ حَبَّةَ خُرْنُوبٍ قَالَهُ ع ش وَقَالَ شَيْخُنَا ذ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الدِّرْهَمُ سِتَّةَ عَشَرَ حَبَّةَ خُرْنُوبٍ، وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ حَبَّةٍ وَعَلَيْهِ فَالدَّانِقُ حَبَّتَا خُرْنُوبٍ وَثُلُثَا حَبَّةٍ وَعُشْرُهَا وَثُلُثُ عُشْرِهَا وَأَمَّا الدِّرْهَمُ بِالشَّعِيرِ فَهُوَ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَانِ فَالدَّانِقُ ثَمَانِ حَبَّاتٍ وَخُمُسَا حَبَّةٍ؛ لِأَنَّهُ سُدُسُ الدِّرْهَمِ وَأَمَّا الْقِيرَاطُ فَهُوَ مِقْدَارُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ خَرْدَلَةً وَالْقِيرَاطَانِ وَخُمُسَانِ أَعْنِي سِتَّمِائَةِ خَرْدَلَةٍ سُبْعُ دِرْهَمٍ وَعُشْرُ مِثْقَالٍ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَمِائَتَا حَبَّةِ خَرْدَلٍ، وَالْمِثْقَالُ سِتَّةُ آلَافِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ فَالْمِثْقَالُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا، وَالدِّرْهَمُ سِتَّةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ قِيرَاطٍ فَالدِّرْهَمُ سَبْعَةُ أَعْشَارِ الْمِثْقَالِ أَيْ: نِصْفُهُ وَخُمُسُهُ وَالْمِثْقَالُ دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ فَالْعَشَرَةُ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ نِسْبَةِ الذَّهَبِ الصَّافِي لِمِثْلِ مِسَاحَتِهِ مِنْ الْفِضَّةِ الصَّافِيَةِ فَإِنَّ الذَّهَبَ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الْفِضَّةِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَإِنَّمَا قَاسُوا عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِ الدِّرْهَمِ وَالْمِثْقَالِ فِي النَّقْدَيْنِ مَعَ اشْتِهَارِ الْمِثْقَالِ فِي الذَّهَبِ وَالدِّرْهَمِ فِي الْفِضَّةِ. اهـ. شَيْخُنَا الْإِمَامُ الذَّهَبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(قَوْلُهُ: ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ) هِيَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ حَبَّةً وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ؛ لِأَنَّ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَبْقَى حَبَّةٌ وَخُمُسَانِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ يُضَافُ ذَلِكَ إلَى الْخَمْسِينَ وَخُمُسَيْ حَبَّةٍ يَحْصُلُ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ. اهـ. عَمِيرَةُ. اهـ. سم عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute