«لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِهِمَا» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (أَوْ) أَيَّامِ (تَشْرِيقِهِ) أَيْ عِيدِ الْأَضْحَى «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي مُسْلِمٍ «إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (لِلصَّوْمِ) صِلَةٌ قَبُولٍ كَمَا تَقَرَّرَ (وَلَوْ) كَانَ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (تَمَتُّعًا) أَيْ فِي تَمَتُّعِ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ، أَوْ لِأَجْلِ تَمَتُّعِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْهُ وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ يَجُوزُ لَهُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يَضْمَنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ دَلِيلًا أَيْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يُرَخِّصْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(وَلَا) الْيَوْمِ (الْمَشْكُوكِ) فِي أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلصَّوْمِ بِلَا سَبَبٍ كَمَا سَيَأْتِي لِقَوْلِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْقُوَّةُ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ وَضَعَّفَهُ السُّبْكِيُّ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ صَوْمِ شَعْبَانَ عَلَى أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ قَالَ: إنَّ الْمَعْرُوفَ الْمَنْصُوصَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ الْكَرَاهَةُ لَا التَّحْرِيمُ وَإِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ حَرُمَ الصَّوْمُ بِلَا سَبَبٍ إنْ لَمْ يَصِلْهُ بِمَا قَبْلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لِخَبَرِ «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَإِنْ وَصَلَهُ بِمَا قَبْلَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا حِفْظًا لِأَصْلِ مَطْلُوبِيَّةِ الصَّوْمِ
وَيَوْمُ الشَّكِّ هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا شَاعَتْ رُؤْيَتُهُ (بِفَاسِقٍ يَشْهَدُ) أَيْ بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ بِالرَّوِيَّةِ (أَوْ) بِشَهَادَةِ (مَمْلُوكٍ قُلْت، أَوْ الصِّبْيَةِ، أَوْ نِسَاءٍ، وَالْغَيْمُ غَيْرُ مُطْبِقِ السَّمَاءِ) بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْبَقَ الْغَيْمُ فَلَيْسَ بِشَكٍّ وَإِنْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ، أَوْ شَهِدَ بِهَا مَنْ ذُكِرَ لِخَبَرِ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» وَلَا أَثَرَ لِظَنِّنَا الرُّؤْيَةَ لَوْلَا الْغَيْمُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَأَنَّهُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ) هُوَ الْمُتَبَادِرُ
(قَوْلُهُ: وَضَعَّفَهُ) أَيْ الْمَعْنَى وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا التَّضْعِيفِ بِنَظِيرِ مَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ آخَرُ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: حَرُمَ الصَّوْمُ) هَذَا قَدْ يُوجِبُ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِيَوْمِ الشَّكِّ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْوَصْلِ بِمَا قَبْلُ يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ، أَوْ غَيْرِهِ وَمَعَ عَدَمِ الْوَصْلِ يَمْتَنِعُ صَوْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ تُجْعَلَ الْخُصُوصِيَّةُ أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْلِ يَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ جِهَتَيْنِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: حِفْظًا لِأَصْلِ إلَخْ) وَلِمَا صَحَّ مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ» ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِفَاسِقٍ إلَخْ) قَالَ: فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَيْ الرَّوْضِ كَأَصْلِهِ أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ سَوَاءٌ أَطْبَقَ الْغَيْمُ، أَوْ لَا لَكِنْ قَيَّدَهُ صَاحِبُ الْبَهْجَةِ تَبَعًا لِلطَّاوُسِيِّ وَالْبَارِزِيِّ بِعَدَمِ إطْبَاقِهِ فَمَعَ إطْبَاقِهِ لَا يُؤَثِّرُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ الشَّكَّ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ إذْ الْغَرَضُ ظَنُّ صِدْقِ مَنْ ذَكَرَ اهـ.
(قَوْلُهُ: إذَا وَقَعَ فِي الْأَلْسُنِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَلَا الْمَشْكُوكِ) قَالَ م ر قَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِثُبُوتِ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا، ثُمَّ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ وَظُنَّ صِدْقُهُمْ وَلَمْ يَثْبُتْ فَهَلْ يُنْدَبُ صَوْمُ السَّبْتِ لِكَوْنِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ عَلَى تَقْدِيرِ كَمَالِ ذِي الْقَعْدَةِ، أَوْ يَحْرُمُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ يَوْمَ الْعِيدِ؟ أَفْتَى الْوَالِدُ بِالثَّانِي تَقْدِيمًا لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ وَاعْتَمَدَهُ ح ف وَبَحَثَ فِيهِ الشَّوْبَرِيُّ كَالْقَلْيُوبِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مَعَ الشَّكِّ خُصُوصًا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَوَّلَهُ الْجُمُعَةُ (قَوْلُهُ: وَضَعَّفَهُ السُّبْكِيُّ) يُرَدُّ بِأَنَّ إدْمَانَ الصَّوْمِ يُقَوِّي النَّفْسَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ فِي صَوْمِ شَعْبَانَ إضْعَافٌ بَلْ تَقْوِيَةٌ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُضْعِفُ النَّفْسَ عَمَّا بَعْدَهُ لِيَكُونَ فِيهِ افْتِتَاحُ الْعِبَادَةِ مَعَ كَسَلٍ وَفُتُورٍ وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ وَمِنْ ثَمَّ حَرُمَ الصَّوْمُ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ بِلَا سَبَبٍ إنْ لَمْ يَصِلْهُ بِمَا قَبْلَهُ اهـ.
م ر (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ قَالَ إلَخْ) كَانَ اعْتِرَاضُهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَوْمَ شَكٍّ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ عَقِبَ ذَلِكَ: فَرْعٌ إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ حَرُمَ الصَّوْمُ بِغَيْرِ سَبَبٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ اهـ.
عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ: حَرُمَ الصَّوْمُ) أَيْ لِجَمِيعِ النِّصْفِ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ يَوْمَ شَكٍّ اهـ.
وَإِنَّمَا نَصُّوا عَلَى يَوْمِ الشَّكِّ مَعَ هَذَا الْبَيَانِ أَنَّ صَوْمَهُ يَحْرُمُ لِسَبَبَيْنِ فَيَكُونُ الْإِثْمُ فِيهِ أَعْظَمَ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَصِلْهُ بِمَا قَبْلَهُ) فَلَوْ وَصَلَهُ، ثُمَّ أَفْطَرَ يَوْمًا امْتَنَعَ الصَّوْمُ بَعْدَهُ مَا لَمْ يُوَافِقْ عَادَتَهُ الَّتِي ثَبَتَتْ بِالصَّوْمِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا فَلَا يَمْتَنِعُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ م ر وَز ي وَلَا اعْتِرَاضَ اهـ.
شَيْخُنَا ذ وَفِيهِ نَظَرٌ مَعَ قَوْلِ ز ي لَوْ صَامَ خَامِسَ عَشْرَهُ، وَتَالِيَهُ، وَأَفْطَرَ سَابِعَ عَشْرَهُ حَرُمَ الصَّوْمُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِعَدَمِ الْوَصْلِ وَمِثْلُهُ الشَّرْقَاوِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ حَيْثُ كَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَصِلَهُ بِمَا قَبْلَهُ أَيْ بِأَنْ يَصُومَ خَامِسَ عَشْرَهُ وَتَالِيَهُ وَيَسْتَمِرَّ فَلَوْ أَفْطَرَ بَعْدَهُ يَوْمًا وَلَوْ بِعُذْرٍ امْتَنَعَ الصَّوْمُ ثُمَّ قَالَ قَالَ ق ل: وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ عَادَةٌ بِمَا صَامَهُ مِنْهُ اهـ.
وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ الَّتِي تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ مَعْنَاهَا أَنْ يَكُونَ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ نَظِيرُ مَا يُرِيدُ صَوْمَهُ كَأَنْ صَامَ الِاثْنَيْنِ مَرَّةً مَثَلًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَصُومَهُ فَيُقَالُ: إنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ عَادَةٌ فَلَا شَكَّ أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ الشَّهْرِ لَيْسَ نَظِيرَ مَا يُرِيدُ صَوْمَهُ نَعَمْ إنْ وَافَقَ صَوْمُهُ أَوَّلًا الْيَوْمَ الَّذِي يُرِيدُ صَوْمَهُ ثَانِيًا صَدُقَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَادَةٌ لَهُ وَلَكِنْ لَا يُعْمَلُ بِتِلْكَ الْعَادَةِ لِعَدَمِ تَقَدُّمِهَا عَلَى النِّصْفِ الثَّانِي فَلَا عِبْرَةَ بِهَا وَعِبَارَةُ الْخَطِيبِ وَلَوْ وَصَلَ النِّصْفَ الثَّانِيَ بِمَا قَبْلَهُ، ثُمَّ أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ النِّصْفِ الثَّانِي فَلَهُ صَوْمُ أَيَّامِهَا اهـ.
فَقَيَّدَ الْعَادَةَ بِكَوْنِهَا قَبْلَ النِّصْفِ الثَّانِي اهـ.
وَفِي تَوْجِيهِ الشَّرْقَاوِيِّ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَرَّةَ السَّابِقَةَ عَادَةٌ قَبْلَ النِّصْفِ الثَّانِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَحَدَّثَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ تَحَدُّثَ النَّاسِ بِهَا إنَّمَا يُفِيدُ كَوْنَهُ يَوْمَ شَكٍّ إذَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يُظَنَّ صِدْقُهُمْ وَلَمْ يُظَنَّ بِالْفِعْلِ وَمَعَ إطْبَاقِ الْغَيْمِ لَا يَكُونُ شَأْنُهُمْ ذَلِكَ