للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ لُبْثِهِ» وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَبِهِ جَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلَيْهِمَا مِنْ جَوَازِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَمْكُثْ، أَوْ عَجَزَ عَنْ الْخُرُوجِ

(وَلَيْسَ الِاغْمَا قَاطِعَا) لِلِاعْتِكَافِ بَلْ يُحْسَبُ مَعَهُ كَالنَّوْمِ

(وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ حَيْثُ خُصَّا) أَيْ: خَصَّهُ مَرِيدُ الِاعْتِكَافِ (بِالنَّذْرِ) لِاعْتِكَافِهِ (أَوْ) خُصَّ بِهِ (تَالِيهِ) بِإِسْكَانِ التَّاءِ أَيْ: تَالِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْفَضِيلَةِ وَهُوَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ (أَوْ فِي) أَيْ: أَوْ خُصَّ نَذْرُ الِاعْتِكَافِ بِالْمَسْجِدِ (الْأَقْصَى تَعَيَّنَ الْمَذْكُورُ) أَيْ: الْمَخْصُوصُ (أَوْ بَدِيلُهْ حَيْثُ هُوَ الْفَاضِلُ) عَلَى الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ

مِنْ زِيَادَتِهِ (لَا مَفْضُولُهُ) إيضَاحٌ وَتَكْمِلَةٌ فَإِذَا أَخَصَّ نَذْرَهُ بِالْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ لِزِيَادَةِ فَضِيلَتِهِ وَتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ، أَوْ بِالثَّانِي تَعَيَّنَ هُوَ، أَوْ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، أَوْ بِالثَّالِثِ تَعَيَّنَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا لِمَزِيدِ فَضْلِهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَوْ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ غَيْرَهَا لَمْ يَتَعَيَّنْ كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ لِلصَّلَاةِ لَكِنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي اعْتِكَافٍ مُتَوَالٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ إنْ خَرَجَ لِمَا لَا يَقْطَعُ الْوِلَاءَ كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَكَانَ الْمَسْجِدُ الْآخَرُ عَلَى مِثْلِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ فَأَقَلَّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ سَائِرَ مَسَاجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَأْبَاهُ وَكَذَا الْخَبَرُ السَّابِقُ وَعَلَى مَا قَالَهُ لَوْ خَصَّ نَذْرَهُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا فَالْأَوْجَهُ قِيَامُ غَيْرِهِ مِنْهَا مَقَامَهُ لِتَسَاوِيهَا فِي فَضِيلَةِ نِسْبَتِهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَدُخُولُ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ كَمَا فِي النَّظْمِ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْعَرَبِيُّ وَيَدْخُلُ أَيْضًا عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْعُرْفِيُّ وَهُوَ فِي كَلَامِ النَّظْمِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ، أَوْ فِي الْأَقْصَى إذْ فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ كَمَا قَرَّرْته

(كَالصَّلَاةِ) أَيْ: كَنَذْرِهِ لِلصَّلَاةِ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ إنْ عَيَّنَ الْأَوَّلَ تَعَيَّنَ، أَوْ غَيْرَهُ تَخَيَّرَ كَمَا مَرَّ وَدَلِيلُ تَفَاوُتِهَا فِي الْفَضِيلَةِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» مَعَ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَفْضَلُ مِنْ خَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» أَيْ: غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ هُوَ الْحَرَمُ كُلُّهُ وَنَقَلَهُ الْعُمْرَانِيُّ عَنْ الشَّرِيفِ الْعُثْمَانِيِّ ثُمَّ اخْتَارَ أَنَّهُ الْكَعْبَةُ وَمَا فِي الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ بِأَنَّهُ الْكَعْبَةُ، وَالْمَسْجِدُ حَوْلَهَا فَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي الْكَعْبَةِ كَفَى إتْيَانُهُ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ حَوْلَهَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ، وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ حَيْثُ خُصَّا) إذْ الصَّلَاةُ فِيهِ بِمِائَةِ أَلْفِ أَلْفِ أَلْفٍ ثَلَاثًا فِيمَا سِوَى الْمَسْجِدَيْنِ الْآتِيَيْنِ كَمَا أَخَذْته مِنْ الْأَحَادِيثِ وَبَسَطْتُهُ فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ حَجَرٌ

(قَوْلُهُ: بِإِسْكَانِ الْيَاءِ) أَيْ: لِلْوَزْنِ، أَوْ بِنَاءً عَلَى اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ وَهِيَ تَقْدِيرُ نَصْبِ الْيَاءِ فِي السَّعَةِ وَعَلَيْهَا قِرَاءَةُ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: ٨٩] بِإِسْكَانِ الْيَاءِ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي) يُمْكِنُ جَعَلَهُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ بِتَقْدِيرِ خُصَّ بِمَعْنَى حَضَرَ فَتَكُونُ فِي يَدِ حَالِهَا (قَوْلُهُ: حَيْثُ هُوَ) أَيْ: الْبَدِيلُ

(قَوْلُهُ: لَا مَفْضُولُهُ) أَيْ: الْمَذْكُورُ أَيْ: الْمَفْضُولُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَأْبَاهُ) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْله وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ السَّابِقُ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ قَوْلُهُ مَسْجِدِي هَذَا بِرّ (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَا قَالَهُ إلَخْ) عَلَيْهِ أَيْضًا الظَّاهِرُ أَنَّ شَيْئًا مِنْهَا لَا يَقُومُ مَقَامَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، أَوْ الْأَقْصَى وَهَلْ مَسْجِدُ قُبَاءَ عَلَى تَعَيُّنِهِ فِي رُتْبَتِهِمَا فِيهِ نَظَرٌ وَكَتَبَ أَيْضًا بَحَثَ بَعْضُهُمْ تَعَيُّنَ مَسْجِدِ قُبَاءَ لِأَنَّ رَكْعَتَيْنِ فِيهِ كَعُمْرَةٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا لَا يَقُومُ مَقَامَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَلَا الْأَقْصَى مَعَ أَنَّ فِي الْإِلْحَاقِ نَظَرًا م ر (قَوْلُهُ: تُخُيِّرَ كَمَا مَرَّ) أَيْ: عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ

ــ

[حاشية الشربيني]

تَذَكُّرٍ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا إذَا لَمْ يَمْكُثْ) فَإِذَا لَمْ يَمْكُثْ تَخَيَّرَ بَيْنَ الْغُسْلِ فِيهِ وَخَارِجَهُ عَلَى السَّوَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ اهـ شَيْخُنَا ذ

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْإِغْمَاءُ قَاطِعًا) وَلَوْ اسْتَغْرَقَ الْإِغْمَاءُ مُدَّةَ الِاعْتِكَافِ مَا عَدَا الْجُزْءَ الَّذِي أَوْقَعَ الِاعْتِكَافَ فِيهِ فَهُوَ كَالصَّوْمِ يَكْفِي فِيهِ لَحْظَةٌ بِلَا إغْمَاءٍ وَمَا قِيلَ إنَّ زَمَنُ النِّيَّةِ لَيْسَ مِنْ مُدَّةِ الِاعْتِكَافِ فَقَدْ اسْتَغْرَقَ الْإِغْمَاءُ مُدَّةَ الِاعْتِكَافِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ زَمَنَهَا مِنْهُ يَتَبَيَّنُ بِآخِرِهَا الِانْعِقَادُ بِأَوَّلِهَا. اهـ. شَيْخُنَا ذ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا) فَالصَّلَاةُ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ بِبَاقِي الْمَسَاجِدِ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ م ر وَقَالَ حَجَرٌ: الصَّلَاةُ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ بِمِائَةِ أَلْفِ أَلْفِ أَلْفِ صَلَاةٍ مُكَرَّرَةٍ ثَلَاثًا بِبَاقِي الْمَسَاجِدِ وَوَجْهُهُ فِي التُّحْفَةِ فَانْظُرْهُ (قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْجِدِي هَذَا) الْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ مَا زِيدَ فِيهِ وَهَذَا مَا اعْتَمَدَهُ مُتَأَخِّرُو أَئِمَّتِنَا تَبَعًا لِلنَّوَوِيِّ وَقِيلَ يَعُمُّ سَائِرَ مَا زِيدَ فِيهِ وَنُقِلَ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمَدِينَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ. اهـ. مَدَنِيٌّ وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ مَحَلُّ تَعَيُّنِ مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا عَيَّنَهُ كَأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ أَوْ أَرَادَ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ لَفْظًا وَنِيَّةً فَلَا يَتَعَيَّنُ لِصِدْقِهِ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي حُكْمُهَا كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِعَدَمِ الْمُضَاعَفَةِ فِيهَا. اهـ. سم. اهـ. مَدَنِيٌّ

(قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ خَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَعْدِلُ مِائَتَيْ صَلَاةٍ فِي الْأَقْصَى؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ فِي غَيْرِهِ وَمِائَتَانِ فِي خَمْسِمِائَةٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: فِيمَا سِوَاهُ) يَشْمَلُ الْأَقْصَى، وَالصَّلَاةُ فِيهِ بِخَمْسِمِائَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>