للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ سَعْيَهُ بَعْدَ طَوَافِ الرُّكْنِ (فَغَيْرُ آثِمِ) بِإِعَادَتِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ إعَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قُرْبَةً فِي نَفْسِهِ بَلْ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ وَعَنْ الْجُوَيْنِيِّ تُكْرَهُ إعَادَتُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ فَإِنَّهُ خَاتِمَةُ الْمَنَاسِكِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعِمْرَانِيِّ وَالشَّيْخِ نَصْرٍ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ لِلْخُرُوجِ إلَى مِنًى قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَقْيِيدُهُ بِالْقُدُومِ أَوْ الْإِفَاضَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَصُورَتُهُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ طَوَافَ الْوَدَاعِ الْمَذْكُورِ طَوَافُ قُدُومٍ وَإِلَّا فَيَصِحُّ السَّعْيُ بَعْدَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاقِعٌ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا وُقُوفٌ وَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ أَرْكَانَ النُّسُكَيْنِ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَيَزِيدُ الْحَجُّ بِالْوُقُوفِ وَلَمْ يَعُدُّوا التَّرْتِيبَ رُكْنًا وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِتَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى الْكُلِّ وَالطَّوَافِ عَلَى السَّعْيِ فِي النُّسُكَيْنِ وَبِتَقْدِيمِ الْوُقُوفِ عَلَى طَوَافِ الرُّكْنِ وَالْحَلْقِ فِي الْحَجِّ وَبِتَقْدِيمِ السَّعْيِ عَلَى الْحَلْقِ فِي الْعُمْرَةِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ عَدُّهُ رُكْنًا كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ، وَلَا يَقْدَحُ عَدَمُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ فِي الْحَجِّ كَمَا لَا يَقْدَحُ عَدَمُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ لَكِنْ عَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ شَرْطًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ.

وَلِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: تَمَتُّعٌ وَقِرَانٌ وَإِفْرَادٌ وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا وَبَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ أَخَذَ النَّاظِمُ فِي بَيَانِهَا وَبَيَانِ الْأَفْضَلِ مِنْهَا فَقَالَ (تَمَتُّعُ الْإِنْسَانِ بِالْإِحْرَامِ بِعُمْرَةٍ أَشْهُرَ حَجِّ الْعَامِ) بِزِيَادَتِهِ الْعَامِ تَكْمِلَةً (وَهْوَ عَلَى مِقْدَارِ) مَسَافَةِ (قَصْرٍ) فَأَكْثَرَ (مِنْ حَرَمْ) مَكَّةَ (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ الْعُمْرَةَ يُحْرِمُ (بِحَجِّ عَامِ هَذِهِ) الْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ (وَلَمْ يَعُدْ لِمِيقَاتٍ) مِنْ الْمَوَاقِيتِ وَلَا لِمِثْلِهِ مَسَافَةً (مِنْ الْقِرَانِ أَفْضَلُ) أَيْ: تَمَتُّعُ الْإِنْسَانِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَانِهِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَسُمِّيَ تَمَتُّعًا لِتَمَتُّعِ صَاحِبِهِ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَهُمَا وَقَدَّمَ فِي النَّظْمِ مَعْمُولَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ عَلَيْهِ لِلْوَزْنِ كَمَا قَدَّمَهُ جَرِيرٌ لِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ

إذَا سَايَرَتْ أَسْمَاءَ يَوْمًا ظَعِينَةٌ ... فَأَسْمَاءُ مِنْ تِلْكَ الظَّعِينَةِ أَمْلَحُ

وَخَرَجَ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ أَنْ يُسَمَّى تَمَتُّعًا أَيْ: مُوجِبًا لِلدَّمِ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] وَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ وَقَعَ أَعْمَالُهَا فِي أَشْهُرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْحَجِّ فَأَشْبَهَ الْمُفْرِدَ.

وَذَكَرَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ مَنُوطٌ بِرِبْحِ الْمِيقَاتِ وَبِوُقُوعِ الْعُمْرَةِ بِتَمَامِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَا يَزْحَمُونَ بِهَا الْحَجَّ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ وَيَسْتَنْكِرُونَ ذَلِكَ فَوَرَدَ التَّمَتُّعُ رُخْصَةً لِلْآفَاقِيِّ إذْ قَدْ يَشُقُّ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية العبادي]

كَالْوُقُوفِ وَالْحَلْقِ اهـ. وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ بَعْدَ انْتِصَافِ لَيْلَةِ النَّحْرِ قَبْلَ الْوُقُوفِ امْتَنَعَ السَّعْيُ وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ: إنَّ الْحَلْقَ لَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ كَمَا قَالَ فِي الْعُبَابِ وَأَوَّلُ وَقْتِ غَيْرِهِ أَيْ: غَيْرِ الذَّبْحِ مِنْ الْحَلْقِ وَغَيْرِهِ لِمَنْ وَقَفَ مِنْ انْتِصَافِ لَيْلَةِ النَّحْرِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَدَلَّ قَوْلُهُ: لِمَنْ وَقَفَ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ وَقْتِ الْحَلْقِ قَبْلَ الْوُقُوفِ.

. (قَوْلُهُ: عَنْ أَنْ يُسَمَّى تَمَتُّعًا) أَيْ: مُوجِبًا لِلدَّمِ هَذَا صَادِقٌ بِأَنْ لَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا مُطْلَقًا كَمَا فِي أَوَّلِ الْمُخْرِجَاتِ فَإِنَّهُ إفْرَادٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَوْ يُسَمَّى تَمَتُّعًا فِي الْجُمْلَةِ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ الدَّمَ كَمَا فِي بَاقِي الْمُخْرِجَاتِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ: بِرِبْحِ الْمِيقَاتِ) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا مِنْ مِيقَاتِهِ لَاحْتَاجَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ إلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ فَيُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَإِذَا تَمَتَّعَ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ شَرْحُ الرَّوْضِ.

ــ

[حاشية الشربيني]

اهـ. ق ل. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ خَاتِمَةُ الْمَنَاسِكِ) وَحَيْثُ بَقِيَ السَّعْيُ لَا يَكُونُ خَاتِمَةً فَلَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ وَأَمَّا السَّعْيُ فَهُوَ وَاقِعٌ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَيُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً. اهـ. شَيْخُنَا ذ. (قَوْلُهُ: خَاتِمَةَ الْمَنَاسِكِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ اهـ شَرْحُ عب لِحَجَرٍ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ) مَا فِي الْمَجْمُوعِ يُفْهِمُهُ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ خَاتِمَةُ الْمَنَاسِكِ إذْ طَوَافُ الْوَدَاعِ لِلْخُرُوجِ إلَى مِنًى يَوْمَ الثَّانِي لَيْسَ خَاتِمَةَ الْمَنَاسِكِ وَمِثْلُهُ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ قَبْلَ الْوُقُوفِ لِحَاجَةٍ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ وَإِذَا عَادَ جَازَ لَهُ السَّعْيُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ إذْ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ السَّعْيِ وَالطَّوَافِ لَيْسَ شَرْطًا لَكِنْ رَدَّ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَكَذَا رَدَّهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ غَرِيبٌ مَرْدُودٌ إنْ اعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَالُوا يُجْزِئُ بَعْدَ كُلِّ طَوَافٍ صَحِيحٍ وَلَوْ نَفْلًا اهـ وَإِنَّمَا قَالَ فِي التَّصْوِيرِ الْمَذْكُورِ وَإِذَا عَادَ جَازَ لَهُ السَّعْيُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَعَى قَبْلَ خُرُوجِهِ لَمْ يَكْفِ هَذَا الطَّوَافُ لِلْوَدَاعِ لِتَخَلُّلِ السَّعْيِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُرُوجِ. (قَوْلُهُ وَالطَّوَافُ) وَلَا تَجِبُ نِيَّتُهُ إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ نُسُكٍ عَلَى الْأَصَحِّ. (قَوْلُهُ: وَبِتَقْدِيمِ السَّعْيِ عَلَى الْحَلْقِ فِي الْعُمْرَةِ) فَأَعْمَالُ الْعُمْرَةِ وَهِيَ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ كُلُّهَا مُرَتَّبَةٌ. (قَوْلُهُ: عَدَّهُ رُكْنًا) رَجَّحَهُ حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَلَى جَعْلِهِ شَرْطًا وَاسْتَدَلَّ بِمَا يَطُولُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَكَانَ وَاجِبًا غَيْرَ رُكْنٍ فَكَانَ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ وَلَا يَبْطُلُ مَا أَتَى بِهِ غَيْرَ مُرَتَّبٍ.

. (قَوْلُهُ وَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ) أَيْ: ثُمَّ حَجَّ فِي أَشْهُرِهِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذَا تَمَتُّعٌ وَمِثْلُهُ فِي الْعُبَابِ فِي مَوْضِعٍ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ إفْرَادٌ وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ بَلْ صَرَّحَ الْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْإِفْرَادُ الَّذِي يَخْتَارُهُ الشَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بِأَنَّ هَذَا مِنْ صُوَرِ الْإِفْرَادِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ حَجَرٌ فِي شَرْحِ عب وَلَا تَنَاقُضَ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ وَعَلَى الثَّانِي فَتَقْيِيدُ الْمَجْمُوعِ أَفْضَلِيَّتَهُ بِأَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعْتَمِرَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. (قَوْلُهُ: وَبِوُقُوعِ إلَخْ) أَيْ: مَعَ وُقُوعِ إلَخْ إذْ لَوْ أَحْرَمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>