للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَعْدَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا صَحَّ إحْرَامُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْمَنْعَ فَصَارَ كَمَنْ أَحْرَمَ وَتَزَوَّجَ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ كَانَ إحْرَامُهُ قَبْلَ تَزَوُّجِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ (لَا الْعَكْسُ) أَيْ: إدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ شَيْئًا بِخِلَافِ إدْخَالِهِ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ يَسْتَفِيدُ بِهِ الْوُقُوفَ وَالرَّمْيَ وَالْمَبِيتَ وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ إدْخَالُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ كَفِرَاشِ النِّكَاحِ مَعَ فِرَاشِ الْمِلْكِ لِقُوَّتِهِ عَلَيْهِ جَازَ إدْخَالُهُ عَلَيْهِ دُونَ الْعَكْسِ حَتَّى لَوْ نَكَحَ أُخْتَ أَمَتِهِ جَازَ وَطْؤُهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ.

. (وَفِي إفْرَادِهِ) الْآتِي بَيَانُهُ (فَضْلٌ عَلَيْهِمَا) أَيْ: التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ (وَفِي) أَيْ: تَامٌّ؛ لِأَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ وَلِأَنَّ جَابِرًا مِنْهُمْ أَقْدَمُ صُحْبَةً وَأَشَدُّ عِنَايَةً بِضَبْطِ الْمَنَاسِكِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَارَهُ أَوَّلًا كَمَا سَيَأْتِي وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلِأَنَّ الْمُفْرِدَ لَمْ يَرْبَحْ مَا رَبِحَهُ الْمُتَمَتِّعُ مِنْ اسْتِبَاحَةِ الْمَحْظُورَاتِ وَلَا مَا رَبِحَهُ الْقَارِنُ مِنْ انْدِرَاجِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ تَحْتَ الْحَجِّ فَهُوَ أَشَقُّ عَمَلًا وَأَمَّا تَمَنِّيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّمَتُّعَ بِقَوْلِهِ «لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا أَهْدَيْت وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً» فَلِتَطِيبِ قُلُوبِ الصَّحَابَةِ حَيْثُ حَزِنُوا عَلَى عَدَمِ الْمُوَافَقَةِ لَهُ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالِاعْتِمَارِ لِعَدَمِ الْهَدْيِ.

قَالَ الْقَاضِي: وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْخَبَرِ مِنْ أَنَّ الْإِهْدَاءَ يَمْنَعُ الِاعْتِمَارَ غَيْرُ مُرَادٍ إجْمَاعًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالصَّوَابُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ وَخَصَّ بِجَوَازِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِلْحَاجَةِ وَأَمَرَ بِهِ فِي قَوْلِهِ لَبَّيْكَ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ وَبِهَذَا يَسْهُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْإِفْرَادِ وَهُمْ الْأَكْثَرُ أَوَّلُ الْإِحْرَامِ وَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْقِرَانِ آخِرُهُ وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ وَقَدْ انْتَفَعَ بِالِاكْتِفَاءِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عُمْرَةً مُفْرَدَةً وَلَوْ جَعَلْت حَجَّتَهُ مُفْرَدَةً لَكَانَ غَيْرَ مُعْتَمِرٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ فَانْتَظَمَتْ الرِّوَايَاتُ فِي حَجَّتِهِ فِي نَفْسِهِ وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَكَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قِسْمٌ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجٍّ وَمَعَهُمْ هَدْيٌ وَقِسْمٌ بِعُمْرَةٍ فَفَرَغُوا مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ وَقِسْمٌ بِحَجٍّ وَلَا هَدْيَ مَعَهُمْ فَأَمَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْلِبُوهُ عُمْرَةً وَهُوَ مَعْنَى فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَهُوَ خَاصٌّ بِالصَّحَابَةِ أَمَرَهُمْ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيَانِ مُخَالَفَةِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ إيقَاعَهَا فِيهِ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ كَمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ لِذَلِكَ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ شَيْئًا) أَيْ: مِنْ الْأَعْمَالِ. (قَوْلُهُ: لِقُوَّتِهِ) أَيْ: فِرَاشِ النِّكَاحِ وَقَوْلُهُ: عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى فِرَاشِ الْمِلْكِ وَالْمُرَادُ بِجَوَازِ إدْخَالِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ ثَبَتَ هُوَ أَيْ: فِرَاشُ النِّكَاحِ دُونَهُ أَيْ: فِرَاشِ الْمِلْكِ بَلْ يَنْقَطِعُ لِوُجُودِ فِرَاشِ النِّكَاحِ وَقَوْلُهُ: دُونَ الْعَكْسِ أَيْ: لَا يَدْخُلُ فِرَاشُ الْمِلْكِ عَلَى فِرَاشِ النِّكَاحِ فَإِذَا طَرَأَ فِرَاشُ الْمِلْكِ عَلَى فِرَاشِ النِّكَاحِ لَمْ يَثْبُتْ فِرَاشُ الْمِلْكِ وَيَسْتَمِرُّ فِرَاشُ النِّكَاحِ. وَقَوْلُهُ حَتَّى لَوْ نَكَحَ أُخْتَ أَمَتِهِ جَازَ وَطْؤُهَا أَيْ: فَقَدْ ثَبَتَ فِرَاشُ النِّكَاحِ دُونَ فِرَاشِ الْمِلْكِ حَيْثُ جَازَ الْوَطْءُ فِيهِ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ أَيْ: لَوْ مَلَكَ أُخْتَ زَوْجَتِهِ امْتَنَعَ وَطْؤُهَا فَلَمْ يَثْبُتْ فِرَاشُ الْمِلْكِ الطَّارِئِ عَلَى فِرَاشِ النِّكَاحِ بِضَعْفِهِ عَنْهُ وَاسْتَمَرَّ جَوَازُ الْوَطْءِ بِفِرَاشِ النِّكَاحِ فَقَدْ اسْتَمَرَّ فِرَاشُ النِّكَاحِ سم. (قَوْلُهُ: جَازَ وَطْؤُهَا إلَخْ) فَقَدْ ثَبَتَ فِرَاشُ النِّكَاحِ الطَّارِئِ عَلَى فِرَاشِ الْمِلْكِ دُونَ فِرَاشِ الْمِلْكِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعَكْسِ) أَيْ: لَوْ مَلَكَ أُخْتَ زَوْجَتِهِ لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا فَلَمْ يَثْبُتْ فِرَاشُ الْمِلْكِ الطَّارِئِ عَلَى فِرَاشِ النِّكَاحِ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَرْبَحْ مَا رَبِحَهُ الْمُتَمَتِّعُ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ فَإِنَّ الْمُفْرِدَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ يَسْتَبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ إلَى الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ الرِّبْحُ فِي وَقْتِ الْحَجِّ وَفِيهِ مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْخَبَرِ إلَخْ) أَيْ: فَالْخَبَرُ مَصْرُوفٌ عَنْ ظَاهِرِهِ فَضَعُفَ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ التَّمَتُّعِ عَلَى الْإِفْرَادِ عَامَ حَجِّهِ بِأَنْ لَا يُؤَخِّرَهُ عَنْ ذِي الْحِجَّةِ حَجَرٌ -.

ــ

[حاشية الشربيني]

أَفْضَلُهَا.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ أَخَذَ إلَخْ) أَيْ: وَالتَّحَلُّلُ مُقْتَضٍ لِنُقْصَانِ الْإِحْرَامِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ إدْخَالُ الْإِحْرَامِ الْمُقْتَضِي لِقُوَّتِهِ. اهـ. م ر.

. (قَوْلُهُ: رُوَاتَهُ أَكْثَرُ) وَلَا يَضُرُّ مَا فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْإِفْرَادِ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَالْقِرَانِ عَنْ عَشَرَةٍ وَالتَّمَتُّعِ عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إذْ لَمْ يُحْصَرْ الرُّوَاةُ فِي ذَلِكَ بِدَلِيلِ زِيَادَتِهِ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي رُوَاةِ الْإِفْرَادِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. اهـ. مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ) بِخِلَافِ الْقِرَانِ فَإِنَّهُ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ وَكَذَا التَّمَتُّعُ. (قَوْلُهُ فَلِتَطْيِيبِ إلَخْ) فَالْمُوَافَقَةُ لِتَحْصِيلِهَا هَذَا الْمَعْنَى أَهَمُّ عِنْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ فَضِيلَةٍ خَاصَّةٍ بِالنُّسُكِ. اهـ. شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: وَأَمَرَ بِهِ) أَيْ: بِإِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِهِ مُفْرَدًا لِلْمَصْلَحَةِ الْآتِيَةِ. (قَوْلُهُ قُلُوبِ الصَّحَابَةِ) أَيْ: مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُمْ. اهـ. رَشِيدِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَمَّا أَمَرَهُمْ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ مُوَافَقَتِهِمْ لَهُ. (قَوْلُهُ: فِي قَوْلِك لَبَّيْكَ إلَخْ) كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَيْضًا وَفِي الْبُخَارِيِّ «أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي وَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَقَالَ «عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ» اهـ فَلَعَلَّ الْمَعْنَى هُنَا قُلْ لَبَّيْكَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الصَّحَابَةُ إلَخْ) يَحْتَاجُ هَذَا لِعِنَايَةٍ فِي مُوَافَقَتِهِ لِحَدِيثِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ يَنْتَظِرُونَ الْقَضَاءَ فَأَمَرَ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ أَنْ يَجْعَلَ إحْرَامَهُ عُمْرَةً» إلَخْ بِأَنْ يُقَالَ قِسْمٌ أَحْرَمُوا إلَخْ أَيْ: بَعْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ وَكَانُوا أَوَّلًا مُطْلَقِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَلَا هَدْيَ مَعَهُ كَأَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي انْتِظَارِ الْقَضَاءِ وَفِي شَرْحِ عب لِحَجَرٍ عَنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّ مَعْنَى انْتِظَارِ الْوَحْيِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُ الْحَجُّ مَنْ أَحْرَمَ بِهِ أَوَّلَهُ مِنْهُ مُخْرَجٌ بِالْفَسْخِ جَاءَهُ الْوَحْيُ بِأَنَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَحِلُّ مِنْ إحْرَامِهِ حَتَّى يَذْبَحَ اهـ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا أَوْلَى مِنْ هَذَا فَتَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>