للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ الْحَجَرَ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَآهُ سَجَدَ عَلَيْهِ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتَلَمَهُ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ وَقَالَ مَا تَرَكْته مُنْذُ رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَبِّلُ يَدَهُ بَعْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ بِهَا مَعَ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مَنْسَكِهِ وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ لَكِنْ الشَّيْخَانِ خَصَّاهُ بِتَعَذُّرِ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَأَنْ يُخَفِّفَ الْقُبْلَةَ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهَا صَوْتٌ وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ تَقْبِيلٌ وَلَا اسْتِلَامٌ إلَّا عِنْدَ خُلُوِّ الْمَطَافِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَمِثْلُهُنَّ الْخَنَاثَى (ثُمَّ عَلَى مَسِّ الْيَمَانِي يُقْبِلُ) أَيْ: وَيُسَنُّ أَنْ يُقَبِّلَ عِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ عَلَى اسْتِلَامِهِ فَيَسْتَلِمُهُ ثُمَّ يُقَبِّلُ يَدَهُ وَلَا يُقَبِّلُهُ وَيَفْعَلُ جَمِيعَ ذَلِكَ (فِي كُلِّ مَرَّةٍ) وَلَا يُسَنُّ أَنْ يُقَبِّلَ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ وَلَا يَسْتَلِمَهُمَا لِتَخَلُّفِهِمَا عَنْ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ» فَلَوْ قَبَّلَهُمَا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ الْبَيْتِ أَوْ اسْتَلَمَ ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ وَلَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى بَلْ هُوَ حَسَنٌ كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَأَيُّ الْبَيْتِ قَبَّلَ فَحَسَنٌ غَيْرَ أَنَّا نَأْمُرُ بِالِاتِّبَاعِ (وَوِتْرًا) أَيْ: وَفِعْلُ ذَلِكَ فِي الْوِتْرِ (أَوْكَدُ) لِأَنَّهُ أَفْضَلُ (وَعِنْدَ زَحْمَةٍ) تَمْنَعُ تَقْبِيلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (يُمَسُّ الْأَسْوَدُ) بِالْيَدِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَبِعَصًا أَوْ نَحْوِهَا (ثُمَّ) إنْ تَعَذَّرَ مَسُّهُ أَوْ مَسُّ الْيَمَانِيِّ بِمَا ذُكِرَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ (يُشَارُ) إلَيْهِ بِذَلِكَ ثُمَّ يُقَبِّلُ مَا مَسَّ أَوْ أَشَارَ بِهِ وَلَا يُشِيرُ بِالْفَمِ إلَى التَّقْبِيلِ وَمَا تَقَرَّرَ لِلْحَجَرِ يَأْتِي لِمَوْضِعِهِ لَوْ قُلِعَ مِنْهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الدَّارِمِيِّ وَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي مُحَاذَاتِهِ فِي الِابْتِدَاءِ.

(وَ) السُّنَّةُ فِي الطَّوَافِ (الدُّعَاءُ) قَالَ الْأَصْحَابُ فَيَقُولُ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ وَالْأُولَى آكَدُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُبَالَةَ الْبَابِ اللَّهُمَّ الْبَيْتُ بَيْتُك وَالْحَرَمُ حَرَمُك وَالْأَمْنُ أَمْنُك وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك مِنْ النَّارِ وَيُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى الرُّكْنِ الْعِرَاقِيِّ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشَّكِّ وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى تَحْتِ الْمِيزَابِ اللَّهُمَّ أَظَلَّنِي فِي ظِلِّك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّك وَاسْقِنِي بِكَأْسِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَابًا هَنِيئًا لَا أَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَبَيْنَ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ وَالْيَمَانِيِّ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَعَمَلًا مَقْبُولًا وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ يَا عَزِيزُ يَا غَفُورُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْمَنَاسِكِ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يَقُولَ عُمْرَةً مَبْرُورَةً وَيُحْتَمَلُ اسْتِحْبَابُ التَّعْبِيرِ بِالْحَجِّ مُرَاعَاةً لِلْحَدِيثِ وَيَقْصِدُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الْقَصْدُ وَبَيْنَ الْيَمَانِيَّيْنِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ فِي جَمِيعِ طَوَافِهِ وَمَأْثُورُ الدُّعَاءِ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ مَأْثُورِهِ.

(وَرَمَلْ غَيْرُ النِّسَاءِ) لَوْ عَبَّرَ بِالرَّجُلِ كَالْحَاوِي كَانَ أَوْلَى أَيْ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمُلَ الرَّجُلُ حَتَّى الصَّبِيُّ مُسْتَوْعِبًا بِهِ الْبَيْتَ (فِي) الْأَشْوَاطِ (الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا وَالرَّمَلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى وَيُسَمَّى الْخَبَبَ أَوْ لَوْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا حَرَّكَ الدَّابَّةَ وَرَمَلَ بِهِ الْحَامِلُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَتُكْرَهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِسْرَاعِ بَلْ يَرْمُلُ عَلَى الْعَادَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ وَأَقَرَّهُ (أَيْ فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ) مَطْلُوبٍ لِلِاتِّبَاعِ

ــ

[حاشية العبادي]

إلَّا فِيمَا وَرَدَ.

(قَوْلُهُ: وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ) ثَلَاثًا وَحِينَئِذٍ فَالْأَكْمَلُ أَخْذًا مِنْ تَقْدِيمِهِمْ فِي الْعِبَارَةِ أَنْ يَبْدَأَ بِالِاسْتِلَامِ ثَلَاثًا ثُمَّ التَّقْبِيلِ كَذَلِكَ ثُمَّ السُّجُودِ كَذَلِكَ حَجَرٌ إيضَاحٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَفْضَلُ) لِمَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: يَمَسُّ الْأَسْوَدَ) أَيْ: يَقْتَصِرُ عَلَى مَسِّهِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُشَارُ إلَخْ) وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِلَامَ وَالْإِشَارَةَ إنَّمَا يَكُونَانِ بِالْيَدِ الْيَمِينِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْيُسْرَى عَلَى الْأَقْرَبِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ شَرْحُ رَوْضٍ.

. (قَوْلُهُ: وَيُشِيرُ) أَيْ: بِاسْمِ الْإِشَارَةِ أَيْ: يُرِيدُ بِهِ مَقَامَ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ فَيَكُونُ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمَ هُوَ الْمُرَادُ بِالْعَائِذِ مِنْ النَّارِ وَهَلْ تُطْلَبُ الْإِشَارَةُ بِيَدِهِ إلَى الْمَقَامِ مَعَ إطْلَاقِ اسْمِ الْإِشَارَةِ عَلَيْهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: وَمَأْثُورُ الدُّعَاءِ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلذِّكْرِ وَهَلْ وَإِنْ ضَعُفَ خَبَرُهُ لَا يَبْعُدُ نَعَمْ. (قَوْلُهُ: لَوْ عَبَّرَ) بِالرَّجُلِ الْمُخْرِجِ لِلْخُنْثَى. (قَوْلُهُ: الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَهُوَ خُطًا مُتَقَارِبَةٌ بِسُرْعَةٍ لَا عَدْوَ فِيهِ وَلَا وَثْبَ اهـ.

ــ

[حاشية الشربيني]

الْحُرْمَةُ حِينَئِذٍ م ر أَوْ يُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لمر. .

. (قَوْلُهُ: لَكِنْ الشَّيْخَانِ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ. مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ: الِاسْتِقْصَاءِ) هُوَ شَرْحُ الْمُهَذَّبِ لِأَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ. (قَوْلُهُ: فَحَسَنٌ) أَيْ: مُبَاحٌ فَانْدَفَعَ اسْتِغْرَابُ الْأَذْرَعِيِّ لَهُ وَاسْتِشْكَالُهُ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ وَحِينَئِذٍ لَا يُنَافِيهِ أَيْضًا قَوْلُهُ: لَوْ نُؤْمَرُ بِالِاتِّبَاعِ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ زَحْمَةٍ إلَخْ) مِثْلُهُ الْيَمَانِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَبِّلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِهِ عَلَى مَا فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ تَقْبِيلُهُ أَيْضًا كَمَا قَالَ الرَّمْلِيُّ وَابْنُهُ وَحَجَرٌ وَغَيْرُهُمْ. اهـ. مَدَنِيٌّ ثُمَّ رَأَيْت الشَّرْحَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَيُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَالنُّكْتَةُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ تَذَكَّرَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ مَعَ كَمَالِهِ الْأَكْبَرِ وَخِلَّتِهِ الْعُظْمَى فَغَيْرُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ فَفِيهِ حَمْلُ النَّفْسِ بِبَيِّنَةٍ أَظْهَرَ عَلَى تَرْكِ مُوجِبِ النَّارِ اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>