وَغَيْرِهِمَا وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (الْمَتْرُوكَ) مَنْ رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَوْ عَمْدًا بِالنَّصِّ فِي الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَبِالْقِيَاسِ فِي غَيْرِهِمْ حَالَةَ كَوْنِ تَدَارُكِ الْمَتْرُوكِ (سَابِقًا) عَلَى رَمْيِ الْيَوْمِ رِعَايَةً لِلتَّرْتِيبِ فِي الزَّمَانِ كَرِعَايَتِهِ فِي الْمَكَانِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَدَارَكَ يَقَعُ (أَدَا) وَإِلَّا لَمَا دَخَلَهُ التَّدَارُكُ كَالْوُقُوفِ بَعْدَ فَوَاتِهِ فَجُمْلَةُ أَيَّامِ الرَّمْيِ كَوَقْتٍ وَاحِدٍ وَكُلُّ يَوْمٍ لِرَمْيَيْهِ وَقْتُ اخْتِيَارٍ كَوَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلصَّلَاةِ وَمَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ جَوَازِ تَرْكِ رَمْيِ يَوْمَيْنِ وَوُقُوعِهِ أَدَاءً بِالتَّدَارُكِ لَا يَشْكُلُ بِقَوْلِهِمْ لَيْسَ لِلْمَعْذُورِينَ أَنْ يَدْعُوا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَأَنَّهُمْ يَقْضُونَ مَا فَاتَهُمْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي تَارِكِ الرَّمْيِ فَقَطْ وَهُنَاكَ فِي تَارِكِهِ مَعَ الْبَيَاتِ بِمِنًى وَالتَّعْبِيرُ بِالْقَضَاءِ لَا يُنَافِي الْأَدَاءَ.
(وَتَرْكِ كُلٍّ) أَيْ: كُلِّ رَمَيَاتِ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَثَلَاثٍ) أَيْ: أَوْ ثَلَاثِ رَمَيَاتٍ مِنْ غَيْرِ تَدَارُكٍ لِذَلِكَ (فِيهِ دَمْ) يَأْتِي بَيَانُهُ لِاتِّحَادِ جِنْسِ الرَّمْيِ فِي الْأَوَّلِ كَحَلْقِ الرَّأْسِ وَلِمُسَمَّى الْجَمْعِ فِي الثَّانِي كَحَلْقِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ كَمَا سَيَأْتِي رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمِ النَّحْرِ وَرَمْيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ دَمَانِ لِاخْتِلَافِ الرَّمْيَيْنِ قَدْرًا وَوَقْتًا وَحُكْمًا لِتَأْثِيرِ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي التَّحَلُّلِ دُونَ غَيْرِهِ (وَ) فِي تَرْكِ (فَرْدَةٍ) أَيْ: رَمْيَةٍ (مُدٌّ) مِنْ الطَّعَامِ وَفِي تَرْكِ رَمْيَتَيْنِ مُدَّانِ لِعُسْرِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ الشَّارِحِ أَوَّلًا وَآخِرًا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَعْذُورِ تَرْكُ رَمْيِ يَوْمَيْنِ مَعَ الْإِتْيَانِ بِالْمَبِيتِ وَتَرْكِ مَبِيتِ لَيْلَتَيْنِ مَعَ الْإِتْيَانِ بِالرَّمْيِ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَرْكُ رَمْيِ يَوْمَيْنِ وَمَبِيتِ لَيْلَتَيْنِ مَعًا وَقَدْ اعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَا نَصُّهُ وَأَمَّا جَوَابُ بَعْضِهِمْ عَنْ قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ مِنْ التَّنَاقُضِ الْعَجِيبِ قَوْلُهُمَا يَجُوزُ لِذَوِي الْأَعْذَارِ تَأْخِيرُ رَمْيِ يَوْمٍ لَا يَوْمَيْنِ مَعَ تَصْحِيحِهِمَا أَنَّ لِغَيْرِهِمْ تَأْخِيرَ رَمْيِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ مِنًى كَالْوَقْتِ الْوَاحِدِ بِأَنَّ هَذَا فِيمَنْ بَاتَ لَيَالِيَ مِنًى وَذَلِكَ فِي ذِي عُذْرٍ لَمْ يَبِتْهُمَا فَامْتِنَاعُ التَّأْخِيرِ لِتَرْكِهِ شِعَارَ الْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ فَيُرَدُّ بِأَنَّ مَا تُرِكَ لِلْعُذْرِ بِمَنْزِلَةِ الْمَأْتِيِّ بِهِ فِي عَدَمِ الْإِثْمِ فَلَمْ يُنَاسِبْ التَّضْيِيقَ بِذَلِكَ مَعَ الْعُذْرِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ فِي الْمَوْضُوعَيْنِ مِنْ غَيْرِ مَعْنًى يَشْهَدُ لَهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا لِوَجْهِ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنْ يَجُوزَ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَلَا يَجُوزُ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْحِلِّ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ. ح ج. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَلَامَ إلَخْ) يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِحَمْلِ قَوْلِهِمْ لَيْسَ لِلْمَعْذُورِينَ عَلَى نَفْيِ الْحِلِّ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ بِرّ. (قَوْلُهُ: لِتَأْثِيرِ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ حُكْمًا. (قَوْلُهُ: وَفَرْدَةٍ مُدٌّ) لَوْ شَكَّ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ هَلْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ رَمْيِهَا أَوْ لَا لَمْ يَضُرَّ كَمَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ هَلْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا أَوْ لَا م ر. (قَوْلُهُ: يُذَمُّ بِهِ الْمُحْرِمُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ نَائِبَ فَاعِلِ يُذَمُّ ضَمِيرُ الْمُحْرِمِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بَلْ يَصِحُّ إسْنَادُ الْفِعْلِ إلَى ضَمِيرِ الْحَلْقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. (قَوْلُهُ: وَفِي شَعْرَةٍ مُدٌّ وَشَعْرَتَيْنِ مُدَّانِ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَفِي شَعْرَةٍ أَوْ ظُفْرٍ مُدٌّ وَفِي اثْنَيْنِ مُدَّانِ إنْ اخْتَارَ دَمًا اهـ. قَالَ فِي شَرْحِهِ فَإِنْ اخْتَارَ الطَّعَامَ فَفِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَاعٌ وَفِي اثْنَيْنِ صَاعَانِ أَوْ الصَّوْمَ فَفِي وَاحِدَةٍ صَوْمُ يَوْمٍ وَفِي اثْنَيْنِ صَوْمُ يَوْمَيْنِ اهـ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ وُجُوبُ الْمُدِّ وَالْمُدَّيْنِ سَوَاءٌ اخْتَارَ
[حاشية الشربيني]
مَنْ رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ) صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيِّ لَكِنَّ فِي الْقُوتِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ فِي الْإِمْلَاءِ مَعَ نَصِّهِ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي رَمْيِ أَيَّامِ مِنًى إذَا نَسِيَهُ قَالَ لَوْ نَسِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا بَعْدَ رَمْيِهِ يَوْمَيْنِ أَوْ الْيَوْمَ الثَّالِثَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ أَجْزَأَ عَنْهُ رَمْيُهَا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِمَا مَضَى اهـ اهـ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمَا دَخَلَهُ التَّدَارُكُ) لِأَنَّ وَقْتَهُ الْمُعَيَّنَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ لِعَدَمِ وُرُودِ الْقَضَاءِ فِيهِ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ يَوْمٍ إلَخْ) بِخِلَافِ اللَّيْلَةِ بَعْدَهُ. اهـ. رَوْضَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمَقَامَ مُخْتَلِفٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي بَيَانِ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَهُنَاكَ فِي بَيَانِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلْمَعْذُورِينَ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ لَيْسَ لِلْمَعْذُورِينَ إلَخْ أَنَّ عُذْرَهُمْ هَذَا لَيْسَ عُذْرًا فِي تَرْكِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ يَوْمَيْنِ بَلْ هُوَ عُذْرٌ فِي تَرْكِهِ يَوْمًا وَاحِدًا فَقَطْ وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْعَ أَيْ: لِذَوِي الْأَعْذَارِ مِنْ تَأْخِيرِ رَمْيِ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ لَا يُرَخَّصُ لِلرِّعَاءِ فِي تَرْكِ يَوْمِ النَّحْرِ أَيْ: فِي تَأْخِيرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ اهـ.
وَظَاهِرُ هَذَا وَقْتُ الِاخْتِيَارِ فِي حَقِّ الْمَعْذُورِينَ يَمْتَدُّ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّ بِمَا ذُكِرَ يَنْدَفِعُ مَا فِي الْحَاشِيَةِ عَنْ حَجَرٍ اهـ وَفِي الشَّيْخِ عَمِيرَةَ عَلَى الْمَحَلِّيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُرَخِّصْ لِلرُّعَاةِ تَأْخِيرَ رَمْيِ النَّحْرِ وَلَا تَأْخِيرَ يَوْمَيْنِ» بَعْدَ قَوْلِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَّزَ لَهُمْ تَرْكَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» وَتَدَارَكَهُ فِي الْبَاقِي اهـ فَالْمُرَادُ لَمْ يُرَخِّصْ فِي الِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ: مَعَ الْبَيَاتِ بِمِنًى) لَا يَخْفَى بَعْدَهُ وَلَوْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ كَمَا فِي شَرْحِ عب لَكَانَ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: مُدٌّ مِنْ الطَّعَامِ) لَا يَشْكُلُ بِأَنَّ دَمَ تَرْكِ الرَّمْيِ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ وَلَا إطْعَامَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَسِرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute