السُّبْكِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْوَرْدِ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ طِيبٌ كَمَا قَالَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ. وَقَوْلُ النَّظْمِ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ نَصِّهِ مِنْ زِيَادَتِهِ (كَالرِّيحِ إذْ يَعْبَقُ لَهُ) أَيْ: كَالرِّيحِ لِمَا يُقْصَدُ رِيحُهُ حِينَ يَعْبَقُ يَعْنِي كَعَبَقِ رِيحِ الطِّيبِ بِمَسِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْبَقَ شَيْءٌ مِنْ عَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ تَطْيِيبًا؛ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ قَدْ تَحْصُلُ بِالْمُجَاوَرَةِ بِلَا مُمَاسَّةٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا سَوَاءٌ مَسَّهُ بِبَدَنِهِ أَمْ بِمَلْبُوسِهِ كَدَوْسِهِ بِنَعْلِهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْبَقَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ عَيْنَيْهِ.
وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ بِالْأَوْلَى أَنَّ الْعَبَقَ بِلَا مَسٍّ لَيْسَ تَطْيِيبًا كَأَنْ جَلَسَ بِحَانُوتِ عَطَّارٍ أَوْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَهِيَ تُجَمَّرُ أَوْ بِبَيْتٍ يَتَجَمَّرُ سُكَّانُهُ مِنْ غَيْرِ احْتِوَاءٍ عَلَى الْمِجْمَرَةِ نَعَمْ إنْ قَصَدَ الْمَوْضِعَ لِلشَّمِّ كُرِهَ (لَا عَيْنِهِ بِمَسِّهِ) نَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ أَيْ: لَا كَعَبَقِ عَيْنِ الطِّيبِ بِمَسِّهِ فَإِنَّهُ تَطْيِيبٌ يُقَالُ عَبِقَ بِهِ الطِّيبُ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ: لَزِقَ يَعْبَقُ عَبَقًا بِفَتْحِهَا فِيهِمَا وَعَبَاقِيَةً مِثْلَ ثَمَانِيَةً وَقَدْ عُرِفَ مِمَّا تَقَرَّرَ تَعَلُّقُ قَوْلِهِ: لَهُ بِالرِّيحِ وَقَوْلِهِ: بِمَسِّهِ بِيَعْبَقُ (أَوْ) إنْ (حَمَلَهْ فِي كِيسٍ) عَطْفٌ عَلَى فَاكِهَةٍ وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ: وَلَا كَحَمْلِهِ الطِّيبَ فِي كِيسٍ سُدَّ (أَوْ قَارُورَةٍ إنْ سُدَّتْ) أَوْ خِرْقَةٍ مَشْدُودَةٍ (وَفَأْرَةِ الْمِسْكِ الَّتِي مَا قُدَّتْ) أَيْ: شُقَّتْ فَإِنَّهُ لَيْسَ تَطْيِيبًا وَإِنْ شُمَّ الرِّيحُ لِوُجُودِ الْحَائِلِ بِخِلَافِ حَمْلِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ الْفَتْحِ وَالْقَدِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَيْسَ وَاضِحًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَطْيِيبًا (وَجَهْلِ طِيبِ مَا يَمَسُّ) أَيْ: وَلَا كَجَهْلِ كَوْنِ الْمَمْسُوسِ طِيبًا بِأَنْ مَسَّهُ جَاهِلًا بِأَنَّهُ طِيبٌ فَعَبِقَ بِهِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ حُرْمَةَ الطِّيبِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَهِلَ كَوْنَ هَذَا الْمُعَيَّنِ طِيبًا فَقَدْ جَهِلَ تَحْرِيمَ اسْتِعْمَالِهِ.
وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى جَاهِلِ التَّحْرِيمِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَهَذَا بِخِلَافِ جَاهِلِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحُرْمَةِ (لَا) جَهْلِ (الْعَبَقْ) مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَمْسُوسَ طِيبٌ بِأَنْ مَسَّ طِيبًا رَطْبًا ظَنَّهُ يَابِسًا فَعَبِقَ بِهِ فَإِنَّهُ تَطْيِيبٌ لِقَصْدِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ طِيبٌ فَصَارَ كَالْعَالِمِ بِأَنَّهُ رَطْبٌ وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَرَجَّحَ طَائِفَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ تَطْيِيبًا لِعَبَقِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا أَصَحُّ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ لِلْجَهْلِ فِي الطِّيبِ صُوَرًا: جَهْلُ كَوْنِهِ طِيبًا وَجَهْلُ حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِهِ وَجَهْلُ عَبَقِهِ وَجَهْلُ
ــ
[حاشية العبادي]
وَدُهْنَهُ يَصِيرَانِ لَا تَعَلُّقَ لَهُمَا بِالطِّيبِ أَصْلًا بَلْ يَكُونَانِ نَظِيرَ الشَّيْرَجِ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَإِنْ أُغْلِيَ فِيهِ الطِّيبُ كَالْوَرْدِ لَكَانَ طِيبًا وَكَذَا السِّمْسِمُ لَوْ أُغْلِيَ فِي مَاءِ الْوَرْدِ فَكَيْفَ يَرْتَفِعُ بِهَذَا الْحَمْلِ قَوْلُ مَنْ يَجْعَلُ الْبَانَ وَدُهْنَهُ مِنْ الطِّيبِ بِرّ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ طِيبٌ) مَشَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضِ وَحَمَلَ فِي شَرْحِهِ النَّصَّ عَلَى بَانٍ يَابِسٍ لَا رِيحَ لَهُ يَظْهَرُ عِنْدَ رَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِرّ. (قَوْلُهُ: يَعْبَقُ لَهُ) أَيْ: الرِّيحُ. (قَوْلُهُ: أَوْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مُسْتَعْمِلًا لِلْمِبْخَرَةِ لِيُوَافِقَ مَا مَرَّ فِي اسْتِعْمَالِ مِبْخَرَةِ آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ اهـ. وَهَذَا يُوَافِقُ مَا سَبَقَ فِي الْهَامِشِ عَنْ السَّيِّدِ إلَّا أَنَّ كَلَامَ السَّيِّدِ مُصَرِّحٌ بِاعْتِبَارِ عَبَقِ الْبُخَارِ دُونَ مُجَرَّدِ الرِّيحِ بِخِلَافِ هَذَا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ عُرِفَ مِمَّا تَقَرَّرَ إلَخْ) وَعُرِفَ مِنْهُ عَطْفُ قَوْلِهِ: لَا عَيْنِ. عَلَى الرِّيحِ الْوَاقِعِ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَمَلَهُ فِي كِيسٍ إلَخْ) فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ أَوْ حَمَلَ الْمِسْكَ وَنَحْوِهِ كَالْعَنْبَرِ فِي ثَوْبٍ مَلْبُوسٍ لَهُ أَوْ حَمَلَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي جَيْبِهَا أَوْ فِي حَشْوِ حُلِيِّهَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ لِلسَّيِّدِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَأْرَةِ الَّتِي لَمْ تُشَقَّ وَبَيْنَ الْحُلِيِّ الْمَحْشُوِّ بِالْمِسْكِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْحُلِيَّ مَلْبُوسٌ فَحَشْوُهُ كَالْمِسْكِ الْمَرْبُوطِ بِرِدَائِهِ فَإِنْ فُرِضَ الْحُلِيُّ مَحْمُولًا فِي الْيَدِ لَا مَلْبُوسًا مَنَعْنَا التَّحْرِيمَ فِيهِ إذَا كَانَ مُصْمَتًا كَالْقَارُورَةِ الْمَسْدُودَةِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَلَوْ شَدَّ الْمِسْكَ أَوْ الْعَنْبَرَ أَوْ الْكَافُورَ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ أَوْ وَضَعَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي جَيْبِهَا أَوْ لَبِسَتْ الْحُلِيَّ الْمَحْشُوَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ اهـ. نَعَمْ يَنْبَغِي حَمْلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ النَّظَرِ فِي مَسْأَلَةِ الْفَأْرَةِ الْمَشْقُوقَةِ عَلَى مَنْ حَمَلَهَا بِيَدِهِ إذْ لَا يُعَدُّ مُتَطَيِّبًا فِي الْعُرْفِ أَمَّا مَنْ رَبَطَهَا فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَعُدُّونَهُ مُتَطَيِّبًا بِذَلِكَ وَلَوْ حُمِلَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَجَهْلِ طِيبِ إلَخْ) كَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ فَعَلَ نَاسِيًا لِلْإِحْرَامِ وَلَوْ كَثُرَ
[حاشية الشربيني]
طِيبًا إلَّا بِوَاسِطَةِ الطِّيبِ الَّذِي أُغْلِيَ فِيهِ وَلَا يُنَاسِبُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّهُ فِي نَفْسِهِ طِيبٌ وَكَذَا يُقَالُ فِي دُهْنِهِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ جِدًّا فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ: لِمَا يُقْصَدُ رِيحُهُ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ لَهُ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ كَالرِّيحِ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْبَقَ شَيْءٌ مِنْ عَيْنِهِ) وَلَوْ مَسَّهُ فَعَبِقَ بِهِ اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ حَرُمَ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَنْهَجِ فَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ مَا يَشْمَلُ اللَّوْنَ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ احْتِوَاءٍ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ وُصُولِ الْعَيْنِ بِوُصُولِ الدُّخَانِ أَوْ الْبُخَارِ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ احْتِوَاءٌ أَوْ لَا عَلَى مَا فِي شَرْحِ م ر. (قَوْلُهُ: أَوْ حَمَلَهُ فِي كِيسٍ) مِثْلُهُ حَمْلُ مَاءِ الْوَرْدِ فِي ظَرْفٍ شَرْحُ عب لِحَجَرٍ وَالْحَمْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَكْرُوهٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ شَرْحُ عب لَهُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ تَطَيُّبًا) وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّطَيُّبَ أَوْ جَعَلَ يَشَمُّهُ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ نَقْلًا عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ. (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الْحَائِلِ) أَيْ: بَيْنَ بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ شَرْحُ عب لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إلَخْ) إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ النَّقْلَ وَقَلَّ زَمَنُ الْحَمْلِ بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ مُتَطَيِّبًا وَإِلَّا فَيَقْرَبُ عَدَمُ الضَّرَرِ م ر.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ إلَخْ) لِأَنَّ فَتْحَ ذَلِكَ صَيَّرَهُ كَأَنَّهُ مُلْصَقٌ بِبَدَنِهِ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: لَا فِدْيَةَ عَلَى جَاهِلِ التَّحْرِيمِ) وَإِنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ مِمَّا تَخْفَى فَمِثْلُ مَا هُنَا بَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ جَهِلَ كَوْنَهُ طِيبًا) أَيْ: لَا حُرْمَةَ وَلَا فِدْيَةَ قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّهُ نَوْعًا لَيْسَ مِنْ الطِّيبِ فَفِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute