للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَ مَا غَصَبَهُ غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ أَيْضًا مُحْرِمًا فَالْجَزَاءُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَظْهَرِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا بَعْدَ ذَلِكَ وَالرَّافِعِيُّ فِي أَوَائِلِ الْجِرَاحِ أَنَّ الْمُمْسِكَ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُتْلِفِ كَمَا فِي إتْلَافِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَكَالْمُحْرِمِ فِي ذَلِكَ الْحَلَالُ بِالْحَرَمِ

. (وَقَطْعَ نَبْتٍ وَهُوَ رَطْبٌ حَرَمِي وَقَلْعَهُ لَا لِاحْتِيَاجِ حَرِّمْ) أَيْ: وَحَرِّمْ أَنْتَ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَغَيْرِهِ قَطْعَ وَقَلْعَ نَبَاتٍ حَرَمِيُّ شَجَرًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ مُبَاحًا، أَوْ مَمْلُوكًا؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ «إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ؛ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ فَقَالَ: إلَّا الْإِذْخِرَ» ، وَالْعَضْدُ: الْقَطْعَ وَإِذَا حَرُمَ الْقَطْعُ فَالْقَلْعُ أَوْلَى، وَالْخَلَا بِالْقَصْرِ: الْحَشِيشُ الرَّطْبُ أَيْ لَا يُنْتَزَعُ بِقَطْعٍ وَلَا قَلْعٍ، وَالْإِذْخِرُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: حَلْفَاءُ مَكَّةَ وَاحِدَتُهُ إذْخِرَةٌ، وَقِيسَ بِمَكَّةَ بَاقِي الْحَرَمِ، وَسَوَاءٌ فِي الشَّجَرَةِ الْمُسْتَنْبَتِ، وَالنَّابِتِ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمُقَيَّدٌ بِمَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ، أَمَّا مَا يُسْتَنْبَتُ مِنْهُ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَذُرَةٍ وَبُقُولٍ وَخَضْرَاوَاتٍ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ؛ لِاحْتِيَاجِنَا إلَيْهِ فَلَوْ اسْتَنْبَتَ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ غَالِبًا، أَوْ عَكْسُهُ فَالْعِبْرَةُ بِالْأَصْلِ.

وَخَرَجَ بِالرَّطْبِ الْجَافُّ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ، وَكَذَا قَلْعُهُ إنْ كَانَ شَجَرًا كَقَدِّ صَيْدٍ مَيِّتٍ دُونَ الْحَشِيشِ؛ إذْ لَوْ تَرَكَهُ لَنَبَتَ ثَانِيًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ: إلَّا إذَا كَانَ قَدْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرْجَى نَبَاتُهُ وَبِالْحَرَمِيِّ، وَهُوَ مَا نَبَتَ أَصَالَةً وَلَوْ بِبَعْضِ أَصْلِهِ بِحَرَمِ مَكَّةَ نَبَاتُ الْحِلِّ حَتَّى لَوْ نَقَلَ شَجَرَةً مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ لَمْ تَصِرْ حَرَمِيَّةً، بِخِلَافِ صَيْدٍ دَخَلَ الْحَرَمَ؛ إذْ لِلشَّجَرِ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَاعْتُبِرَ مَنْبَتُهُ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ فَاعْتُبِرَ مَكَانُهُ، فَلَوْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْحَرَمِ، وَالْأَغْصَانُ فِي الْحِلِّ حَرُمَ قَطْعُهَا لَا رَمْيُ صَيْدٍ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ حَلَّ قَطْعُهَا لَا رَمْيُ صَيْدٍ عَلَيْهَا، وَلَوْ نَقَلَ شَجَرَةً مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ فَعَلَيْهِ رَدُّهَا لَا إنْ نَقَلَهَا إلَى مَحَلٍّ آخَرَ مِنْهُ فَإِنْ جَفَّتْ بِالنَّقْلِ ضَمِنَهَا، وَإِنْ نَبَتَتْ فِي الْمَنْقُولِ إلَيْهِ، وَلَوْ فِي الْحِلِّ، فَلَا ضَمَانَ فَلَوْ قَلَعَهَا قَالِعٌ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ؛ إبْقَاءً لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا.

قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَحَلُّ عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا كَانَ الْمَحَلُّ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ مِنْ

ــ

[حاشية العبادي]

إتْلَافُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحِلُّ مَعَهُ، وَأَمَّا التَّعَرُّضُ لَهُ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَأَخْذِهِ وَتَمَلُّكِهِ وَإِتْلَافِهِ عَلَى وَجْهٍ يَحِلُّ بِأَنْ ذَبَحَهُ فَلَا كَلَامَ فِي حِلِّهِ لِلْحَلَالِ وَحُرْمَتِهِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَيَكْفِي هَذَا فِي الْفَرْقِ سم. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَ مَا غَصَبَهُ) ، فَإِذَا غَرِمَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَى الْمُتْلِفِ.

(قَوْلُهُ: فَالْجَزَاءُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْقَاتِلِ وَلَا أَثَرَ لِلْإِمْسَاكِ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ شَرْحٌ رَوْضٌ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ صَحَّحَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّ ذَاكَ وَجْهٌ

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ) أَيْ: الْحَدَّادِ وَيُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ كَالطَّبَّاخِ وَالْخَبَّازِ بِجَامِعِ الْحَاجَةِ. (قَوْلُهُ: لِبُيُوتِهِمْ) أَيْ: لِتَسْقِيفِهَا، أَوْ فَرْشِهَا. (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ فِي الشَّجَرِ إلَخْ) يُفِيدُ حُرْمَةُ التَّعَرُّضِ لِنَحْوِ النَّخْلِ الْمَمْلُوكِ وَهُوَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِبَعْضِ أَصْلِهِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ جِدًّا. (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ رَدُّهَا إلَخْ) هَذَا الصَّنِيعُ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ رَدِّهَا وَإِنْ نَبَتَتْ فِي الْحِلِّ وَيُصَرِّحُ بِهِ أَيْضًا قَوْلُ الرَّوْضِ وَلَا يَضْمَنُ الْحَرَمِيَّةَ إنْ نَبَتَتْ فِي الْحِلِّ بَلْ يَجِبُ رَدُّهَا إلَيْهِ. اهـ. وَوُجُوبُ الرَّدِّ مَعَ نَفْيِ الضَّمَانِ يَحْتَمِلُ أَنَّ فَائِدَتَهُ مُجَرَّدُ الْإِثْمِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ فَائِدَتَهُ ضَمَانُهَا بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مُحْتَرَمَةً وَغَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ كَمَا قَالَهُ الْجَوْجَرِيُّ وَأَوْرَدْت مَا قَالَهُ الْجَوْجَرِيُّ عَلَى م ر فَوَافَقَ فَوْرًا، وَضَمَانُهَا بِذَلِكَ لَا يُنَافِي نَفْيَ الضَّمَانِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْيُ الضَّمَانِ بِالْبَقَرَةِ، أَوْ الشَّاةِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ رَدُّهَا) وَلَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُهَا الْأَوَّلُ بِرّ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي الْحِلِّ) فَلَا ضَمَانَ لَكِنْ يَجِبُ رَدُّهَا مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَتِهَا وَإِلَّا ضَمِنَهَا كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْ: بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مُحْتَرَمَةً وَغَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ كَذَا قَالَهُ الشَّارِحُ يَعْنِي الْجَوْجَرِيَّ وَاسْتَبْعَدَ كَوْنَهُ بِمَا يَلْزَمُ لَوْ تَلِفَتْ مِنْ شَاةٍ، أَوْ بَقَرَةٍ حَجَرٌ د فَلَوْ لَمْ يَرُدَّهَا وَضَمَّنَّاهُ مَا ذُكِرَ وَغَرِمَهُ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى الْحَرَمِ وَثَبَتَتْ كَمَا كَانَتْ فَهَلْ يَسْتَرِدُّ مَا غَرِمَهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَوْ أَخْبَرَ أَهْلَ الْخِبْرَةِ بِأَنَّهَا لَوْ قُلِعَتْ مِنْ الْحِلِّ وَأُعِيدَتْ إلَى الْحَرَمِ مَاتَتْ فَهَلْ يَسْقُطُ وُجُوبُ الرَّدِّ وَيَتَعَيَّنُ الضَّمَانُ حِينَئِذٍ؟ فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَلَعَهَا قَالِعٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَمَنْ قَلَعَهَا مِنْ الْحِلِّ ضَمِنَهَا إبْقَاءً لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ: اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا كَمَا فِي الْغَصْبِ. اهـ. وَلَعَلَّ مَحَلَّ الضَّمَانِ وَالِاسْتِقْرَارِ مَا لَمْ تَعُدْ إلَى الْحَرَمِ وَتَنْبُتُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قَالَ السُّبْكِيُّ وَمَحَلُّ إلَخْ) هَذَا

ــ

[حاشية الشربيني]

لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا فَالْجَزَاءُ عَلَيْهِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ كَمَا مَرَّ

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ صَيْدٍ دَخَلَ الْحَرَمَ) أَيْ: وَبَيْضٍ أَحْضَنَهُ لِصَيْدِ الْحَرَمِ، فَإِنَّ فَرْخَهُ يَكُونُ حَرَمِيًّا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ شَرْحِ الْعُبَابِ لِحَجَرٍ فَلْيُحَرَّرْ.

(قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ رَدُّهَا) وَلَا يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ عَوْدِهَا بَلْ إنْ تَلِفَتْ، أَوْ أُتْلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يَكْمُلَ نَبَاتُهَا ضَمِنَهَا، وَلَوْ حَصَلَ فِيهَا نَقْصٌ بِالْقَلْعِ ضَمِنَهُ.

(قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ رَدُّهَا) فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهَا أَثِمَ وَضَمِنَهَا وَإِنْ نَبَتَتْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لَوْ نَبَتَتْ فِيهِ وَتَعَذَّرَ رَدُّهَا طُولِبَ النَّاقِلُ بِضَمَانِهَا حَالًا؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْإِيذَاءِ بِوَضْعِهَا فِي الْحِلِّ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمُهِمَّاتِ مَا يُطَالِبُ بِهِ قَالَ حَجَرٌ فِي شَرْحِ عب: وَالْمُتَبَادِرُ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِمَا يَلْزَمُ مِنْ بَقَرَةٍ، أَوْ شَاةٍ لَا مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مُحْتَرَمَةً وَغَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ جَفَّتْ بِالنَّقْلِ ضَمِنَهَا) أَيْ: وَسَقَطَ عَنْهُ الْمُخَاطَبَةُ بِالرَّدِّ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>