فِي مَصَالِحِ غَيْرِ الْكَعْبَةِ، ثَانِيهَا إنْ تَمَلَّكَهَا مَالِكُهَا لِلْكَعْبَةِ فَلِقَيِّمِهَا أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مَا يَرَاهُ مِنْ تَعْلِيقِهَا عَلَيْهَا، أَوْ بَيْعِهَا وَصَرْفِ ثَمَنِهَا إلَى مَصَالِحِهَا، ثَالِثُهَا أَنْ يُوقَفَ شَيْءٌ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ رِيعَهُ وَيُكْسَى بِهِ الْكَعْبَةُ كَمَا فِي عَصْرِنَا فَإِنَّ الْإِمَامَ قَدْ وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ بِلَادًا قَالَ: وَقَدْ تَلَخَّصَ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ شَيْئًا مِنْ بَيْعٍ، أَوْ إعْطَاءٍ لِأَحَدٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا كَلَامَ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَقِفْ النَّاظِرُ تِلْكَ الْكِسْوَةَ فَلَهُ بَيْعُهَا وَصَرْفُ ثَمَنِهَا فِي كِسْوَةٍ أُخْرَى، وَإِنْ وَقَفَهَا فَيَأْتِي فِيهَا مَا مَرَّ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ نَعَمْ بَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ وَهُوَ الْوَاقِعُ الْيَوْمُ فِي هَذَا الْوَقْفِ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَشْرِطْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَشَرَطَ تَجْدِيدَهَا كُلَّ سَنَةٍ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ بَنِي شَيْبَةَ كَانُوا يَأْخُذُونَهَا كُلَّ سَنَةِ لَمَّا كَانَتْ تُكْسَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُهَا الْآنَ، أَوْ تُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهَا إلَى كِسْوَةٍ أُخْرَى؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ طِيبِ الْكَعْبَةِ فَإِنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ أَتَى بِطِيبٍ لَهُ فَمَسَحَهَا بِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ
. (وَحَرَمُ) مَدِينَةِ (الْهَادِي) لِلْأُمَّةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَوَجُّ الطَّائِفِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ: وَادٍ بِصَحْرَاءَ الطَّائِفِ (كَتِلْكَ) أَيْ: مَكَّةَ أَيْ: كَحَرَمِهَا (فِي الْحُرْمَةِ) لِلتَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ وَقَطْعِ النَّبَاتِ عَلَى مَا مَرَّ، أَمَّا حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنَّى حَرَّمْت الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ زَادَ مُسْلِمٌ «وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا» ، وَفِي أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» ، وَاللَّابَتَانِ: الْحَرَّتَانِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ، وَهِيَ أَرْضٌ تَرْكَبُهَا حِجَارَةٌ سُودٌ لَابَةٌ شَرْقِيَّ الْمَدِينَةِ وَلَابَةٌ غَرْبَيْهَا فَحَرَّمَهَا مَا بَيْنَهُمَا عَرْضًا، وَمَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا طُولًا وَهُمَا عَيْرٌ وَثَوْرٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إلَى ثَوْرٍ» . وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذِكْرَ ثَوْرٍ هُنَا، وَهُوَ بِمَكَّةَ غَلَطٌ مِنْ الرُّوَاةِ وَأَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ أُحُدٌ، وَرُدَّ بِأَنَّ وَرَاءَهُ جَبَلًا صَغِيرًا يُقَالُ لَهُ: ثَوْرٌ فَأُحُدٌ مِنْ الْحَرَمِ، وَأَمَّا وَجٌّ فَلِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إلَّا إنَّ صَيْدَ وَجٍّ وَعِضَاهَهُ يَعْنِي شَجَرَهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ»
(وَالْجَزَا نُفِيَ) عَنْ الْمُتَعَرِّضِ لِصَيْدِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ، وَوَجٍّ وَلِنَبَاتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَحَلَّيْنِ لِلنُّسُكِ، بِخِلَافِ حَرَمِ مَكَّةَ، وَفِي الْقَدِيمِ يَضْمَنُ ذَلِكَ فَقِيلَ كَحَرَمِ مَكَّةَ، وَالْأَصَحُّ يَضْمَنُ بِسَلَبِ الصَّائِدِ وَقَاطِعِ النَّبَاتِ، أَوْ قَالِعِهِ لِلسَّالِبِ كَسْبُ الْفَتِيلِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَغَيْرِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِيهِ بِلَا مُعَارِضٍ قَالَ: وَيَتْرُكُ لِلْمَسْلُوبِ مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَقَضِيَّةُ الْخَبَرِ وَكَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يُسْلَبُ بِالِاصْطِيَادِ، وَإِنْ لَمْ يَتْلَفْ الصَّيْدُ، وَتَرَدَّدَ الْإِمَامُ فِيمَا إذَا أَرْسَلَهُ، وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ كَنَظِيرِهِ فِي صَيْدِ حَرَمِ مَكَّةَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا تُسْلَبُ الثِّيَابُ الْمَغْصُوبَةُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْحَرْبِيِّ الْمَقْتُولِ إذَا غَصَبَهَا مِنْ مَغْصُوبٍ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّهُ لَا يَسْلِبُ ثِيَابَ الْعَبْدِ وَلَا الثَّوْبَ الْمُسْتَأْجَرَ، أَوْ الْمُعَارَ. وَمَا قَالَهُ فِي الْعَبْدِ مَرْدُودٌ بِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا، أَوْ يَخْبِطُهُ، فَسَلَبَهُ فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلَامِهِمْ، أَوْ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَهُ مِنْ غُلَامِهِمْ فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا نَفَلَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ وَقَفَهَا فَيَأْتِي إلَخْ) هَذَا يُفِيدُنَا أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مَصَالِحِ مَكَان يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَ مِنْ الرُّبْعِ عَلَى مَصَالِحِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِرّ
(قَوْلُهُ: وَحَرَمُ مَدِينَةِ الْهَادِي إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ حَرَمِ مَكَّةَ كَالْأَخْذِ لِحَاجَةِ الْعَلَفِ، وَالدَّوَاءِ، وَالْإِذْخِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِرّ. (قَوْلُهُ: وَوَجِّ الطَّائِفِ إلَخْ) سَكَتُوا عَنْ تُرَابِ وَجٍّ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: أَيْ: كَحَرَمِهَا فِي الْحُرْمَةِ) فَجَمِيعُ مَا مَرَّ يَأْتِي هُنَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحُرْمَةِ وَمَصِيرِ مَذْبُوحِهِ مَيْتَةً وَغَيْرِهِمَا، وَقَطْعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَخِيلِ الْمَسْجِدِ لَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إلَّا لِعَلَفٍ» أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا جَمِيعُ مَا مَرَّ فِي حَرَمِ مَكَّةَ فَكُلَّمَا أَبَاحَ الْقَطْعَ، وَالْقَلْعَ، ثُمَّ أَبَاحَهُ هُنَا بِالْأَوْلَى وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ ش عب. (قَوْلُهُ: وَقَطْعِ النَّبَاتِ) ، وَكَنَبَاتِهِ أَيْ: حَرَمِ الْمَدِينَةِ تُرَابُهُ فَيَحْرُمُ نَقْلُهُ، وَلَوْ إلَى الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، أَوْ غَيْرُهُ نَظِيرُ مَا مَرَّ، وَمَرَّ حِلُّ نَقْلِهِ لِلدَّوَاءِ فَهَذَا كَذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ اُعْتِيدَ نَقْلُ تُرَابِ قُبَّرَةٍ لِيُدَاوِيَ بِهِ الصُّدَاعَ ش عب (فَرْعٌ)
التَّعَرُّضُ لِنَحْوِ صَيْدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَنَبَاتِهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، وَلَوْ ادَّعَى كَرَاهَةَ ذَلِكَ، أَوْ كَوْنَهُ خِلَافَ الْأَوْلَى يَبْعُدُ؛ لِأَنَّهُ حَرَمٌ مُعَظَّمٌ وَلَهُ مِنْ الْمَزَايَا الْكَثِيرَةِ الْجَلِيلَةِ مَا لَا يُوجَدُ فِيمَا عَدَا الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ انْحَطَّ عَنْهُمَا؛ حَيْثُ يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ فِيهِمَا دُونَهُ بَلْ يَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى فَلَيَتَأَمَّل.
(قَوْلُهُ: زَادَ مُسْلِمٌ إلَخْ) «وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا وَلَا يُحْمَلُ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ وَلَا يُخْبَطُ فِيهَا شَجَرٌ إلَّا لِعَلَفٍ» وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ «وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمَنْ أَشَارَ بِهَا» إلَخْ، ثُمَّ قَوْلُهُ: لَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتِهَا مُشْكِلٌ جِدًّا عَلَى مَذْهَبِنَا؛ إذْ حَرَمُ الْمَدِينَةِ لَا يَلْحَقُ بِحَرَمِ مَكَّةَ ش عب. (قَوْلُهُ: فَلِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: لَكِنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ
ــ
[حاشية الشربيني]
خَصَّ الْإِمَامُ أَحَدًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِشَيْءٍ تَعَيَّنَ فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ سَدُّ خَلَّةٍ، أَوْ دَفْعُ حَاجَةٍ. اهـ. حَجَرٌ شَرْحُ عب. (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا وُقِفَتْ) أَيْ: أَوْ أُهْدِيَتْ لَهَا، أَوْ اُشْتُرِيَتْ مِنْ رِيعِ وَقْفٍ عَلَيْهَا. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَمْلِكَهَا) فَإِنْ أَطْلَقَ، أَوْ نَوَى الْعَارِيَّةُ رَجَعَ مَتَى شَاءَ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ وَقَفَهَا إلَخْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ النَّاظِرَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي رِيعِ الْمَوْقُوفِ لَا وَقْفُهُ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: وَالْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ) لِأَنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ
(قَوْلُهُ: وَقَاطِعُ النَّبَاتِ أَوْ قَالِعُهُ لِلسَّالِبِ) أَيْ: لِمَنْ سَلَبَهُ مِنْهُ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ، وَفِي مَصْرِفِهِ أَوْجُهٌ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لِلسَّالِبِ كَالْقَتِيلِ