للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَهُمَا فِي الْقَضَاءِ، وَالْمَقْصُودُ فِي الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ بَلْ الْفَرْضُ أَوْلَى بِالْقَضَاءِ مِنْ النَّفْلِ أَيْ: فَيَجِبُ الْقَضَاءُ فِيهِمَا عَلَى الْفَوْرِ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِهِ؛ فَإِنَّهُ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْمُطْلِقِينَ قَالَ: وَعِنْدَ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ عِبَارَةٌ أُخْرَى تُوَافِقُ هَذِهِ فِي الْحُكْمِ وَذَكَرَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فَاقْتَضَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْعِبَارَةِ، لَكِنْ فِي الثَّانِيَةِ تَجُوزُ (بِدَمٍ) أَيْ: مَعَ وُجُوبِ دَمٍ فِي الْقَضَاءِ لِمَا رَوَى مَالِكٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعَدُوَّ وَكُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اذْهَبْ إلَى مَكَّةَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ أَنْتَ، وَمَنْ مَعَك وَاسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَكُمْ، ثُمَّ احْلِقُوا، أَوْ قَصِّرُوا، ثُمَّ ارْجِعُوا فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَأَهْدُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ. وَخَرَجَ بِالْحَجِّ الْعُمْرَةُ أَيْ الْمُفْرَدَةُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ فَوَاتُهَا أَيْ: بِغَيْرِ الْمَوْتِ

. (وَتَلْزَمُ) شَاةٌ كَمَا سَيَأْتِي (مَنْ حَجَّ ذَا تَمَتُّعٍ) أَيْ: مُتَمَتِّعًا بِشُرُوطٍ تَقَدَّمَتْ؛ لِآيَةِ {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ} [البقرة: ١٩٦] أَيْ: بِسَبَبِهَا وَلِأَنَّهُ تَرَفُّهٌ بِتَرْكِ أَحَدِ الْمِيقَاتَيْنِ (إذْ يُحْرِمُ بِحَجِّهِ) أَيْ تَلْزَمُهُ شَاةٌ وَقْتَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَلَا حَدَّ لِآخِرِ إرَاقَةِ الدَّمِ كَسَائِرِ دِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ إرَاقَتُهُ يَوْمَ النَّحْرِ.

وَزَادَ قَوْلُهُ (لَا قَبْلَ هَذَا) تَأْكِيدًا لِمَا قَبْلَهُ (وَاسْتَقَرْ) دَمُ التَّمَتُّعِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الْمُوسِرِ حَتَّى لَوْ مَاتَ، وَلَوْ قَبْلَ فَرَاغِ الْحَجِّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَلَوْ أَخَّرَ هَذَا عَنْ الْمَذْكُورَاتِ بَعْدَهُ لِيَتَنَاوَلهَا كَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُتَمَتِّعِ (وَجَائِزٌ تَقْدِيمُهُ) أَيْ: ذَبْحُ الشَّاةِ عَلَى إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ (إنْ اعْتَمَرْ) أَيْ: فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ تَعَلَّقَ بِسَبَبَيْنِ: فَرَاغُ الْعُمْرَةِ، وَالشُّرُوعُ فِي الْحَجِّ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالزَّكَاةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْهَا؛ لِنَقْصِ السَّبَبِ كَالنِّصَابِ (وَ) تَلْزَمُ الْمُحْرِمَ شَاةٌ (فِي قِرَانِهِ) ؛ لِتَرَفُّهِهِ بِتَرْكِ أَحَدِ الْعَمَلَيْنِ فَهُوَ أَشَدُّ تَرَفُّهًا مِنْ الْمُتَمَتِّعِ التَّارِكِ لِأَحَدِ الْمِيقَاتَيْنِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ: وَكُنَّ قَارِنَاتٍ» (وَلَوْ قَدْ أَفْسَدَا) أَيْ: الْقَارِنُ نُسُكَهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ بِالشُّرُوعِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِفْسَادِ (لَا حَاضِرُ الْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ، وَهُوَ (مَنْ لَا بَعُدَا عَنْ حَرَمٍ قَصْرًا) أَيْ مَنْ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ حَرَمِ مَكَّةَ بِقَدْرِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ دَمُ التَّمَتُّعِ فَلَوْ دَخَلَ الْقَارِنُ مَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ كَمَا

ــ

[حاشية العبادي]

فِي جَوَازِ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ، وَقَدْ يُوَجَّهُ، وَأَمَّا السَّعْيُ فَيَتَعَيَّنُ فِعْلُهُ عَقِبَ الطَّوَافِ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: الْمَتْبُوعُ بِالسَّعْيِ بِرّ أَقُولُ: اُنْظُرْ الْحَلْقَ قَبْلَ الطَّوَافِ مَعَ مَا يَأْتِي عَنْ السَّيِّدِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا. (قَوْلُهُ: حُكْمُ الرَّمْيِ) وَمِثْلُهُ الْمَبِيتُ فَسَقَطَ كُلٌّ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: يُوهِمُ) ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ بَقَاؤُهُ كَمَا كَانَ. (قَوْلُهُ: الْمُطْلِقِينَ) أَيْ: الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِالنَّفْلِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا.

(قَوْلُهُ: بِدَمِ) لَوْ كَانَ عَبْدًا فَوَاجِبُهُ الصَّوْمُ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَمَا لَزِمَهُ أَيْ: الرَّقِيقُ مِنْ دَمٍ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ كَاللِّبَاسِ، أَوْ بِالْفَوَاتِ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ بَلْ لَا يُجْزِئُهُ، إذَا ذَبَحَ عَنْهُ؛ إذْ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَإِنْ مَلَكَهُ سَيِّدُهُ، وَوَاجِبُهُ الصَّوْمُ وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ يَضْعُفُ بِهِ عَنْ الْخِدْمَةِ، أَوْ يَنَالُهُ بِهِ ضَرَرٌ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي مُوجِبِهِ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَامٌ قَابِلٌ) بِرَفْعِهِمَا وَتَنْوِينِهِمَا عَلَى الْوَصْفِيَّةِ، أَوْ بِإِضَافَةِ الْأَوَّلِ عَلَى مَعْنَى عَامِ زَمَنٍ قَابِلٍ

(قَوْلُهُ: لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ) لَكِنْ لَوْ عَجَزَ عَنْ الْهَدْيِ وَانْتَقَلَ إلَى الصَّوْمِ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ سَقَطَ الصَّوْمُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ أُخْرِجَ مَنْ تَرِكَتِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمِ مُدٌّ كَصَوْمِ رَمَضَانَ فِي الشِّقَّيْنِ بِرّ. (قَوْلُهُ: لِنَقْصِ السَّبَبِ) التَّعْبِيرُ بِنَقْصِ السَّبَبِ يَقْتَضِي وُجُودَ أَصْلِهِ فَيُنَافِي قَوْلَهُ السَّابِقَ آنِفًا: فَرَاغُ الْعُمْرَةِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعُمْرَةَ مَعَ فَرَاغِهَا أَوْ يُرِيدَ بِنَقْصِ السَّبَبِ انْتِفَاؤُهُ. (قَوْلُهُ: بِتَرْكِ أَحَدِ الْعَمَلَيْنِ) قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ عَدَّدَ الْعَمَلَ سَقَطَ الدَّمُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِجَوَازِ تَرْكِ أَحَدِ الْعَمَلَيْنِ أَوْ يُقَالَ: مِنْ الْعَمَلِ الْإِحْرَامُ وَلَمْ يُعَدِّدْهُ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَقَبْلَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ آخَرَ. اهـ. وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْإِرْشَادِ: وَعَبَّرَ أَيْ: الْإِرْشَادُ فِي الْقِرَانِ بِقَبْلِ الْوُقُوفِ وَلَمْ يَقُلْ قَبْلَ نُسُكٍ كَمَا قَالَ فِي الْمُتَمَتِّعِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَارِنَ، إذَا دَخَلَ مَكَّةَ فَطَافَ، ثُمَّ عَادَ لِلْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ أَنَّ الدَّمَ سَقَطَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِالْعَوْدِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي النُّسُكِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ إنَّمَا يَتَمَيَّزُ أَوَّلُ أَعْمَالِهِ لِلْحَجِّ بِالْوُقُوفِ. اهـ.

ــ

[حاشية الشربيني]

بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَتَضَيَّقَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ قَبْلَ شُرُوعِهِ فَلَمْ يُغَيِّرُ الشُّرُوعُ حُكْمَهُ فَيَبْقَى عَلَى حَالِهِ هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْأَسْنَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْغُرُرِ وُجُوبُ الْفَوْرِ فِي الْفَرْضِ، وَالتَّطَوُّعِ وَهُوَ صَرِيحُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَجَرَى عَلَيْهِ خ ط فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَالرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ لِحَجَرٍ فَانْظُرْ مَتَى يَكُونُ ذَبْحُ الدَّمِ

(قَوْلُهُ: بِتَرْكِ أَحَدِ الْمِيقَاتَيْنِ) الْأَوْلَى بِتَرْكِ الْمِيقَاتِ الْعَامِّ تَأَمَّلْ وَانْظُرْ مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: لَا قَبْلَ هَذَا) أَيْ: لَا يَجِبُ قَبْلُ هَذَا وَمَعَ كَوْنِهِ لَا يَجِبُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>