لَكِنَّ الْخِيَارَ فِي هَذِهِ لِلْبَائِعِ وَفِي تِلْكَ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ بَاعَ صُبْرَةَ بُرٍّ وَشَعِيرٍ مُخْتَلَطَيْنِ جُزَافًا، أَوْ صَاعًا مِنْهَا صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْلُومٌ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ فَوَاكِهَ مُخْتَلِفَةً مُخْتَلِطَةً، وَلَوْ بَاعَ الْمَعَاجِينَ الْمُرَكَّبَةَ صَحَّ، وَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ كُلٍّ مِنْ أَخْلَاطِهِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَقْصُودٌ، وَلَوْ شَيَّبَ اللَّبَنَ بِالْمَاءِ، أَوْ الْمِسْكَ بِغَيْرِهِ بَطَلَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمِسْكِ، وَقَيَّدَهَا فِي الْمَجْمُوعِ بِمَا إذَا خَالَطَ الْمِسْكُ غَيْرَهُ لَا عَلَى وَجْهِ التَّرْكِيبِ قَالَ: فَإِنْ كَانَ مَعْجُونًا بِغَيْرِهِ كَالْغَالِيَةِ، وَالنَّدِّ جَازَ بَيْعُهُ. اهـ. وَالتَّعْلِيلُ السَّابِقُ يَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْمُوعُهُمَا لَا الْمِسْكُ وَحْدَهُ وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْرُ اللَّبَنِ فِي الْأُولَى، وَالْمِسْكِ فِي الثَّانِيَةِ مَعْلُومًا صَحَّ.
ثُمَّ مَثَّلَ النَّاظِمُ أَيْضًا لِلْمُعَيَّنِ وَلِمَا فِي الذِّمَّةِ بِقَوْلِهِ: (وَ) كَمَا لَوْ بَاعَ صُبْرَتَهُ (كُلُّ صَاعِ بِهِ) أَيْ: بِدِرْهَمٍ مَثَلًا فَيَصِحُّ، وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ لِلْعِلْمِ بِهِ تَفْصِيلًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ الدَّارَ، أَوْ هَذَا الثَّوْبَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ هَذِهِ الشِّيَاهَ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ (وَ) الْبَيْعُ (مَعْ مَنْ) بِأَنْ يَقُولُ بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ بِعْتُك كُلَّ صَاعٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ (هُوَ ذُو امْتِنَاعِ) ؛ إذْ لَمْ يَبِعْ الْجُمْلَةَ بَلْ بَعْضُهَا الْمُحْتَمِلَ لِلْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ فَلَا يُعْلَمُ قَدْرُ الْمَبِيعِ تَحْقِيقًا، وَلَا تَخْمِينًا بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ تَخْمِينًا، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك صَاعًا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ وَمَا زَادَ بِحِسَابِهِ صَحَّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ مَا زَادَ بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ (وَبِعْتُهَا بِعَشْرَةٍ كُلَّ أَحَدْ) بِنَصْبِ كُلَّ بَدَلًا مِنْ ضَمِيرِ الصُّبْرَةِ أَيْ: وَكَبِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِعَشَرَةِ دَارِهِمْ كُلَّ صَاعٍ مِنْهَا (بِدِرْهَمٍ) فَيَصِحُّ (إنْ يَتَوَافَقْ الْعَدَدْ) أَيْ عَدَدُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَكَمَا لَوْ بَاعَ صُبْرَتَهُ) فِي الْمُعَيَّنِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: بِدِرْهَمٍ مَثَلًا) هِيَ مَا فِي الذِّمَّةِ. (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ) لَوْ خَرَجَ فِي الصُّبْرَةِ كَسْرٌ كَعَشَرَةِ آصُعَ وَنِصْفٍ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ، وَالْأَوْجَهُ مِنْهُ الصِّحَّةُ بِقِسْطِهِ مِنْ الدِّرْهَمِ، وَقَدْ اسْتَنْبَطَ الرِّيمِيُّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ التَّنْبِيهِ ش ع.
(قَوْلُهُ: كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ) قَالَ فِي الْعُبَابِ، أَوْ الْقَطِيعَ أَيْ: أَوْ بَاعَ الْقَطِيعَ كُلَّ شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ أَيْ: مَثَلًا فَلَا أَيْ: فَلَا يَجُوزُ. اهـ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَقَرَّهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَوَازِ فِي كُلِّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ الشَّارِحِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْجَهْلُ بِمَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدَةٍ؛ إذْ قَدْ يَتَفَاوَتُ وَيُشْكِلُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَاتَيْنِ بِدِرْهَمٍ صَحَّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَعَ وُجُودِ الْجَهْلِ بِمَا يَخُصُّ كُلًّا، وَالْفَرْقُ بِكَثْرَةِ الْجَهْلِ فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: إذْ لَمْ يَبِعْ الْجُمْلَةَ إلَخْ) الْوَجْهُ؛ أَخْذًا مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ الصِّحَّةُ فِيمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ. (قَوْلُهُ: وَمَا زَادَ بِحِسَابِهِ صَحَّ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: أَوْ قَالَ: بِعْتُكهَا وَهِيَ عَشَرَةٌ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ صَحَّ فِي الْعَشَرَةِ فَقَطْ. اهـ. وَقَوْلُهُ: صَحَّ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: أَيْ: فِي صَاعٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْلُومُ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَتَوَافَقَ الْعَدَدُ) قَالَ فِي الْعُبَابِ: لَوْ بَاعَ الرِّزْمَةَ كُلَّ ثَوْبٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَثْوَابٍ فَبَانَتْ تِسْعَةً صَحَّ فِيهَا بِتِسْعَةِ دَرَاهِمَ أَوْ إحْدَى عَشَرَةَ بَطَلَ فِي الْكُلِّ. اهـ. وَعِبَارَةُ الْكِفَايَةِ لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذِهِ الرِّزْمَةَ كُلَّ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَثْوَابٍ، وَقَدْ شَاهَدَ كُلَّ ثَوْبٍ مِنْهَا فَخَرَجَتْ تِسْعَةً صَحَّ وَلَزِمَهُ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ خَرَجَتْ أَحَدَ عَشَرَ
[حاشية الشربيني]
التَّهْذِيبِ الْمَبِيعُ مَا ظَهَرَ فَقَطْ، وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ لَوْ كَانَ الِانْخِفَاضُ حُفْرَةً أَعْلَاهَا مُسَاوٍ لِوَجْهِ الْأَرْضِ فَالْبَيْعُ مَا فَوْقَ وَجْهِهَا الْمُسَاوِي لِوَجْهِ الْأَرْضِ دُونَ مَا فِيهَا وَلَا خِيَارَ. اهـ. وَهُوَ مَعَ وُضُوحِهِ مُخَالِفٌ لِلشَّرْحِ. اهـ. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ عَلَى الْمَحَلِّيِّ، وَلَوْ كَانَتْ الصُّبْرَةُ عَلَى مَوْضِعٍ فِيهِ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ وَعَلِمَ الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ لِمَنْعِهِ التَّخْمِينَ وَلَوْ كَانَ تَحْتَهَا حُفْرَةٌ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَمَا فِيهَا لِلْبَائِعِ. اهـ. وَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ الْقَوْلَانِ وَلَا خِلَافَ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَيَّبَ إلَخْ) بَحَثَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ أَنَّ الْمَاءَ لَوْ قُصِدَ خَلْطُهُ بِاللَّبَنِ لِنَحْوِ حُمُوضَةٍ وَكَانَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَخَلْطِ غَيْرِ الْمِسْكِ بِهِ لِلتَّرْكِيبِ. اهـ. شَرْحُ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ. (قَوْلُهُ: وَكَمَا لَوْ بَاعَ صُبْرَتَهُ كُلَّ صَاعٍ بِهِ) وَلَا يَتَعَدَّدُ الْعَقْدُ هُنَا بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ الَّذِي يَتَعَدَّدُ بِهِ الْعَقْدُ هُوَ مَا لَمْ يَسْبِقْهُ إجْمَالٌ بِأَنْ يَكُونَ مُسْتَقِلًّا، أَمَّا مَا سَبَقَهُ إجْمَالٌ كَمَا هُنَا وَهُوَ بَيْعُ الصُّبْرَةِ فَلَا يَتَعَدَّدُ بِهِ الْعَقْدُ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُ هَذَا فِي بَيْعِهِ الثَّوْبِ بِأَلْفٍ نِصْفُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: هُوَ ذُو امْتِنَاعٍ) أَيْ: إنْ قَصَدَ بِمِنْ التَّبْعِيضَ، أَوْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ مِنْ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهَا فِي هَذَا التَّرْكِيبِ إلَّا التَّبْعِيضُ، أَمَّا لَوْ قَصَدَ بِهَا الْجِنْسَ أَيْ: شَيْئًا هُوَ هَذِهِ الصُّبْرَةُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي الْخَادِمِ وَمُرَادُهُ أَنَّ مِنْ حِينَئِذٍ لِلْبَيَانِ، وَالْمُبَيَّنُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَيْ: شَيْئًا هُوَ هَذِهِ الصُّبْرَةُ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَبِعْ الْجُمْلَةَ) أَيْ: لَمْ يُوقِعْ الْبَيْعَ عَلَيْهَا بَلْ عَلَى كُلِّ صَاعٍ مِنْهَا، وَلَوْ اسْتَوْفَتْ الصِّيعَانَ جَمِيعهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: صَحَّ) أَيْ: فِي صَاعٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: وَبِعْتهَا بِعَشَرَةٍ إلَخْ) هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فِيمَا لَمْ تَتَفَاوَتْ أَجْزَاؤُهُ كَالصَّاعِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute