الْمُوَكِّلِ الْمَجْلِسَ، وَلَوْ كَانَ الْعَاقِدُ عَبْدًا مَأْذُونًا فَقَبَضَ سَيِّدُهُ، أَوْ وَكِيلًا فَقَبَضَ مُوَكِّلُهُ لَمْ يَكْفِ. وَخَرَجَ بِقَبْلِ التَّخَايُرِ مَا إذَا لَمْ يَتَقَابَضَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ التَّفَرُّقِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ كَذَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا لَكِنَّهُمَا قَالَا فِي الْخِيَارِ: لَوْ أَجَازَا فِي عَقْدِ الصَّرْفِ قَبْلَ التَّقَابُضِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا تَلْغُو الْإِجَازَةُ؛ إذْ الْقَبْضُ مُعَلَّقٌ بِالْمَجْلِسِ، وَهُوَ بَاقٍ فَيَبْقَى حُكْمُهُ فِي الْخِيَارِ، وَالثَّانِي يَلْزَمُ الْعَقْدُ وَعَلَيْهِمَا التَّقَابُضُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلْمَذْكُورِ هُنَا مِنْ الْبُطْلَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَهُنَاكَ إذَا تَقَابَضَا قَبْلَهُ.
وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ (بِالْكَيْلِ فِي مَكِيلِ) غَالِبِ عَادَةِ (عَهْدِ الْمُصْطَفَى) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَالْوَزْنِ فِي مَوْزُونِهِ) ، وَلَوْ كَانَ الْكَيْلُ، وَالْوَزْنُ بِمِكْيَالٍ وَمِيزَانٍ حَدَثَا بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ يُعْتَدْ الْكَيْلُ، وَالْوَزْنُ بِهِمَا كَقَصْعَةٍ، وَحَصَاةٍ وَذَلِكَ لِخَبَرِ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ كَيْلًا بِكَيْلٍ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد خَبَرَ «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْمِيزَانُ أَهْلُ مَكَّةَ» وَلَمْ يُرِدْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا مِكْيَالَ، وَلَا مِيزَانَ إلَّا بِهِمَا لِجَوَازِ الْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ بِغَيْرِهِمَا إجْمَاعًا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ بِهِمَا، فَلَا يَكْفِي التَّمَاثُلُ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا، وَلَا عَكْسُهُ فَالذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ، وَالسَّمْنُ الْجَامِدُ وَنَحْوُهُ مَوْزُونَاتٌ، وَالتَّمْرُ، وَالْمِلْحُ، وَالسَّمْنُ الذَّائِبُ وَنَحْوُهُ مَكِيلَاتٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمِلْحُ قِطَعًا كِبَارًا فَمَوْزُونٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي. وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ زِيَادَةُ قِيمَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ.
(وَتُقْتَفَى) أَيْ: تُتَّبَعُ (عَادَةُ أَرْضِ الْعَقْدِ) فِي كَوْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا (إذْ) أَيْ حَيْثُ (لَا نَقْلَا) فِي أَنَّ الْمُعْتَادَ فِيهِ الْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ؛ إذْ الشَّيْءُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ اُعْتُبِرَ بِالْعُرْفِ كَالْقَبْضِ، وَالْحِرْزِ وَنَحْوِهِمَا (قُلْتُ كَمَنْقُولِ التَّسَاوِي) بِأَنْ نُقِلَ أَنَّهُ كَانَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَالُ تَارَةً
ــ
[حاشية العبادي]
عَدَمَ الْبُطْلَانِ بِالتَّفَرُّقِ كَرْهًا فَقَالَ: بَطَلَ الْعَقْدُ إنْ كَانَ أَيْ: تَفَرُّقُهُمَا عَنْ تَرَاضٍ. اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَيْضًا لِلنِّسْيَانِ، وَالْجَهْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْإِكْرَاهِ لَائِحٌ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَمْ يُنْسَبْ لَهُ فِعْلٌ بِخِلَافِهِمَا وَعَلَى مَا اعْتَمَدَهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مَجْلِسُ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ وَيُوَكَّلُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي إقْبَاضِ الْآخَرِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُهُمَا التَّقَابُضُ بِأَنْفُسِهِمَا.
(قَوْلُهُ: الْمُوَكِّلِ الْمَجْلِسَ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَكَذَا قَبْضُ الْوَارِثِ بَعْدَ مُورَثِهِ فِي الْمَجْلِسِ. اهـ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ مَا حَاصِلُهُ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ فِي الْمَجْلِسِ ش ع حَجَرٌ وَنَقَلَ م ر عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ خِلَافَ ذَلِكَ وَاعْتَمَدَهُ وَشَرَحْنَاهُ بِهَامِشِ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْإِجَازَةَ تُبْطِلُ الْعَقْدَ وَإِنْ تَقَابَضَا بَعْدَهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ.
(قَوْلُهُ: عَهْدِ الْمُصْطَفَى) أَيْ: بِاعْتِبَارِ الْمَدِينَةِ؛ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: فِي مَوْزُونِهِ) أَيْ: بِاعْتِبَارِ مَكَّةَ؛ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَالسَّمْنُ الْجَامِدُ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر وَقَالَ فِي الرَّوْضِ: وَيُبَاعُ السَّمْنُ بِالسَّمْنِ وَزْنًا قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَقِيلَ: كَيْلًا وَقَالَ الْبَغَوِيّ: وَزْنًا إنْ كَانَ جَامِدًا، وَكَيْلًا إنْ كَانَ مَائِعًا قَالَهُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ تَوَسُّطٌ بَيْنَ وَجْهَيْنِ أَطْلَقَهُمَا الْعِرَاقِيُّونَ الْمَنْصُوصُ مِنْهُمَا الْوَزْنُ وَلَمْ يُصَحِّحَا شَيْئًا لَكِنَّهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ اسْتَحْسَنَ التَّوَسُّطَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ اللَّبَنَ يُكَالُ مَعَ أَنَّهُ مَائِعٌ. اهـ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا تَأْيِيدَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّمْنَ جَامِدٌ فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِلْأَصْلِ فِي ذَلِكَ بِدَلِيلِ الْجُبْنِ يُوزَنُ مَعَ أَنَّ أَصْلَهُ وَهُوَ اللَّبَنُ مَائِعٌ يُكَالُ وَدُهْنُ الْجَوْزِ يُكَالُ مَعَ أَنَّ أَصْلَهُ وَهُوَ الْجَوْزُ جَامِدٌ يُوزَنُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الشَّيْءِ بِحَالِهِ
ــ
[حاشية الشربيني]
سَبَقَ (قَوْلُهُ: لَمْ يَكْفِ) أَيْ: إنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنٍ كَمَا مَرَّ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ) قَالَ م ر: إنَّهُ ضَعِيفٌ؛ إذْ هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى رَأْيِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَهُوَ لَا يَرَى أَنَّ التَّخَايُرَ بِمَنْزِلَةِ التَّفَرُّقِ. (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ إلَخْ) قَالَ م ر: هَذَا الْجَمْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَضْعِيفٌ لِكَلَامِهِمَا هُنَا. (قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِكْيَالَ إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ كَانَ شَيْءٌ يُكَالُ بِالْمَدِينَةِ وَيُوزَنُ بِمَكَّةَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا الْعِبْرَةُ فِيهِ؟ كَذَا بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ فِيهِ أَحَدُهُمَا عُمِلَ بِهِ وَإِنْ اسْتَوَيَا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ عَمِلَ بِالْعَادَةِ إلَّا فِيمَا يَأْتِي فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَكْفِي إلَخْ) وَإِنْ سَاوَى كَيْلُهُ وَزْنَهُ عَلَى الْأَوْجَهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي هَذَا الْبَابِ التَّعَبُّدُ. اهـ. حَجَرٌ شَرْحُ الْإِرْشَادِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمِلْحُ إلَخْ) وَإِنْ أَمْكَنَ سَحْقُهَا حَجَرٌ.
(قَوْلُهُ: وَيُقْتَفَى إلَخْ) أَيْ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْحِجَازِ عُرْفٌ فِيهِ حَالَةَ الْبَيْعِ وَمِثْلُهُ مَنْقُولُ التَّسَاوِي وَمَا زَادَهُ الشَّرْحُ بَعْدَهُ كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَشَرْحِ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ، وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لمر أَنَّ هَذِهِ مَقَالَةُ الْمُتَوَلِّي، لَكِنَّ تَعْلِيلَ الْأَصْحَابِ بِقَوْلِهِمْ لِظُهُورِ أَنَّهُ اطَّلَعَ إلَخْ يُخَالِفُهُ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا لَمْ يَتَسَاوَيَا إلَخْ) أَوْ جُهِلَ حَالُهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحِجَازِ أَوْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ