ثُبُوتُ الْخِيَارِ وَأَنَّهُ مَتَى فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَهُ بَطَلَ خِيَارُهُمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَوْ تَبَايَعَا بِبَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ أَوْ صَحْنٍ وَصُفَّةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا كَالْمُتَبَاعِدِينَ، وَلَوْ تَبَايَعَا بِالْمُكَاتَبَةِ وَقَبِلَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ فَلَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِ الْقَبُولِ وَيَتَمَادَى خِيَارُ الْكَاتِبِ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ خِيَارُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (لَا) بِتَخَايُرِهِمَا أَوْ تَفَرُّقِهِمَا (إكْرَاهَا) لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَيْ: لَا يَنْتَهِي بِهِ خِيَارُهُمَا بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ كَمَا مَرَّ لِتَقْصِيرِهِمَا فَلَوْ فَارَقَ أَحَدُهُمَا مُكْرَهًا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ وَإِنْ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّفَوُّهِ بِالْفَسْخِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ كَلَا فِعْلٍ، وَالسُّكُوتَ عَنْ الْفَسْخِ لَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ كَمَا فِي الْمَجْلِسِ وَلَا يُبْطِلُ خِيَارَ الْمَاكِثِ إنْ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُ وَإِلَّا بَطَلَ، وَلَوْ هَرَبَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَتْبَعْهُ الْآخَرُ فَإِنْ كَانَ مَعَ التَّمَكُّنِ بَطَلَ خِيَارُهُمَا وَإِلَّا فَخِيَارُ الْهَارِبِ فَقَطْ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّهْذِيبِ وَأَقَرَّهُ وَأَطْلَقَ جَمْعٌ بُطْلَانَ خِيَارِهِمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ؛ وَلِأَنَّ الْهَارِبَ فَارَقَ مُخْتَارًا بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ وَإِذَا ابْتَاعَ مَالَ طِفْلِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ عَكْسُهُ وَفَارَقَ الْمَجْلِسَ انْتَهَى خِيَارُهُمَا.
(لَا الْمَوْتِ وَالْجُنُونِ) وَالْإِغْمَاءُ فَلَا يَنْتَهِي بِهَا الْخِيَارُ بَلْ يَقُومُ الْوَارِثُ وَلَوْ عَامًّا مَقَامَ الْمَيِّتِ وَالْوَلِيِّ وَلَوْ عَامًّا مَقَامَ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالسَّيِّدُ مَقَامَ الْمُكَاتَبِ، وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ وَالْمُوَكِّلُ مَقَامَ الْوَكِيلِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ وَيَفْعَلُ الْوَلِيُّ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونًا نَصَبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَفْعَلُ لَهُ مَا فِيهِ ذَلِكَ، ثُمَّ إنْ كَانَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَيَتَمَادَى خِيَارُ الْكَاتِبِ إلَخْ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُفَارَقَةَ الْكَاتِبِ مَجْلِسَهُ الَّذِي أَوْجَبَ فِيهِ لَا أَثَرَ لَهَا إذْ الْعَقْدُ بَعْدُ لَمْ يَحْصُلْ وَلَا خِيَارَ إلَّا بِحُصُولِهِ لَكِنْ هَلْ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهُ أَعْنِي الْكَاتِبَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ عِنْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ حَتَّى إذَا فَارَقَهُ حِينَئِذٍ أَثَّرَتْ مُفَارَقَتُهُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَوْ لَا فَلَا يُعْتَبَرُ لَهُ مَجْلِسٌ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مَجْلِسَهُ، فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوَّلُ غَيْرُ بَعِيدٍ وَالثَّانِي ظَاهِرُ إطْلَاقِ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يَمْتَدُّ لِلْكَاتِبِ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ خِيَارُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ: وَالْجَاهِلِ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُجَلِّي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا قَالَهُ مُجَلِّي فِي الْجَاهِلِ يَنْبَغِي تَخْرِيجُهُ عَلَى نَظَائِرِهِ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ، فَمَحَلُّهُ فِيمَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ غَالِبًا بِخِلَافِ جَاهِلٍ قَرُبَ إسْلَامُهُ، أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ وَيُؤَيِّدُهُ التَّعْلِيلُ بِالتَّقْصِيرِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ فَارَقَ أَحَدُهُمَا مُكْرَهًا) أَيْ: بِغَيْرِ حَقٍّ بِخِلَافِهِ بِحَقٍّ كَأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَاصِبًا لِمَجْلِسِ الْعَقْدِ فَأُكْرِهَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْوَافِي ش ع. (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْطُلْ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ بَطَلَ خِيَارُ الْآخَرِ لِمُكْثِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُ فَيَبْقَى لِلْمُكْرَهِ دُونَ هَذَا كَمَا لَوْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، بَلْ هَذَا صَرِيحُ هَذَا الْكَلَامِ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا يَبْطُلُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ) حَتَّى فِي الرِّبَوِيِّ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضَةِ م ر. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَطَلَ) أَيْ: خِيَارُ الْمَاكِثِ أَيْ: دُونَ خِيَارِ الْمُكْرَهِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ هَذَا الصَّنِيعِ مِنْهُمْ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ عُذْرَ الْإِكْرَاهِ جَعَلَ عَدَمَ الْخُرُوجِ مَعَهُ بِمَنْزِلَةِ إجَازَةِ الْمَاكِثِ وَحْدَهُ فَيَبْطُلُ خِيَارُهُ فَقَطْ نَعَمْ لَوْ فَارَقَ الْمَجْلِسَ بَعْدَ ذَلِكَ اتَّجَهَ انْقِطَاعُ خِيَارِهِمَا؛ لِأَنَّ عُذْرَ الْإِكْرَاهِ غَايَتُهُ جَعْلُ الْمُكْرَهِ كَالْبَاقِي فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ لَوْ بَقِيَ فِيهِ وَفَارَقَ الْآخَرُ انْقَطَعَ خِيَارُهُمَا فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضَةِ فَلَوْ فَارَقَ الْمَجْنُونُ، أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ الْمَجْلِسَ لَمْ يُؤَثِّرْ كَمَا صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ وَإِلْحَاقُ الشَّيْخَيْنِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِالْجُنُونِ مَحَلُّهُ إنْ جَعَلْنَاهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْإِغْمَاءِ وَإِلَّا فَهُوَ كَمَنْ خَرِسَ وَلَا إشَارَةَ لَهُ وَفِي الرَّافِعِيِّ فِي الْكِتَابَةِ أَنَّهُ لَا يُلْحَقُ بِمَنْ يُوَلَّى عَلَيْهِ. اهـ. وَسَيَأْتِي مَا فِي ذَلِكَ فِي الْحَجْرِ ش ع. (قَوْلُهُ: وَالْمُوَكِّلُ مَقَامَ الْوَكِيلِ) ظَاهِرُهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَهَلْ الْأَجْنَبِيُّ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ كَالْوَكِيلِ، أَوْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لَهُ
[حاشية الشربيني]
يَزُولُ بِمُفَارَقَةِ الْمُفَارِقِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا مُتَقَارِبَيْنِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مَتَى فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَهُ) أَيْ: وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ الْآخَرُ مَعَهُ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ عُدَّ تَفَرُّقًا كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: مَتَى فَارَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ) وَلَوْ إلَى جِهَةِ الْآخَرِ وَاعْتَمَدَ حَجَرٌ خِلَافَهُ. اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ) أَيْ: إنْ بَقِيَ الْآخَرُ فِي مَجْلِسِهِ أَوْ تَبِعَهُ وَإِلَّا بَطَلَ وَيَبْطُلُ خِيَارُ الْآخَرِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الْمُكْرَهِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُمْنَعْ) فَلَا يُعْتَبَرُ تَمَكُّنُهُ مِنْ الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ اهـ ذ. (قَوْلُهُ: إنْ مُنِعَ) فَلَوْ زَالَ الْمَنْعُ كُلِّفَ لُحُوقَهُ إنْ عَرَفَ مَحَلَّهُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. ع ش مَعْنَى قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ كَذَا قَالَ شَيْخُنَا لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الرِّبَا أَنَّهُ يَبْقَى خِيَارُ الْآخَرِ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ مُطْلَقًا كَالْمُكْرَهِ فَإِنْ فَارَقَ مَجْلِسَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَحْدَهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ هُنَا أَيْضًا وَإِلَيْهِ مَالَ شَيْخُنَا ثَانِيًا وَسَيَأْتِي هُنَا فِي الْحَيِّ مِثْلُهُ وَفَارَقَ الْهَارِبَ بِوُجُودِ الِاخْتِيَارِ مِنْ الْمُفَارِقِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتْبَعْهُ) فَإِنْ تَبِعَهُ بَقِيَ خِيَارُهُمَا مَا لَمْ يَتَبَاعَدَا. اهـ. ق ل. (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ الْهَارِبَ) مِنْ تَمَامِ الْعِلَّةِ فَلَا يَرُدُّ مَا قِبَلَهُ.
(قَوْلُهُ: نَصَبَ الْحَاكِمُ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute