للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنها ألقابها بناء على ذلك الإشعار أو غير ذلك والثاني باطل لأنه إما أن يكون المراد ما وضعت له في لغة العرب وظاهر أنه ليس كذلك أو غيره وهو باطل لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين فلا يحمل على ما ليس في لغتهم وعورض بوجوه، الأول أنا نجد سورا كثيرة افتتحت «بالم- وحم» والمقصود رفع الاشتباه، الثاني لو كانت أسماء لوردت ولاشتهرت بها والشهرة بخلافها كسورة البقرة وآل عمران، الثالث أن العرب لم تتجاوز ما سموا به مجموع اسمين كبعلبك ولم يسم أحد منهم بمجموع ثلاثة أسماء وأربعة وخمسة فالقول بأنها أسماء السور خروج عن لغتهم، الرابع أنه يؤدي إلى اتحاد الاسم والمسمى، الخامس أن هذه الألفاظ داخلة في السور وجزء الشيء متقدم على الشيء بالرتبة واسم الشيء متأخر عنه فيلزم أن يكون متقدما متأخرا معا وهو محال، وأجيب عن الأول بما يجاب عن الأعلام المشتركة من أنها ليست بوضع واحد، وعن الثاني بأنه

ورد عنه صلى الله تعالى عليه وسلم «يس قلب القرآن ومن قرأ حم حفظ إلى أن يصبح»

وفي السنن «أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم سجد في «ص»

وإذا ثبت في البعض ثبت الجميع إذ لا فارق مع أن شهرة أحد العلمين لا يضر علمية الآخر فكم من مسمى لا يعرف اسمه إلا بعد التنقير لاشتهاره بغيره كأبي هريرة وذي اليدين وعدم اشتهار بعضها لكونه مشتركا فترك لاحتياجه إلى ضميمة «كالم» هنا، وعن الثالث بأن التسمية بثلاثة أسماء مثلا إنما تمتنع إذا ركبت وجعلت اسما واحدا فأما إذا نثرت نثر أسماء الأعداد فلا لأنها من باب التسمية بما حقه أن يحكى.

وقد وردت التسمية بثلاثة ألفاظ- كشاب قرناها، وسر من رأى، ودارابجرد- وسوى سيبويه بين التسمية بالجملة والبيت من الشعر وطائفة من أسماء حروف المعجم، وعن الرابع بأن هذه التسمية من تسمية مؤلف بمفرد والمفرد غير المؤلف فلا اتحاد ألا ترى أنهم جعلوا اسم الحرف مؤلفا منه ومن غيره «كصاد» فهما متغايران ذاتا وصفة، وعن الخامس بأن تأخر ما هو متقدم باعتبار آخر غير مستحيل والجزء مقدم من حيث ذاته مؤخر من حيث وصفه وهو الاسمية فلا محذور، وقال بعضهم: كونها أسماء الحروف المقطعة أقرب إلى التحقيق لظهوره وعدم التجوز فيه وسلامته مما يرد على غيره ولأنه الأمر المحقق وأوفق للطائف التنزيل لدلالته على الإعجاز قصدا ووقوع الاشتراك في الأعلام من واضع واحد فإنه يعود بالنقض على ما هو مقصود العلمية وكلام سيبويه وغيره ليس نصا فيها لاحتمال أنهم أرادوا أنها جارية مجراها- كما يقولون- قرأت بانت سعاد وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: ١] أي ما أوله ذلك فلما غلب جريانها على الألسنة صارت بمنزلة الأعلام الغالبة فذكرت في باب العلم وأثبتت لها أحكامه على أن ما ذكر في الاعتراض الثالث مما لا محيص عنه إذ عدم وجود التسمية بثلاثة أسماء وأربعة وخمسة في كلام العرب مما لا شك فيه وما نقل عن سيبويه مجرد قياس محتاج للإثبات كما ذكره السيد السند، هذا ووراء هذين القولين أقوال أخشى من نقلها الملال والذي يغلب على الظن أن تحقيق ذلك علم مستور وسر محجوب عجزت العلماء- كما قال ابن عباس- عن إدراكه وقصرت خيول الخيال عن لحاقه، ولهذا قال الصديق رضي الله تعالى عنه: لكل كتاب سر وسر القرآن أوائل السور، وقال الشعبي: سر الله تعالى فلا تطلبوه.

بين المحبين سر ليس يفشيه ... قول ولا قلم للخلق يحكيه

فلا يعرفه بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا الأولياء الورثة فهم يعرفونه من تلك الحضرة وقد تنطق لهم الحروف عما فيها كما كانت تنطق لمن سبح بكفه الحصى وكلمه الضب والظبي صلّى الله عليه وسلّم كما صح ذلك من رواية أجدادنا أهل البيت رضي الله تعالى عنهم بل متى جنى العبد ثمرة شجرة قرب النوافل علمها وغيرها بعلم الله تعالى الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وما ذكره المستدل سابقا من أنه لو لم تكن مفهمة كان الخطاب بها

<<  <  ج: ص:  >  >>