للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسها للنبي صلّى الله عليه وسلّم ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وكذا وعددهن قال: تقرأهن على ظهر قلبك؟ قال: نعم قال: اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن،

ووجه التأييد أنه لو كان في الآية حجة لما خالفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وأجيب بأن كون القرآن معه لا يوجب كونه بدلا والتعليل ليس له ذكر في الخبر فيجوز أن يكون مراده صلّى الله عليه وسلّم زوجتك تعظيما للقرآن ولأجل ما معك منه- قاله بعض المحققين- ولعل في الخبر إشارة إليه فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ «ما» إما عبارة عن النساء أو عما يتعلق بهن من الأفعال وعليهما فهي إما شرطية أو موصولة وأيّا ما كان فهي مبتدأ وخبرها على تقدير الشرطية فعل الشرط أو جوابه أو كلاهما وعلى تقدير الموصولية قوله تعالى: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ والفاء لتضمن الموصول معنى الشرط ثم على تقدير كونها بمعنى النساء بتقديرية العائد إلى المبتدأ الضمير المنصوب في فَآتُوهُنَّ ومن بيانية أو تبعيضية في موضع النصب على الحال من ضمير بِهِ واستعمال ما للعقلاء لأنه أريد بها الوصف كما مر غير مرة، وقد روعي في الضمير أولا جانب اللفظ وأخيرا جانب المعنى، والسين للتأكيد لا للطلب، والمعنى فأي فرد أو فالفرد الذي تمتعتم به حال كونه من جنس النساء أو بعضهن فأعطوهن أجورهن، وعلى تقدير كونها عبارة عما يتعلق بهن- فمن- ابتدائية متعلقة بالاستمتاع بمعنى التمتع أيضا وما لما لا يعقل، والعائد إلى المبتدأ محذوف أي فأي فعل تمتعتم به من قبلهن من الأفعال المذكورة فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ لأجله أو بمقابلته، والمراد من الأجور المهور، وسمي المهر أجرا لأنه بدل عن المنفعة لا عن العين فَرِيضَةً حال من الأجور بمعنى مفروضة أو صفة مصدر محذوف أي إيتاء مفروضا، أو مصدر مؤكد أي فرض ذلك فريضة فهي كالقطيعة بمعنى القطع وَلا جُناحَ أي لا إثم عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ من الحط عن المهر أو الإبراء منه أو الزيادة على المسمى، ولا جناح في زيادة الزيادة لعدم مساعدة لا جُناحَ إذا جعل الخطاب للأزواج تغليبا فإن أخذ الزيادة مظنة ثبوت المنفي للزوجة مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ أي الشيء المقدر، وقيل: فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ من نفقة ونحوها، وقيل:

من مقام أو فراق، وتعقبه شيخ الإسلام بأنه لا يساعده ذكر الفريضة إذ لا تعلق لهما بها إلا أن يكون الفراق بطريق المخالعة، وقيل: الآية في المتعة وهي النكاح إلى أجل معلوم من يوم أو أكثر، والمراد وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ من استئناف عقد آخر بعد انقضاء الأجل المضروب في عقد المتعة بأن يزيد الرجل في الأجر وتزيده المرأة في المدة، وإلى ذلك ذهبت الإمامية، والآية أحد أدلتهم على جواز المتعة، وأيدوا استدلالهم بها بأنها في حرف أبيّ «فما استمتعتم به منهن» إلى أجل مسمى، وكذلك قرأ ابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم- والكلام في ذلك شهير- ولا نزاع عندنا في أنها أحلت ثم حرمت، وذكر القاضي عياض في ذلك كلاما طويلا، والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالا قبل يوم خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتصالهما، ثم حرمت يومئذ بعد ثلاث تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، واستمر التحريم، ولا يجوز أن يقال: إن الإباحة مختصة بما قبل خيبر، والتحريم يوم خيبر للتأبيد وإن الذي كان يوم الفتح مجرد توكيد التحريم من غير تقدم إباحة يوم الفتح إذ الأحاديث الصحيحة تأبى ذلك، وفي صحيح مسلم ما فيه مقنع.

وحكي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يقول بحلها ثم رجع عن ذلك حين

قال له علي كرم الله تعالى وجهه: إنك رجل تائه إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن المتعة

كذا قيل، وفي صحيح مسلم ما يدل على أنه لم يرجع حين قال له عليّ ذلك، فقد أخرج عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه قام بمكة فقال: إنا ناسا أعمى الله تعالى قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل- يعني ابن عباس- كما قال النووي، فناداه فقال: إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين- يريد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- فقال له ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>