وروي ذلك من غير ما طريق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكذلك عن غيره، ومذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه إذا أسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على أن يرثه ويعقل عنه صح وعليه عقله وله إرثه إن لم يكن له وراث أصلا، وخبر النسخ المذكور لا يقوم حجة عليه إذ لا دلالة فيما ادعى ناسخا على عدم إرث الحليف لا سيما وهو إنما يرثه عند عدم العصبات وأولي الأرحام، والأيمان هنا جمع يمين بمعنى اليد اليمنى، وإضافة العقد إليها لوضعهم الأيدي في العقود، أو بمعنى القسم وكون العقد هنا عقد النكاح خلاف الظاهر إذ لم يعهد فيه إضافته إلى اليمين وقرأ الكوفيون عَقَدَتْ بغير ألف، والباقون «عاقدت» بالألف، وقرىء بالتشديد أيضا. والمفعول في جميع القراءات محذوف أي عهودهم، والحذف تدريجي ليكون العائد المحذوف منصوبا كما هو الكثير المطرد، وفي الموصول أوجه من الإعراب: الأول أن يكون مبتدأ وجملة قوله تعالى: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ خبره وزيدت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، والثاني أنه منصوب على الاشتغال قيل: وينبغي أن يكون مختارا لئلا يقع الطلب خبرا لكنهم لم يختاروه لأن مثله قلما يقع في غير الاختصاص وهو غير مناسب هنا. ورد بأن زيدا ضربته إن قدر العامل فيه مؤخرا أفاد الاختصاص، وإن قدر مقدما فلا يفيده، ولا خفاء أن الظاهر تقديره مقدما فلا يلزم الاختصاص، والثالث أنه معطوف على الْوالِدانِ فإن أريد أنهم موروثون عاد الضمير من- فآتوهم- على- موالي- وإن أريد أنهم وارثون جاز عوده على مَوالِيَ وعلى الوالدين وما عطف عليهم، قيل: ويضعفه شهرة الوقف على الْأَقْرَبُونَ دون أَيْمانُكُمْ، والرابع أنه منصوب بالعطف على موالي وهو تكلف.
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخرجها البخاري وأبو داود والنسائي وجماعة أنه قال في الآية:
كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمة للأخوة التي آخى النبي صلّى الله عليه وسلّم بينهم فلما نزلت وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ نسخت، ثم قال: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ من النصر والرفادة والنصيحة- وقد ذهب الميراث ويوصى له- وروي عن مجاهد مثله، وظاهر ذلك عدم جواز العطف إذ من عطف أراد فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ من الإرث إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً أي لم يزل سبحانه عالما بجميع الأشياء مطلعا عليها جليها وخفيها فيطلع «على الإيتاء والمنع، ويجازي كلّا من المانع والمؤتى حسب فعله، ففي الجلة وعد ووعيد الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ أي شأنهم القيام عليهن قيام الولاة على الرعية بالأمر والنهي ونحو ذلك، واختيار الجملة الاسمية مع صيغة المبالغة للإيذان بعراقتهم ورسوخهم في الاتصاف بما أسند إليهم، وفي الكلام إشارة إلى سبب استحقاق الرجال الزيادة في الميراث كما أن فيما تقدم رمزا إلى تفاوت مراتب الاستحقاق، وعلل سبحانه الحكم بأمرين: وهبي وكسبي فقال عز شأنه: بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فالباء للسببية وهي متعلقة ب قَوَّامُونَ كعلى ولا محذور أصلا، وجوز أن تتعلق بمحذوف وقع حالا من ضميره والباء للسببية أو للملابسة، وما مصدرية وضمير الجمع لكلا الفريقين تغليبا أي قوّامون عليهن بسبب تفضيل الله تعالى إياهم عليهن، أو مستحقين ذلك بسبب التفضيل، أو متلبسين بالتفضيل، وعدل عن الضمير فلم يقل سبحانه بما فضلهم الله عليهن للإشعار بغاية ظهور الأمر وعدم الحاجة إلى التصريح بالمفضل والمفضل عليه بالكلية، وقيل: للإبهام للإشارة إلى أن بعض النساء أفضل من كثير من الرجال وليس بشيء، وكذا لم يصرح سبحانه بما به التفضيل رمزا إلى أنه غني عن التفصيل، وقد ورد أنهن ناقصات عقل ودين، والرجال بعكسهن كما لا يخفى، ولذا خصوا بالرسالة والنبوة على الأشهر، وبالإمامة الكبرى والصغرى، وإقامة الشعائر كالأذان والإقامة والخطبة والجمعة وتكبيرات التشريق عند إمامنا الأعظم- والاستبداد بالفراق وبالنكاح عند الشافعية- وبالشهادة في أمهات القضايا وزيادة السهم في الميراث والتعصيب إلى غير ذلك