يتعلق بحقوق الله تعالى لأنها المدار الأعظم، وفي ذلك إيماء أيضا إلى ارتفاع شأن ما نظم في ذلك السلك، والعبادة أقصى غاية الخضوع، وشَيْئاً إما مفعول به أي لا تشركوا به شيئا من الأشياء صنما كان أو غيره، فالتنوين للتعميم.
واختار عصام الدين كونه للتحقير ليكون فيه توبيخ عظيم- أي لا تشركوا به شيئا حقيرا مع عدم تناهي كبريائه إذ كل شيء في جنب عظمته سبحانه أحقر حقير- ونسبة الممكن إلى الواجب أبعد من نسبة المعدوم إلى الموجود إذ المعدوم إمكان الموجود، وأين الإمكان من الوجوب؟ ضدان مفترقان أي تفرق، وإما مصدر أي لا تشركوا به عز شأنه شيئا من الإشراك جليا أو خفيا، وعطف النهي عن الإشراك على الأمر بالعبادة مع أن الكف عن الإشراك لازم للعبادة بذلك التفسير إذ لا يتصور غاية الخضوع لمن له شريك ضرورة أن الخضوع لمن لا شريك له فوق الخضوع لمن له شريك للنهي عن الإشراك فيما جعله الشرع علامة نهاية الخضوع، أو للتوبيخ بغاية الجهل حيث لا يدركون هذا اللزوم كذا قيل: ولعل الأوضح أن يقال: إن هذا النهي إشارة إلى الأمر بالإخلاص فكأنه قيل: «واعبدوا الله مخلصين له» .
ويؤول ذلك كما أومأ إليه الإمام إلى أنه سبحانه أمر أولا بما يشمل التوحيد وغيره من أعمال القلب والجوارح ثم أردفه بما يفهم منه التوحيد الذي لا يقبل الله تعالى عملا بدونه فالعطف من قبيل عطف الخاص على العام وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً أي وأحسنوا بهما إحسانا فالجار متعلق بالفعل المقدر، وجوز تعلقه بالمصدر وقدم للاهتمام- وأحسن- يتعدى بالباء وإلى واللام، وقيل: إنما يتعدى بالباء إذا تضمن معنى العطف.
والإحسان المأمور به أن يقوم بخدمتهما ولا يرفع صوته عليهما، ولا يخشن في الكلام معهما، ويسعى في تحصيل مطالبهما والإنفاق عليهما بقدر القدرة، وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة الكلام فيما يتعلق بهما. وَبِذِي الْقُرْبى أي بصاحب القرابة من أخ وعم وخال وأولاد كل ونحو ذلك، وأعيد الباء هنا ولم يعد في البقرة قال في البحر: لأن هذا توصية لهذه الأمة فاعتنى به وأكد، وذلك في بني إسرائيل.
وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ من الأجانب وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى أي الذي قرب جواره وَالْجارِ الْجُنُبِ أي البعيد من الجنابة ضد القرابة، وهي على هذا مكانية، ويحتمل أن يراد- بالجار ذي القربى- من له مع الجوار قرب واتصال بنسب أو دين- وبالجار الجنب- الذي لا قرابة له ولو مشركا،
أخرج أبو نعيم والبزار من حديث جابر بن عبد الله- وفيه ضعف- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الجيران ثلاثة: فجار له ثلاثة حقوق: حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام وجار له حقان: حق الجوار وحق الإسلام، وجار له حق واحد: حق الجوار، وهو المشرك من أهل الكتاب» ،
وأخرج البخاري في الأدب عن عبد الله بن عمر أنه ذبحت له شاة فجعل يقول لغلامه: أهديت لجارنا اليهودي أهديت لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» .
والظاهر أن مبنى الجوار على العرف، وعن الحسن كما في الأدب أنه سئل عن الجار فقال: أربعين دارا أمامه وأربعين خلفه وأربعين عن يمينه وأربعين عن يساره، وروي مثله عن الزهري، وقيل: أربعين ذراعا، ويبدأ بالأقرب فالأقرب،
فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابا،
وقرىء- والجار ذا القربى- بالنصب أي وأخص الجار، وفي ذلك تنبيه على عظم حق الجار.
وقد أخرج الشيخان عن أبي شريح الخزاعي «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره»
وفيما سمعه عبد الله كفاية، وأخرجه الشيخان وأحمد من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ هو الرفيق في السفر، أو المنقطع إليك يرجو نفعك ورفدك، وكلا القولين عن ابن عباس، وقيل: الرفيق في أمر حسن- كتعلم وتصرف وصناعة وسفر- وعدوا من ذلك من قعد بجنبك في مسجد أو مجلس وغير ذلك من أدنى