للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفرق الطيبي بين كونه خبرا ومبتدأ بأنه على الأول متصل بما قبله لأن هذا من جنس أوصافهم التي عرفوا بها، وعلى الثاني منقطع جيء به لبيان أحوالهم، وذكر أن الوجه الاتصال وأطال الكلام عليه، وفي البخل أربع لغات: فتح الخاء والباء- وبها قرأ حمزة والكسائي- وضمهما- وبها قرأ الحسن وعيسى بن عمر وفتح الباء وسكون الخاء- وبها قرأ قتادة- وضم الباء وسكون الخاء- وبها قرأ الجمهور- وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أي من المال والغنى، أو من نعوته صلّى الله تعالى عليه وسلّم.

وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً أي أعددنا لهم ذلك ووضع المظهر موضع المضمر إشعارا بأن من هذا شأنه فهو كافر لنعم الله تعالى، ومن كان كافرا لنعمه فله عذاب يهينه كما أهان النعم بالبخل والإخفاء، ويجوز حمل الكفر على ظاهره، وذكر ضمير التعظيم للتهويل لأن عذاب العظيم عظيم، وغضب الحليم وخيم، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لما قبلها، وسبب نزول الآية ما أخرجه ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر بسند صحيح عن ابن عباس قال: كان كردم بن زيد حليف كعب بن الأشرف وأسامة بن حبيب ونافع بن أبي نافع وبحري بن عمرو وحيي بن أخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار يتنصحون لهم فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون فأنزل الله تعالى الَّذِينَ يَبْخَلُونَ إلى قوله سبحانه:

وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً، وقيل: نزلت في الذين كتموا صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وروي ذلك عن سعيد بن جبير وغيره، أخرج عبد بن حميد وآخرون عن قتادة أنه قال في الآية: هم أعداء الله تعالى أهل الكتاب بخلوا بحق الله تعالى عليهم وكتموا الإسلام ومحمدا صلّى الله عليه وسلّم وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، والبخل على هذه الرواية ظاهر في البخل بالمال، وبه صرح ابن جبير في إحدى الروايتين عنه، وفي الرواية الأخرى أنه البخل بالعلم، وأمرهم الناس أي اتباعهم به يحتمل أن يكون حقيقة، ويحتمل أن يكون مجازا تنزيلا لهم منزلة الآمرين بذلك لعلمهم باتباعهم لهم وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ أي للفخار، ولما يقال لا لوجه الله العظيم المتعال، والموصول عطف على نظيره، أو على الكافرين، وإنما شاركوهم في الذم والوعيد لأن البخل والسرف الذي هو الإنفاق لا على ما ينبغي من حيث إنهما طرفا إفراط وتفريط سواء في الشناعة واستجلاب الذم، وجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي قرينهم الشيطان كما يدل عليه الكلام الآتي.

ورِئاءَ مصدر منصوب على الحال من ضمير يُنْفِقُونَ وإضافته إلى النَّاسِ من إضافة المصدر لمفعوله أي مرائين الناس وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ القادر على الثواب والعقاب وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الذي يثاب فيه المطيع ويعاقب العاصي ليقصدوا بالإنفاق ما تورق به أغصانه ويجتنى منه ثمره وهم اليهود، وروي ذلك عن مجاهد، أو مشركو مكة، أو المنافقون- كما قيل- وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ والمراد به إبليس وأعوانه الداخلة والخارجة من قبيلته، والناس التابعين له أو من القوى النفسانية والهوى وصحبة الأشرار، أو من النفس والقوى الحيوانية وشياطين الإنس والجن لَهُ قَرِيناً أي صاحبا وخليلا في الدنيا فَساءَ فبئس الشيطان أو القرين.

قَرِيناً لأنه يدعوه إلى المعصية المؤدية إلى النار- وساء- منقولة إلى باب- نعم، وبئس- فهي ملحقة بالجامدة فلذا قرنت بالفاء، ويحتمل أن تكون على بابها بتقدير «قد» كقوله سبحانه: وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ [النمل: ٩٠] والغرض من هذه الجملة التنبيه على أن الشيطان قرينهم، فحملهم على ذلك وزينه لهم، وجوز أن يكون وعيدا لهم بأن يقرن بهم الشيطان يوم القيامة في النار فيتلاعنان ويتباغضان وتقوم لهم الحسرة على ساق وَماذا عَلَيْهِمْ أي ما الذي عليهم، أو أي وبال وضرر يحيق بهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>