تقربوا الصلاة في حال الجنابة إلا حال كونكم مسافرين فإن كنتم كذلك، أو كنتم مرضى- إلخ، وقيل: إن هذا القيد راجع للكل، وقيد وجوب التطهر المكنى عنه بالمجيء من الغائط والملامسة معتبر فيه أيضا، واعترض بأن النظم الكريم لا يساعده، وفي الكشف عن بعضهم أن في الآية تقديما وتأخيرا، والتقدير لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى، ولا جنبا ولا جائيا أحد منكم من الغائط، أو لامسا يعني ولا محدثين، ثم قيل: وإن كنتم مرضى أو على سفر فتيمموا، وفيه الفصل بين الشرط والجزاء والمعطوف عليه من غير نكتة، ثم قال بعد أن نقل ما اعترضه: ولعل الأوجه في تقرير الآية- والله تعالى أعلم- أن يجعل عدم الوجدان عبارة عن عدم القدرة على استعمال الماء لفقد الماء، أو المانع ليصح أن يكون قيدا للكل، أو يحمل على ظاهره ويجعل قيدا للأخيرين لأن عموم الإعواز في حق المسافر غالبا، والمنع من القدرة على استعمال الماء القائم مقامه في حق المريض مغن عن التقييد لفظا، وأن يبقى قوله سبحانه: مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ على إطلاقه من غير تقييد بكونهم محدثين أو مجنبين لأن المقصود بيان سبب العدول عن الطهارة بالماء إلى التيمم، أما المشترك بين الطهارتين فلا يحتاج إلى ذكره قصدا وأن يجعل ذكر المحدثين من غير القبيلين بيانا لسبب العدول وهو فقد القدرة من غير سفر ولا مرض لا لأن الحدث سبب وإن أفاد ذلك ضمنا ولم يقل أو لم تجدوا دون ذكر السببين تنبيها على أن عدم الوجدان مرخص بعد انعقاد سبب الطهارة، وأفيد ضمنا أنهما معتبران أيضا في المريض والمسافر إذ لا فرق بين المرض والسفر وبين سائر الأعذار في ذلك انتهى، ولا يخفى أن الحمل على الظاهر أظهر وما ذكره على تقدير الحمل عليه ليس بالبعيد عما قدمناه، نعم الآية من معضلات القرآن، ولعلها تحتاج بعد إلى نظر دقيق، والفاء في فَلَمْ عاطفة، وأما الفاء في قوله سبحانه: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فواقعة في جواب الشرط، والظاهر أن الضمير راجع إلى جميع ما اشتمل عليه، وفيه تغليب الخطاب على الغيبة، ومثله في ذلك تَجِدُوا فلا حاجة إلى تقدير فليتيمم جزاء لقوله سبحانه: جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ والتيمم لغة القصد قال الأعشى:
تيممت قيسا وكم دونه ... من الأرض من مهمه ذي شزن
والصعيد وجه الأرض كما روي عن الخليل وثعلب وقال الزجاج: لا أعلم خلافا بين أهل اللغة في أن الصعيد وجه الأرض وسمي بذلك لأنه نهاية ما يصعد إليه من باطن الأرض، أو لصعوده وارتفاعه فوق الأرض، والطيب الطاهر، وعن سفيان الحلال، وقيل: المنبت دون السبخة كما في قوله تعالى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ [الأعراف: ٥٨] والحمل على الأول هو الأنسب بمقام الطهارة، والمعنى فتعمدوا واقصدوا شيئا من وجه الأرض طاهرا، وهذا دليل واضح لجواز التيمم بالكحل والآجر والمرداسنج والياقوت والفيروزج والمرجان والزمرد ونحو ذلك. وإن لم يكن عليه غبار وإلى ذلك ذهب الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه. ومحمد في إحدى الروايتين عنه، وفي رواية أخرى عنه- وهو قول أبي يوسف والشافعي وأحمد رضي الله تعالى عنهم- أنه لا يجوز التيمم إلا أن يعلق باليد شيء من التراب لتقييد المسح- بمنه- في المائدة، وكلمة «من» للتبعيض وهو يقتضي التراب، والحنفية يحملونها على الابتداء أو الخروج مخرج الأغلب، وقيل: الضمير للحدث المفهوم من السياق، و «من» للتعليل، وأغرب الإمام مالك فأجاز التيمم بالثلج، وقد شنع الشيعة عليه بذلك، وقد اعتذرنا عنه في كتابنا- الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية- ونصب صَعِيداً على أنه مفعول به، وقيل: إنه منصوب بنزع الخافض أي فتيمموا بصعيد فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ أي وجوهكم وأيديكم على أن الباء صلة، والمراد استيعاب هذين العضوين بالمسح حتى إذا ترك شيئا منهما لم يجز كما في الوضوء وهو ظاهر الرواية، وفي رواية الحسن عن الإمام رضي الله تعالى عنه أن الأكثر يقوم مقام الكل لأن الاستيعاب في الممسوحات ليس بشرط كما في مسح الخف والرأس، ووجه