في كونه وحيا من الله تعالى لا أن لا يرتاب فيه حتى لا يصح ويحتاج إلى تنزيل وجود الريب عن البعض منزلة العدم لوجود ما يزيله، وقيل: إنه على الحذف كأنه قال لا سبب ريب فيه لأن الأسباب التي توجبه في الكلام التلبيس والتعقيد والتناقض والدعاوى العارية عن البرهان وكل ذلك منتف عن كتاب الله تعالى، وقيل معناه النهي وإن كان لفظه خبرا أي لا ترتابوا فيه على حد فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ [البقرة: ١٩٧] وقيل معناه لا ريب فيه للمتقين فالظرف صفة وللمتقين خبر وهُدىً حال من الضمير المجرور أي لا ريب كائنا فيه للمتقين حال كونه هاديا وهي حال لازمة فيفيد انتفاء الريب في جمع الأزمنة والأحوال ويكون التقييد كالدليل على انتفاء الريب و «لا» لنفي اتصاف الاسم بالخبر لا لنفي قيد الاسم فلا تتوجه إليه ليختل المعنى نعم هو قول قليل الجدوى مع أن الغالب في الظرف الذي بعد لا هذه كونه خبرا وإنما لم يقل سبحانه لا فيه ريب على حد لا فِيها غَوْلٌ [الصافات: ٤٧] لأن التقديم يشعر بما يبعد عن المراد وهو أن كتابا غيره فيه الريب كما قصد في الآية تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها فليس فيها ما في غيرها من العيب قاله الزمخشري وبعضهم لم يفرق بين ليس في الدار رجل وليس رجل في الدار حتى أنكر أبو حيان إفادة تقديم الخبر هنا الحصر وهو مما لا يلتفت إليه، وقرأ سليم أبو الشعثاء لا ريب فيه بالرفع وهو لكونه نقيضا لريب فيه وهو محتمل لأن يكون إثباتا لفرد ونفيه يفيد انتفاءه فلا يوجب الاستغراق كما في القراءة المشهورة ولهذا جاز لا رجل في الدار بل رجلان دون لا رجل فيها بل رجلان فلا لعموم النفي لا لنفي العموم والوقف على فِيهِ هو المشهور وعليه يكون الكتاب نفسه هدى وقد تكرر ذلك في التنزيل وعن نافع وعاصم الوقف على لا رَيْبَ ولا ريب في حذف الخبر، وذهب الزجاج إلى جعل لا رَيْبَ بمعنى حقا فالوقف عليه تام إلا أنه أيضا دون الأول، وقرأ ابن كثير «فيهي» بوصل الهاء ياء في اللفظ وكذلك كل هاء كناية قبلها ياء ساكنة فإن كان قبلها ساكن غير الياء وصلها بالواو ووافقه حفص في فِيهِ مُهاناً [الفرقان: ٦٩] وملاقيه وسأصليه، والباقون لا يشبعون وإذا تحرك ما قبل الهاء أشبعوه، وقرأ الزهري وابن جندب بضم الهاء من الكنايات في جميع القرآن على الأصل «والهدى» في الأصل مصدر هدى أو عوض عن المصدر وكل في كلام سيبويه ولم يجئ من المصادر بهذه الزنة إلا قليل كالتقى، والسرى، والبكى بالقصر في لغة ولقى كما قال الشاطبي وأنشد:
وقد زعموا حلما لقاك فلم أزد ... بحمد الذي أعطاك حلما ولا عقلا
والمراد منه هنا اسم الفاعل بأحد الوجوه المعروفة في أمثاله وهو لفظ مؤنث عند ابن عطية ومذكر عند اللحياني وبنو أسد يؤنثون كما قال الفراء فهو كالهداية وقد تقدم معناها. وفي الكشاف هي الدلالة الموصلة إلى البغية واستدل عليه بثلاثة وجوه، الأول وقوع الضلال في مقابله كما في قوله تعالى: لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ [سبأ: ٢٤] والضلال عبارة عن الخيبة وعدم الوصول إلى البغية فلو لم يعتبر الوصول في مفهوم الهدى لم يتقابلا لجواز الاجتماع بينهما، والثاني أنه يقال مهدي في موضع المدح كمهتد ومن حصل له الدلالة من غير الاهتداء لا يقال له ذلك فعلم أن الإيصال معتبر في مفهومه، والثالث أن اهتدى مطاوع هدى ولن يكون المطاوع في خلاف معنى أصله ألا ترى إلى نحو كسره فانكسر وفيه بحث. أما أولا فلأن المذكور في مقابلة الضلالة هو الهدى اللازم بمعنى الاهتداء مجازا أو اشتراكا وكلامنا في المتعدي ومقابله الإضلال ولا استدلال به إذ ربما يفسر بالدلالة على ما لا يوصل ولا يجعله ضالا على أنه لو فسرت الهداية بمطلق الدلالة على ما من شأنه الإيصال أوصل أم لا، وفسر الضلال المقابل لها- تقابل الإيجاب والسلب- بعدم تلك الدلالة المطلقة لزم منه عدم الوصول لأن سلب الدلالة المطلقة سلب للمقيدة إذ سلب الأعم يستلزم سلب الأخص فليس في هذا التقابل ما يرجح المدعى، وأما ثانيا فلأنا لا نسلم أن الضلالة عبارة عن